La Gran Fitna Parte II: Ali y sus Hijos
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Géneros
والرواة يختلفون في بيعة الإمام بعد قتل الخليفة، فقوم يقولون إن عليا بويع إثر قتل عثمان مباشرة. وليس هذا بثبت، وإنما الثبت الملائم لطبيعة الثورة ولطبيعة هذه الفتنة المشبهة أن المدينة ظلت أياما وليس للناس فيها خليفة وإنما يدبر أمورهم فيها الغافقى أحد زعماء الثورة.
وقد وقع الثائرون بعد أن شفوا أنفسهم من الخليفة المقتول في حيرة حائرة، كانوا يعلمون أن لا بد للناس من إمام ومن أن يبايع هذا الإمام في أسرع وقت ممكن قبل أن يستبد عمال عثمان بما في أيديهم، ويرسل أقواهم معاوية جنده إلى المدينة ليخضعها لسلطانه ويعاقب الثائرين على ما قدموا، وكانوا يعلمون أن أحدا منهم لا يستطيع أن ينهض بإمامة المسلمين لأن أمر الإمامة إنما هو إلى المهاجرين والأنصار يبايعون بها من يختارون من قريش.
ثم كانت أهواؤهم بعد ذلك مختلفة: هوى أهل مصر مع علي، وهوى أهل الكوفة مع الزبير، وهوى أهل البصرة مع طلحة. وقد جعل كل فريق منهم يختلف إلى صاحبه، وجعل الثلاثة يأبون عليهم ويمتنعون من قبول الإمامة منهم، وكأن الثائرين استيقنوا آخر الأمر أنهم لن يستطيعوا وحدهم أن يقيموا للناس إماما وأن لا بد أن يعينهم المهاجرون والأنصار على ذلك، يختارون أحد هؤلاء الثلاثة ويلحون عليه، ويؤيدهم الثائرون في هذا الإلحاح وما يزالون به حتى يرضى.
فجعلوا يدورون على أصحاب النبي يدعونهم - ملحين في الدعوة - إلى أن يختاروا لأمة محمد
صلى الله عليه وسلم
إماما، وقد رأى المهاجرون والأنصار أن لا بد مما ليس منه بد، وأدار كل منهم الأمر بينه وبين نفسه، وبينه وبين من استطاع أن يلقى من أصحابه، فإذا هم يميلون إلى علي ويؤثرونه على صحابيه.
وكذلك أقبلوا على علي يعرضون عليه الإمامة ويلحون عليه في قبولها، والثائرون يؤيدونهم في ذلك. وحاول علي أن يمتنع فلم يجد إلى الامتناع سبيلا، وما يرده عن القبول وقد رفض الخلافة حين قدمها إليه الثائرون، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يعرضونها عليه ويريدون أن يبايعوه كما بايعوا الخلفاء من قبله، فقد قبل الخلافة إذن وجلس للبيعة على منبر النبي كما جلس الخلفاء من قبله، وأقبل الناس فبايعوه.
ولكن نفرا أبوا أن يبايعوا فلم يلح عليهم علي في البيعة ولم يأذن للثائرين في إكراههم عليها، من هؤلاء النفر سعد بن أبي وقاص، وهو أحد أصحاب الشورى، أبى أن يبايع وقال لعلي: ما عليك مني من بأس. فخلى علي بينه وبين ما أراد.
ومنهم عبد الله بن عمر، أبى أن يبايع وطلب إليه علي من يكفله لأن يلزم العافية ويفرغ من أمر الناس، فأبى أن يقدم كفيلا، فقال له علي: ما علمتك إلا سيئ الخلق صغيرا وكبيرا. ثم قال: خلوه وأنا كفيله.
وأبى البيعة قوم آخرون من هؤلاء الذين اعتزلوا الفتنة، فلم يرد علي أن يستكرههم ولا أن يعرض لهم أحد بسوء، وامتنع طلحة والزبير عن البيعة فأكرههما الثائرون عليها، ولم يتركهما علي وشأنهما كما ترك سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وغيرهما من الذين اعتزلوا الفتنة، فقد كان علي يعلم من أمرهما ما علم الثائرون، كان يعلم أن طلحة كان من أشد الناس على الخليفة المقتول، وأنه كان يطمح إلى ولاية الأمر، وكان يعلم أن الزبير لم يأمر ولكنه لم ينه، ولم يكن أقل من طلحة طموحا إلى ولاية الأمر؛ فلم يعفهما من البيعة ليستوثق منهما بقدر ما كان يمكن أن يستوثق منهما.
Página desconocida