La Gran Fitna (Parte 1): Uthman
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Géneros
ومهما يكن من ذلك فقد ذهب أبو ذر إلى الشام، ولكن إقامته هناك لم تطل. جعل يقول في الشام ما كان يقول في المدينة، وأنكر على معاوية أشياء: أنكر عليه أن يقول مال الله، وقال: إنما هو مال المسلمين. وأنكر عليه بناء الخضراء، وقال: إن كنت إنما بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة، وإن كنت إنما بنيتها من مالك فإنما هو السرف. وكان يقول: ويل للأغنياء من الفقراء! وكان الناس يجتمعون إليه ويسمعون منه ويؤمنون له، حتى خاف معاوية على أهل الشام من دعوة أبي ذر هذه، فكتب يشكو منه إلى عثمان. وكتب عثمان إليه أن أشخص إلي جندبا على أغلظ مركب وأوعره. فأرسله معاوية إلى المدينة غير حفي به. فلما بلغ المدينة مضى في دعوته، وجعل يقول: بشر الأغنياء بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. وجعل يطعن على عثمان! لأنه أطلق يده في مال المسلمين، واستعمل الأحداث، وولى أبناء الطلقاء، حتى ضاق به عثمان.
ويختلف الرواة بعد ذلك، فيقول بعضهم: إن عثمان أمره أن يخرج من المدينة فيقيم حيث شاء، ولكنه منعه من الذهاب إلى الشام أو إلى أحد المصرين في العراق أو إلى مكة. فاختار أبو ذر أن يذهب إلى الربذة، فأذن له عثمان، فذهب إليها وأقام فيها حتى مات. ويقول آخرون: إن أبا ذر لم يختر، وإنما سيره عثمان إلى الربذة منفيا، فأقام فيها حتى مات غريبا، وحتى عجزت امرأته عن دفنه. فدفنه قوم من أهل العراق أقبلوا حاجين أو معتمرين. وبلغ عثمان موته فاستغفر له، وضم أهله إلى عياله. وأظهر عمار بن ياسر رقة لأبي ذر وعطفا عليه، فظن عثمان أنه إنما يلومه على نفيه أبا ذر، فغضب عليه وأمره أن يذهب هو أيضا إلى الربذة منفيا. فلما تهيأ عمار للخروج غضبت بنو مخزوم وكان عمار لهم حليفا، وغضب علي وأقبل على عثمان فلامه في نفي أبي ذر، وطلب إليه أن يكف عن عمار. وتلاحى الرجلان، حتى قال عثمان لعلي: ما أنت بأفضل من عمار، وما أنت أقل استحقاقا للنفي منه. قال علي متحديا: رم ذلك إن شئت. وقام المهاجرون إلى عثمان فلاموه وقالوا: كلما غضبت على رجل نفيته؛ فإن هذا أمر لا يسوغ. فكف عثمان عن عمار وعن علي أيضا.
فكانت معارضة أبي ذر كما رأيت تتصل قبل كل شيء بالنظام الاجتماعي. كان يكره أن يغنى الغني حتى يكنز الذهب والفضة، وأن يحتاج الفقير حتى لا يجد ما ينفق. ثم كان يكره أن يعطي الإمام مال المسلمين للأغنياء بغير حقه، فيزيدهم غنى ويزيد الفقراء فقرا، ويؤثر المال قوما لا حاجة بهم إليه، ويصرف هذا المال عن المصالح العامة. ثم كان لا يرى للخليفة الحق في أن يكفه عن النقد أو يعاقبه على المعارضة. وكان يرى أن رضا الله بإسخاط السلطان أحب إليه من رضا السلطان بإسخاط الله. ثم تعقدت معارضته فأصبحت سياسية؛ فلم يكتف بلوم الخليفة والولاة في إنفاقهم أموال المسلمين في غير وجهها، وإنما جعل ينكر على عثمان سياسته في التولية والعزل وإيثار الأحداث وأبناء الطلقاء. وهو على كل هذه المعارضة لم يكن ثائرا ولا نازعا يدا من طاعة، ولا ممتنعا على الخليفة إن عاقبه أو أراد به المكروه. إنما كانت معارضته سلبية تكتفي بالنقد اللاذع والنصح العنيف. وهو من أجل ذلك ذهب إلى الشام حين أمر أن يذهب إلى الشام، وسار إلى الربذة حين أمر أن يسير إلى الربذة، وقال: أمرت أن أطيع وإن أمر علي عبد مجدع. وقال للذين طلبوا إليه أن يقودهم إلى المقاومة الإيجابية: لو صلبنى عثمان على طول جذع من جذوع النخل لما عصيت.
