From the Shadows of a Verse: Invitation and Advocates
الدعوة والدعاة من ظلال آية
Géneros
صورة حيّة من السيرة النبوية رسمت معنى المجادلة بالتي هي أحسن:
ومن الوقائع العملية في تطبيق معنى المجادلة بالتي هي أحسن التي أرشد إليها القرآن الكريم، مجادلة النبي-ﷺ-وحواره لرجل من سادات قريش، فبعد أن أدرك زعماء قريشٍ فشلهم في مختلف الأساليب التي منها عرضهم على سيدنا محمد ﷺ الملك والمال والسلطان والجاه، أرسلوا إليه أحدهم وهو عتبة بن ربيعة، وكان سيَّد قومه، فجاء إلى النبي ﷺ فكلمه واستعمل معه كل وسائل الإغراء بأسلوب مؤثر، ورسول الله ﵊-يسمع لقوله، دون أن يقاطع حديثه، أو يقسو عليه منتهجًا الحكمة والموعظة الحسنة في مناظرته، حتى إذا ما فرغ عتبة من كلامه، قال له ﵊: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟» قال: نعم. قال ﷺ:
«فَاسْتَمِعْ مِنِّي».
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿حم (١) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥)﴾ [سُورَةُ فُصِّلَتْ].حتى انتهى إلى آية السجدة فسجد، ثم قال: «قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ». فقام عتبة إلى قومه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به! فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك؟ قال: ورائي أني سمعت قولًا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر
قريش: أطيعوني، واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل، وبين ما هو عليه، فاعتزلوه، فو اللهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ، قالوا: سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ، قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ. [السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٢٦٢]
كما أن الصحابة الكرام-﵃ اتبعوا في دعوتهم ذات أسلوب اللين والرفق والحلم والصبر، تجاه المستضعفين المسالمين، فنالوا بذلك ثقتهم، وبادرت جماهيرهم إلى اعتناق الإسلام طواعية، وذلك من خلال ما لمسوه لديهم من حسن المسلك، ونقاوة السيرة، وما يتفق مع العقل والمنطق.
ما كان الإسلام ليقر مبدأ التعسّف لنشر دعوته ولا التضليل بالناس والتغرير بهم، وإنما جاء ليناصب العداء للرذائل ويمحو الزيف والبطلان، فالغاية الطيبة تستلزم دون شكٍ الوسيلة الطيبة.
1 / 9