La Gran Fitna Parte II: Ali y sus Hijos
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Géneros
وكان علي قد أخذ نفسه بألا يعرض لهم بشر حتى يبتدئوه، وأعلن إليهم ذلك وإلى الناس، فأطمعهم عدله وإسماحه فيه، وأغراهم لينه وبره بهم، وكان يعلم منهم ذلك حق العلم، وقد استقر في نفسه أنهم قاتلوه حتى لقد كان كثيرا ما يقوله: «لتخضبن هذه من هذه.» يشير إلى لحيته ويشير إلى جبهته.
وكان من ألقي إليه من النبي
صلى الله عليه وسلم
فيما يظهر أنه سيموت مقتولا، وأن قاتله أشقى هذه الأمة، فكان كثيرا ما يقول في خطبه حين يشتد سأمه لأصحابه وضيقه بعصيانهم: ما يؤخر أشقاها؟
ولم يكن الخوارج يتحرجون من الجهر بآرائهم بين حين وحين، حتى جاءه أحدهم ذات يوم وهو الخريت بن راشد السامي - من ولد سامة بن لؤي - ذات يوم، فقال له: والله لا أطعت أمرك ولا صليت خلفك. فقال له علي: ثكلتك أمك، إذن تعصي ربك، وتنكث عهدك، ولا تغر إلا نفسك، ولم تفعل ذلك؟ قال: «لأنك حكمت في الكتاب وضعفت عن الحق حين جد الجد، وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك زار وعليهم ناقم.» فلم يغضب علي لذلك ولم يبطش به، إنما دعاه إلى أن يناظره ويبين له وجه الحق لعله أن يثوب إليه، فقال له الخريت: أعود إليك غدا. فقبل منه علي وخلى بينه وبين حريته، لم يرتهنه في سجن حتى يناظره فيسمع منه ويقول له، وإنما ترك له الطريق، فانصرف الرجل إلى قومه من بني ناجية، وكان فيهم مطاعا، شهد بهم يوم الجمل وصفين، فأخبرهم بما كان بينه وبين علي، ثم خرج بهم في ظلمة الليل من الكوفة يريد الحرب، ولقي الخريت وأصحابه في طريقهم رجلين سألوهما عن دينهما، وكان أحدهما يهوديا، فلما أنبأهم بدينه خلوا سبيله لأنه ذمي، وأما الآخر فكان مسلما من الموالي، فلما أنبأهم بدينه سألوه عن رأيه في علي فقال خيرا، فوثبوا عليه فقتلوه، وأنبأ اليهودي بما رأى عاملا من عمال علي على السواد، فكتب العامل إلى علي، وأرسل علي جيشا لتتبع هؤلاء القوم وردهم إلى الطاعة ومناجزتهم إن أبوا، ولحق بهم الجيش.
وكانت بين القائد وبين الخريت مناظرة لم تجد شيئا، فطلب إليه القائد أن يسلموا إليه قتلة ذلك المسلم، فأبى الخريت، وكان بينهم قتال شديد لم يبلغ فيه أحد من صاحبه شيئا، ثم تحاجز القوم آخر النهار وهرب الخريت بأصحابه نحو البصرة.
وأرسل علي جيشا آخر أعظم قوة وأكثر عددا، وأمره بتعقب هؤلاء القوم، وكتب إلى عبد الله بن عباس عامله على البصرة أن يمد هذا الجيش، ففعل. والتقى الفريقان، فاقتتلوا أشد قتال وظهر الضعف في أصحاب الخريت، ولكنه استطاع في هذه المرة أيضا أن يهرب بأصحابه تحت الليل.
ولم يلبث أمر هذا الرجل أن استبان وظهر أنه لم يخرج غضبا للحق ولا إنكارا للحكومة، وإنما كان مغامرا يوهم الخوارج أنه معهم، ويوهم العثمانية أنه يطلب بدم عثمان، وقد جعلت أخلاط كثيرة من الناس تنضم إليه، وجعل يمضي في طريقه على ساحل البحر، لا يكاد يتقدم إلا انضم إليه من الأخلاط والعلوج طوائف، حتى كثف جيشه وعظم أمره، وتبعه قوم من النصارى، فمنهم من كان أسلم فعاد إلى نصرانيته، ومنهم من ظل على دينه ولكنه أراد أن يتخلص من أداء الجزية، وجعل جيش علي يتبع الخريت وأصحابه حتى أظلهم ذات يوم، وكانت بينه وبينهم موقعة قتل فيها الخريت، وأخذ قائد علي من بقي من أصحابه أسرى، فمن كان منهم مسلما من عليه، ومن كان منهم قد ارتد استتابه، فإن أسلم من عليه أيضا، وإن لم يسلم أخذه أسيرا سبيا.
وكتب بذلك إلى علي، وعاد بأصحابه وأسراه نحو الكوفة، وكان هؤلاء الأسرى خمسمائة، فمروا بخطة من خطط فارس عليها عامل لعلي هو مصقلة بن هبيرة الشيباني، فجعل الأسرى يتصايحون بالدعاء لمصقلة والاستغاثة به واستعانته على تخليصهم من أسرهم، وكانت كثرتهم من قومه بكر بن وائل، فاشتراهم مصقلة من قائد علي وأعتقهم، ولكنه التوى بما شرطه على نفسه من ثمنهم.
وانتهى الجيش إلى الكوفة، وعرف علي قصة مصقلة مع الأسرى، فأثنى على القائد وصوب رأيه، وانتظر أن يرسل مصقلة ما عليه من دين، فلما أبطأ طالبه وألح في مطالبته وإنذاره، ثم أرسل إليه من يتقاضى منه المال، فإن التوى به حمله إلى أمير البصرة ابن عباس.
Página desconocida