وأخيرا لاحظوه، فجاءه رسول وسأله عما يريد، فذكر اسمه باحتشام، والتمس مقابلة قصيرة مع السيد دي تريفي، فوعده الرسول بتوصيل هذه الرسالة إلى القائد، وعند ذاك، غدا دارتانيان حرا في أن يتطلع إلى ما حوله. وكان في وسط هذه الجماعة البالغة النشاط والحيوية، فارس يبدو عليه الغرور، فارع الطول، يرتدي ثيابه بطريقة تختلف عن طرق الآخرين؛ لجذب الانتباه العام. لم يلبس هذا الفارس الزي الرسمي الذي يرتديه الآخرون ، وإنما كان يلبس صدارا أزرق بلون السماء، باهتا وباليا بعض الشيء، وفوقه حمالة سيف رائعة المنظر، مطرزة بخيوط ذهبية تتألق كما يتألق الماء تحت أشعة الشمس، ويتدلى من كتفيه العريضتين معطف طويل من القطيفة القرمزية اللون، مفتوح من الأمام ليبين الحمالة التي يتدلى منها أضخم سيف رآه دارتانيان في حياته.
ويبدو أن هذا الفارس انفصل حديثا من حرس القصر. وكان يعاني من نزلة برد، ويسعل من آن لآخر ليبرهن على إصابته بالبرد. وأخبر من حوله بأنه ارتدى المعطف ليدرأ هذا البرد عنه. وبينما هو يتكلم هكذا بلهجة ازدراء، ويفتل شاربه في خيلاء، أبدى الجميع إعجابهم بحمالة سيفه المزخرفة في إفراط، كما أعجب بها دارتانيان أكثر من غيره.
قال المدعو بورثوس: «أقسم بشرفي أنني اشتريتها بنفسي، بكل ما كان في كيس نقودي!»
عقب أحد الفرسان متهكما: «ربما؛ فقد اشتريت أنا كيس النقود هذا بنفس الطريقة، بكل النقود التي وضعها شخص آخر في كيس نقودي القديم!»
قال بورثوس: «هذا حقيقي، والدليل على ذلك أنني دفعت فيه اثني عشر بستولا،
1
أليس كذلك، يا أراميس؟» واستدار، وهو يتكلم، نحو فارس آخر. وكان هذا الفارس الذي استشهد به ليصدق على قوله، على نقيض بورثوس تماما؛ فهو شاب في حوالي الثالثة والعشرين من عمره، قلما يتكلم، وإذا تكلم فببطء وفي هدوء، وكثيرا ما كان ينحني احتراما لغيره بطريقة نبيلة تدل على حسن التربية. أجاب على استشهاد صديقه به، بإيماءة من رأسه، رغم أنه من المشكوك فيه أنه قد أصغى أساسا إلى كلام بورثوس.
وعلى ما يبدو فإن هذا التصديق قد أزال جميع الشكوك عن أصل حمالة السيف الفاخرة. ورغم أن الفرسان لم يزالوا يعجبون بها، فقد انتقل الحديث إلى موضوعات أخرى.
بعد ذلك بوقت قصير، خرج رسول من مكتب السيد دي تريفي، وصاح قائلا: «السيد دي تريفي ينتظر السيد دارتانيان.»
عند هذا الإعلان، الذي في أثنائه بقي باب المكتب مفتوحا، وقف الجميع صامتين. وفي وسط هذا السكون، عبر ذلك الرجل البهو بطوله، ودخل مكتب قائد الفرسان .
Página desconocida