La Gran Fitna (Parte 1): Uthman
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Géneros
وقد دلت سيرة عثمان مع الحكم وبنيه بعد ذلك على أنه إنما ردهم إلى المدينة إيثارا لهم بالخير، وتكاثرا بهم على غيره من المسلمين، واستعانة بهم على أمور السياسة والإدارة والمال. فقد أعطى عثمان الحكم مالا كثيرا، ولما مات الحكم ضرب عثمان على قبره فسطاطا. وقد ولى عثمان الحارث بن الحكم سوق المدينة، فأسرف على الناس وعلى نفسه، وسار سيرة لا تلائم الأمانة ولا التورع، وإنما تلائم الجشع والطمع وحب الاستكثار من المال.
ثم لم يقف عثمان عند هذا الحد، وإنما أعطى الحارث مالا كثيرا كما سنرى، ثم اختص عثمان بمروان بن الحكم، فأعطاه وحباه واتخذه لنفسه وزيرا ومشيرا؛ فدل هذا كله على أن عثمان لم يدع الحكم وبنيه إلى المدينة رقة لهم وعطفا عليهم فحسب، وإنما دعاهم أيضا ليكونوا له عدة وأعوانا.
كل هذه أمور نقمها الناقمون من عثمان في أمر دينه. وقد رأيت أن لا بأس على عثمان من أكثرها، وأن قصة الحكم وبنيه وحدها هي التي يصعب الدفاع فيها عن عثمان. وهي على كل حال ليست من الأمور التي تقدح في دين عثمان؛ فهو قد خالف سنة من السنن، وتأول في ذلك مخطئا أو مصيبا، ولكنه على كل حال لم يغير أصلا من أصول الدين ولا هدم ركنا من أركانه، وهو بعد ذلك رجل يخطئ ويصيب. وليس كل الأئمة يستطيع أن يسير سيرة أبي بكر وعمر وإن عاهد الناس على أن يسير سيرة أبي بكر وعمر.
ويقيننا أن عثمان لو وقف بأحداثه عند هذا الحد لما زاد المسلمون على أن ينصحوا له ويشتدوا عليه في العتب، ثم لا يتجاوزون ذلك إلى غيره ، وإنما يحملونه تبعة سيرته ويخلون بعد ذلك بينه وبين الله يحاسبه على ما قدم حسابا يسيرا أو عسيرا.
ولكن عثمان لم يقف بأحداثه عند هذا الحد، وإنما تجاوزها هو وعماله إلى أشياء أخرى تمس حقوق الناس ومصالحهم وحرياتهم؛ فكان هذا مصدرا لشر عظيم.
الفصل الرابع والعشرون
وقد نقم المسلمون من عثمان سياسته في الإدارة وسيرته في التولية والعزل، فقالوا: إنه ولى أمور المسلمين جماعة من الأحداث لا يصلحون لها ولا يقدرون عليها، ولا ينصحون للدين ولا يخلصون لله ورسوله، وعزل أصحاب النبي عن الأمصار، ولم يسمع لوصية عمر، فحمل بني أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس. وقد عوتب في ذلك فلم يعتب حتى ظهر فسق عماله وانحرافهم عن الجادة فلم يعزل أحدا منهم إلا مضطرا.
فهو ولى الوليد على الكوفة مكان سعد بن أبي وقاص، وولى عبد الله بن عامر مكان أبي موسى الأشعري، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مكان عمرو بن العاص، وآثر معاوية بالشام كله.
وقد قدمنا في هذا كله ما كان لنا من رأي فيه. ونلاحظ مع ذلك أن أنصار عثمان من أهل السنة والمعتزلة يتكلفون في الدفاع عنه، كما أن خصومهم يسرفون في النعي عليه. فظاهر أن قول المدافعين عن عثمان إن عذره قائم في تولية من ولى من عماله؛ لأن أحوالهم كانت مستورة، ولأن ظاهر أمرهم كان حسنا، فليس من توليتهم بأس - ظاهر أن هذا القول لا يستقيم. فقد كانت حال الوليد بن عقبة معروفة ظاهرة، وكان عثمان يعلم أن الله أنزل فيه قرآنا وسماه فاسقا، وأن عمر ظن أن أمره قد صلح فولاه صدقات تغلب، ثم لم يلبث أن عزله حين استبان أنه ما زال على جاهليته. وكان الوليد نفسه يعلم ذلك حق العلم؛ فقد روي أنه حين دخل الكوفة واليا عليها مكان سعد، قال له سعد: أزائرا يا أبا وهب أم أميرا؟ قال الوليد: بل أميرا يا أبا إسحاق. قال سعد: والله ما أدري أحمقت بعدك أم كست بعدي . قال الوليد: ما حمقت بعدي ولا كست بعدك، وإنما ولي القوم الأمر فاستأثروا. قال سعد: ما أراك إلا صادقا، فقد كان الوليد يعلم أنه لم يول الكوفة لأن أمره حسن بعد قبح وصلح بعد فساد، وإنما ولي لأن القوم ملكوا فاستأثروا.
وكان عثمان يعلم حق العلم أن عبد الله بن عامر شاب حدث لم تتجاوز سنه الخامسة والعشرين بعد، وأن في المهاجرين والأنصار وغيرهم من العرب من هم أكبر منه سنا، وأكثر منه تجربة، وأقدم منه سابقة في الدين. وكان عثمان يعلم أن الله قد أنزل قرآنا في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأن النبي كان قد أهدر دمه يوم الفتح. فلم تكن حال هؤلاء الناس مستورة، وإنما كانت أظهر من أن تخفى على مثل عثمان. وظاهر كذلك أن قول أهل السنة والمعتزلة أن عثمان عزل من عماله من ظهر له فسقه أو فساد أمره لا يستقيم؛ فعثمان لم يعزل الوليد إلا حين لم تكن له مندوحة عن عزله. ولسنا نزعم أن عثمان تلكأ في إقامة الحد على الوليد، ولكنا نقطع بأنه لم يعزله إلا حين ظهر منه الفساد ظهورا فاضحا، وشهد الشهود عليه بشرب الخمر، وضج منه أهل الكوفة، وألح في عزله المهاجرون والأنصار. وعثمان لم يعزل سعيد بن العاص بعد الوليد عن رضا، وإنما أكره على عزله إكراها حين سار أهل الكوفة فردوا سعيدا وحالوا بينه وبين دخول مصر، وخيروا عثمان بين الثورة وبين أن يولي عليهم أبا موسى الأشعري. وعثمان لم يعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن رضا، وإنما أنذره المصريون بالثورة، وألح المهاجرون والأنصار في عزله، وطالب علي بأن يحقق ما اتهم به من القتل؛ هنالك عزل عثمان عبد الله بن سعد، وكتب بعهده على مصر لمحمد بن أبي بكر. كل ذلك شيء لا شبهة فيه، وإنما تأتي الشبهة فيما كان بعد ذلك من أمر الكتاب الذي أرسل بقتل المصريين.
Página desconocida