، الذي صنفه أدباء كامبردج يصفون العالم القح بأنه ذلك المخلوق «... الذي له ملكة خاصة في السعال، ورخصة في البصاق ... أو الذي يوصف نفيا بأنه ذلك المخلوق الذي «لا» يحسن الخطو و«لا» الأكل النظيف و«لا» ركوب الجياد، ولا تحية المرأة وهو ناظر إلى عينيها».
وتحدث توماس مورلي في كتابه «مقدمة الموسيقى العملية» عن عالم يذكر كيف دعوه في بعض المحافل إلى مشاركتهم في الغناء، فأنكروا منه أن يعتذر بالجهل وعدوها منه قلة أدب! وتساءلوا: أين يا ترى تربى هذا المخلوق؟
ولعل الشاعر سبنسر قد وصف النموذج الأدبي قبيل ذلك حين وصف سير فيليب سدني
Sidney ، فقال: «إنه لخفيف في الصراع سريع في العدو، سديد في الرماية، قوي في السباحة، حسن العدة للضرب والقذف والوثب والرفع، وكل ما يزاوله الرعاة من رياضة ولعب». •••
ولقد كانت هذه النزعات الحية تتمثل في الشعائر العامة والعادات الشعبية، كما تتمثل في الشعر والآثار الأدبية.
فمن العادات التي كانت شائعة في بيئة الفقهاء والأدباء عادة البلاط الأدبي، الذي كانوا يعقدونه بعلم من الحكومة ومساهمة منها في بعض الأحيان، فينصبون لهم أميرا يمنحونه لقب الإمارة، ويقضون برئاسته بضعة أسابيع في محاكاة البلاط ومراسمه وعرض فكاهاته وأضاحيكه، ويطوفون المدينة في موكب حافل يرحب به عمدتها، ويدعوه إلى وليمة فاخرة يشهدها العلية، ورجال الحاشية الملكية ونساؤها، وهي عادة مقتبسة من المغرب العربي، ولا تزال لها بقية مشهودة في موكب سلطان الطلبة، الذي يؤلفه الطلبة بالبلاد المراكشية بموافقة السلطان وتشجيعه، ويظهر أن العادة من نشأتها الأولى عربية مغربية وصلت إلى الإنجليز وغيرهم من هذا الطريق، واسم هذه المواكب في اللغات الأوروبية عربي بلفظه ومعناه؛ لأن كلمة مسكراد
masquerade
التي تدل عليه مأخوذة من كلمة مسخرة أو مسخرات، وهي تتناول مظاهر الحكاية والسخرية، ومحافل البسط والقصف وما إليها.
ويقضي هذا البلاط الملفق بتنصيب بعض النبلاء، وحملة الألقاب، ولكنه يشترط فيمن يستحق ألقابه أن يطلع على جميع المؤلفات المشهورة، ويتردد على المسرح ويحسن نظم المقطوعات الشعرية، التي تستخدم للتحية أو الفكاهة في المجالس العامة، ثم يشترط في هذا النبيل الأديب أن يكون على رضى العصر من صفات الأدب والكياسة، فلا يكتفي منها بالعلم والاطلاع دون الكياسة الاجتماعية والخبرة بآداب الخطاب والسلوك والإشراف على المآدب والمراقص، وسهرات السمر والغناء، وعليه - من واجباته المختلفة - أن يتصدر إحدى الولائم، ويدير فيها الحديث، ويتكفل بتحية المدعوين والمدعوات.
ومن دأب العصور التي تشيع فيها هذه النزعات الحية أن تتبرم بتعليم المدارس والجامعات، ولا ترى فيه الكفاية لتنشئة الرجل المهذب والعامل الناجح في مطالب الحياة؛ لأنهم ينشدون الملكات التي ترشحهم لارتقاء المناصب الرفيعة، وتحصيل الثراء والعتاد ومزاولة الأعمال، ومداورة الفرص واجتناء اللذات، ولم يكن تعليم تلك العصور كفيلا بشيء من هذا؛ لأنه مقصور على حشو الأذهان بالنصوص والشروح، وتخريج علماء العزلة وحفاظ الدفاتر والأوراق.
Página desconocida