La Gran Fitna Parte II: Ali y sus Hijos
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Géneros
وكان للخبر صدى مثل هذا الصدى في خراسان عند عاملها الربيع بن زياد، وقالت عائشة: إنها همت أن تثور لتغير ما كان من أمر حجر، ولكنها خافت أن تتجدد وقعة الجمل، وأن يغلب السفهاء ويصير الأمر إلى غير ما أرادت من الإصلاح.
وقال الكوفيون في ذلك شعرا كثيرا نجده في كتب السير والتاريخ.
وأغرب من هذا كله أن قتل حجر وأصحابه كان صدمة لمعاوية نفسه، تردد في قتلهم أول الأمر، ثم لما أمضى فيهم حكمه ظن أنه قد أبلى فأحسن البلاء، ولكن الأيام لم تكد تتقدم حتى عاوده الندم وأصابه قلق ممض.
ويقول البلاذري: إن معاوية كتب إلى زياد: «إنه قد تلجلج في صدري شيء من أمر حجر، فابعث إلي رجلا من أهل المصر له فضل ودين وعلم.» فأشخص إليه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأوصاه ألا يقبح له رأيه في أمر حجر، وتوعده بالقتل إن فعل، قال ابن أبي ليلى: فلما دخلت عليه رحب بي وقال: اخلع ثياب سفرك والبس ثياب حضرك. ففعلت، وأتيته فقال: أما والله لوددت أني لم أكن قتلت حجرا، وودت أني كنت حبسته وأصحابه وفرقتهم في كور الشام فكفتنيهم الطواعين، أو مننت بهم على عشائرهم، فقلت: وددت والله أنك فعلت واحدة من هذه الخلال، فوصلني، فرجعت وما شيء أبغض إلي من لقاء زياد، وأجمعت على الاستخفاء، فلما قدمت الكوفة صليت في بعض المساجد، فلما انفتل الإمام إذا رجل يذكر موت زياد، فما سررت بشيء سروري بموته.
بل زعم الرواة أن قتل حجر كان له صدى حتى في أعماق دار معاوية، فقد يحدثنا البلاذري: أن معاوية صلى يوما فأطال الصلاة وامرأته تنظر إليه، فلما فرغ من صلاته قالت له امرأته: ما أحسن صلاتك يا أمير المؤمنين لولا أنك قتلت حجرا وأصحابه!
فقد كان قتل حجر إذن حدثا من الأحداث الكبار، لم يشك أحد من الأخيار الذين عاصروا معاوية في أنه كان صدعا في الإسلام، بل لم يشك معاوية نفسك في أنه كان كذلك، فهو لم ينسه قط منذ كان إلى أن انقضت أيامه، ثم هو لم يذكره قط كما ذكره في مرضه الذي مات فيه، فقد كان يقول أثناء مرضه - فيما زعم الرواة والمؤرخون: ويلي منك يا حجر! وكان يقول كذلك: إن لي مع ابن عدي ليوما طويلا.
الفصل الثاني والخمسون
وأمر آخر استحدثه معاوية في الإسلام فغير به السنة الموروثة تغييرا خطيرا، وهو استخلاف ابنه يزيد بعده على سلطان المسلمين، ولم يكره المسلمون شيئا في الصدر الأول من أيامهم كما كرهوا وراثة الخلافة، فقد عهد أبو بكر إلى عمر ولم يخطر له أن يعهد إلى أحد من بنيه، وزجر عمر من طلب إليه أن يعهد لعبد الله ابنه، ولم يخطر لعثمان أن يعهد إلى أحد، ولا ينبغي أن يقال أعجل عثمان عن ذلك، فقد لبث في الخلافة اثني عشر عاما، وأبى علي أن يستخلف وقال لأصحابه حين سألوه ذلك: أترككم كما ترككم رسول الله. وسأله الناس: أيبايعون الحسن ابنه؟ فقال: لا آمركم ولا أنهاكم.
وكان المسلمون يذكرون الكسروية والقيصرية، يريدون بذلك حكم القياصرة والأكاسرة، ولم تكن وراثة الملك إلا لونا من الحكم الأعجمي.
ولو وقف أمر معاوية عند هذا الحد لكان من الممكن أن يقال: اجتهد للناس فأخطأ أو أصاب. ولكنه قاتل عليا على دم عثمان من جهة، وعلى أن يرد الخلافة شورى بين المسلمين من جهة أخرى، فلما استقام له السلطان نسي ما قاتل عليه، أو أعرض عما قاتل عليه، ولما أراد مصالحة الحسن عرض عليه أن يجعل له ولاية الأمر من بعده، فأبى الحسن ذلك واشترط فيما اشترط أن يعود الأمر بعد معاوية شورى بين المسلمين يختارون لخلافتهم من أحبوا، فقبل معاوية ذلك فيما قبل من الشروط.
Página desconocida