كان إذن يرى أن من حقه أن يعارض ما وسعته المعارضة، ولكن في حدود الطاعة وتجنب الخروج على الإمام.
الفصل الحادي والعشرون
وكان عمار بن ياسر من المستضعفين في مكة. أبوه ياسر يمني حليف لبني مخزوم، وأمه سمية أمة من إمائهم. وقد دخل عمار مع صهيب على النبي فأسلم بعد نيف وثلاثين رجلا، ثم أسلم أبواه، فأولعت قريش بتعذيبهم جميعا. وعذب عمار بالقيظ في رمضاء مكة وحرق بالنار، وكانت قريش تعذبه ولا تعفيه من العذاب حتى ينال من النبي ويذكر آلهتها بخير. وشكا ذلك إلى النبي فقال له: «فإن عادوا فعد.» وأنزل الله في عمار غير آية من القرآن. وكان النبي يرق له ولأبويه، فيمر بهم وهم يعذبون فيرحمهم ويستغفر لهم ويبشرهم بالجنة، حتى قال يوما: «اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت.» وهاجر عمار إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة. وكان أول ما اتخذ في بيته بمكة مسجدا يصلي فيه. وشارك في بناء مسجد النبي مشاركة حسنة، فكان المسلمون يحمل كل واحد منهم لبنة لبنة، وكان هو يحمل لبنتين لبنتين. وكان في أثناء ذلك يتغنى: «نحن المسلمون نبتني المساجدا»، وكان النبي يرجع عليه بعض غنائه فيقول: «المساجدا.» وشارك كذلك في حفر الخندق مشاركة حسنة، حتى كان النبي يمسح التراب عنه. وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع النبي. وقاتل يوم اليمامة أروع قتال. ورآه بعض المسلمين على صخرة ذلك اليوم وهو يصيح: أيها المسلمون، أمن الجنة تفرون! وولاه عمر بن الخطاب أميرا على الكوفة، وجعل معه عبد الله بن مسعود على بيت المال وحذيفة بن اليمان على السواد، ورزقهم شاة في كل يوم لعمار نصفها، ولكل من عبد الله وحذيفة ربعها. ولما عزله عمر عن الكوفة سأله: أساءك عزلنا إياك؟ فقال: أما إذ قلت ذاك فقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني.
وقد بايع عمار عثمان مع غيره من المسلمين، ولكن الأحداث لم تكد تحدث حتى ظهرت معارضته لعثمان عنيفة حادة، فجعل يلهج به وينكر عليه، حتى تحدث الناس ذات يوم بأن عثمان أخذ من جوهر كان في بيت المال فحلى به بعض أهله ، فغضب الناس لذلك ولاموا عثمان فيه حتى أغضبوه، فخطب فقال: «لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام.» فقال له علي: إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. وقال عمار بن ياسر: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك. فقال عثمان: أعلي يابن المتكاء تجترئ! خذوه. فأخذ، ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه.
1
ثم أخرج محمولا حتى أتي به منزل أم سلمة زوج النبي، وظل مغشيا عليه سائر النهار ففاتته الظهر والعصر والمغرب. فلما أفاق توضأ وصلى، وقال: الحمد لله! ليست هذه أول مرة أوذينا فيها في الله. ويقال: إن أم سلمة أو عائشة أخرجت شيئا من شعر النبي وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله، وقالت: هذا شعر النبي وثوبه ونعله لم يبل وأنتم تعطلون سنته. وضج الناس، وخرج عثمان عن طوره حتى لا يدري ما يقول.
واشترك عمار مرة أخرى مع جماعة من أصحاب النبي في كتاب كتبوه إلى عثمان يلومونه ويعظونه، وأقبل عمار بالكتاب فدخل على عثمان وقرأ عليه صدرا منه، فشتمه عثمان وضربه برجليه وهما في الخف حتى أصابه الفتق وكان شيخا ضعيفا.
Página desconocida