قد يكون الرجل الصغير في سنيه كبيرا في ساعاته إن لم يفرط في شيء من وقته، ولا يتفق ذلك إلا في الندرة.
والغالب أن الشباب كالفكرة الأولى التي ليس فيها من الحكمة ما في الفكرة الثانية؛ لأن الشباب يكون في الأفكار كما يكون في الأعمار.
إلا أن مبتكرات الشباب أنضر من مبتكرات الشيخوخة، والأخيلة إلى أذهانهم أسرع وأقرب إلى النفحات العلوية.
والطبائع التي تغلب عليها الحدة، وتستولي عليها الشهوات العنيفة لا تنضج للعمل حتى تجاوز منتصف حياتها كما كان يوليوس قيصر وسبتيموس سفيروس، الذي قيل فيه إنه قضى عمرا مفعما بالأخطاء، بل بالجنون، وكان مع هذا أقدر العواهل جميعا أو يكاد.
ولكن الطبائع الهادئة قد تحسن العمل في الشباب، كما كان أوغسطس والدوق قسموس أمير فلورنسه وجاستون دي فوا وآخرون.
على أن الحدة والنشاط في الشيخوخة من أصلح الخصال للنهوض بالأعمال.
والشبان أصلح للإبداع منهم للحكم والتقدير، وللتنفيذ منهم للمشورة، وللخطط الجديدة منهم للسنن المقررة.
والشيوخ يسددون خطاهم فيما يتناولونه من أعمالهم، ولكنهم يسيئون توجيههم فيما هو جديد مبتكر.
على أن غلطة الشباب وبال على العمل، ولكن غلطة الشيخوخة لا يبلغ منها إلا أنها تتطلب المزيد من القدرة أو المزيد من السرعة.
ومن دأب الشبان في سياسة الأمور أنهم يحيطون بأكثر مما يقدرون على حمله، ويحركون أكثر ما يقدرون على تسكينه، ويندفعون إلى الغاية دون مبالاة منهم بالوسائل والدرجات، ويعتمدون على قليل من المبادئ التي اتفقت لهم بغير روية، ويعتسفون المسائل التي تقحمهم في العواقب المجهولة، ويبدءون بالعلاج الحاسم من الوهلة الأولى، ويضاعف أغلاطهم أنهم لا يعترفون بها ولا يرجعون فيها، كالجواد الجامح الذي لا يقف ولا يلتفت يمنة ويسرة.
Página desconocida