وفي أخيلة الشعراء أن الأرباب قد ائتمرت بينها على تقييد كبيرها جوبيتر، فأشار عليه بالاس أن يرسل في طلب المارد بريارس
Briareus ؛ لينجده بأيديه المائة ... وهو رمز يدل الملوك على مبلغ السلامة في التعويل على حسن النية والإخلاص في السواد من الناس.
والحرية المعتدلة في التفريج عن الشكايات وأسباب السخط والاستياء وسيلة طيبة في اتقاء الفتنة ما لم تتجاوزه حدها إلى القحة والاجتراء، فإن حبس الأخلاط ورد القيح إلى الجوف يخلقان الدمامل والأدواء. •••
إن دور أبيمثيوس ليصلح لبرومثيوس في أحوال السخط والتذمر، إذ ليس ثمة عدة أصلح لاتقائها، فلما طارت الشرور من الحق عمد أبيمثيوس أخيرا إلى الغطاء، فحفظ الرجاء في قرارة الحق وأبقاه.
ومما لا مراء فيه أن استخدام السياسة والمحاولة في تغذية الآمال، وحمل الناس من أمل إلى أمل، هو من خير ما يتخذ ترياقا مانعا لسموم السخط والشكاية، وآية من الآيات على حسن تدبير الحكومة وسداد تصرفها، فتستولي على قلوب الرعايا بالأمل حيث يئودها أن تستولي عليها بالكفاية، وتعالج الأمور علاجا لا يأذن لشر من الشرور أن يستفحل، حتى لا تنفرج منه ندحة للرجاء، وذلك أهون الصعوبتين؛ لأن الأفراد والطوائف يجدون ثمة وسائل للعزاء وتمليق أنفسهم، أو يموهون على أنفسهم ما هم مرتابون فيه.
ومن الحيطة الحسنة والوقاية النافعة ألا يكون ثمة رأس صاح لاتفاق الناس حوله، والالتفاف به في أيام السخط والشكاية، ونعني بالرأس الصالح من له عظمة وسمعة وللساخطين به ثقة ورجاء، فيتطلعون إليه وهم يعلمون أنهم مثلهم ساخط من أجل شئونه التي تعنيه.
وأمثال هؤلاء الرجال إما أن تستميلهم الدولة وتسترضيهم جدا وحقا، وإما أن تقاومهم بنظراء لهم في الجماعة فيقسمونها عليهم.
وعلى الجملة لا تعد الحيلة في تفريق الطوائف التي تعادي الحكومة وإقصاء نفوذها وبث الوقيعة بينها محاولة غير محمودة عند الضرورة الميئسة، وهذه الضرورة هي ابتلاء الحكومة بالشقاق في أعمالها، وملاقاتها لخصوم متساندين بينهم متفقين عليها.
وأذكر أن بعض الأقوال اللاذعة البراقة التي يلفظ بها الأمراء كثيرا ما تلهب نيران الفتن والقلاقل، فقيصر قد أضر بنفسه غاية الضرر بقوله عن سولا: (إنه لا يعرف الكتابة ولذلك يملي إرادته.) لأن هذه التورية قد أيأست الناس من تخليه يوما من الأيام عن سلطان الاستبداد، وأساء غلبا Galba إلى نفسه، حيث قال: إنه لا يشتري جنوده ولكنه يكبتهم، فأيأس منه الجنود وأمثالهم.
فعلى الملوك في الأيام الحرجة والمسائل الحساسة أن يحاسبوا ألسنتهم على ما تلفظ به، ولا سيما تلك الكلمات القصار التي تنبعث انبعاث السهام، وتكشف للناس عن طواياهم؛ لأن الأحاديث الفياضة شيء عريض لا يمسك ولا يعلق بالذاكرة.
Página desconocida