يا سادة، إن أخطر ما يتعرض له الإسلام أن يصير دين مسجد فقط، أن يظن واحد منكم أنه إذا صلى الصلوات الخمس مع الجماعة، وصام رمضان وحجّ، وقرأ كل يوم جزءًا من القرآن ولو بلا فهم، فقد صار من الصالحين، ولا عليه بعد ذلك أن يُلبس امرأته وبناته وفق الموضة مهما كان وضع هذه الموضة، وأن تكون معاملاته وفق العُرف التجاري مهما كان هذا العرف، وأن يفعل في ساعات فراغه كما يفعل الناس، مهما كان فِعْل الناس، لا ينظر في شيء من ذلك إلى حكم الشرع ولا يأخذ نفسه بتطبيقه.
هذا أخطر ما يتعرض له الإسلام، وقد بدأ بعض المسلمين يفهمون الإسلام بهذا المعنى الخطير.
أليس هذا صحيحًا؟ ألا تجدون المساجد ممتلئة بالمصلّين تمتدّ صفوفها يوم الجمعة إلى الشوارع، في أكثر بلاد الإسلام، بل في كل بلد من بلاد الإسلام؟ أوَليس من بين هؤلاء المصلين القاضي الذي يحكم بالقانون الوضعي المخالف لحكم الله، والتاجر الذي يأكل الربا الذي حرّمه الله، والذي يغشّ والذي يكذب، والذي يرتكب في بيته وفي عمله مجموعة من المحرَّمات؟
عفوًا، أنا لا أقول إنكم جميعًا من هؤلاء، بل أقول إنه ليس بيننا إلا قليل ممّن عصم الله، يسير في حياته كلها في ضوء أحكام الشرع. لذلك سألت: ما الذي استفدناه من هذه الأحاديث؟
كم أُلقي عليكم من هذه الأحاديث من يوم أُنشئت إلى الآن؟ مئات ومئات ومئات، فما هو الأثر العملي لها؟ أكاد أقول بأسف: إنه ليس لها أثر في حياتنا العملية! حتى أنا الذي يعظ ويحدّث،
1 / 34