Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Editorial
دار الفكر
Número de edición
الخامسة والعشرون
Año de publicación
١٤٢٦ هـ
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
هجرة الرسول إلى الطائف
ولما نالت قريش من النبي ﷺ ما وصفناه من الأذى، خرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله ﷿.
ولما انتهى رسول الله ﷺ إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ ساداته، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم من أجله، فردوا عليه ردا منكرا، وفاجؤوه بما لم يكن يتوقع من الغلظة وسمج القول. فقام رسول الله من عندهم وهو يرجوهم أن يكتموا خبر مقدمه إليهم عن قريش إذن، فلم يجيبوه إلى ذلك أيضا. ثم أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجلي رسول الله ﷺ لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شجّ في رأسه عدة شجاج «١٦»، حتى وصل رسول الله إلى بستان لعتبة بن ربيعة، فرجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد ﵊، وقد أنهكه التعب والجراح، إلى ظل شجرة عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه. فلما اطمأنّ النبي ﷺ في ذلك الظلّ، رفع رأسه يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك» .
ثم إن ابني ربيعة- صاحبي البستان- تحركت الشفقة في قلبيهما، فدعوا غلاما نصرانيا لهما يقال له (عداس) فأرسلا إليه قطفا من العنب في طبق، فلما وضع عداس العنب بين يدي رسول الله ﷺ وقال له: كل، مدّ الرسول يده قائلا: بسم الله. ثم أكل، فقال عداس متعجبا:
والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له الرسول: ومن أي البلاد أنت؟
وما دينك؟ قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى (قرية بالموصل)، فقال الرسول ﷺ:
من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله ﷺ: ذلك أخي، كان نبيا وأنا نبي.. فأكبّ عداس على رسول الله ﷺ يقبل رأسه ويديه وقدميه» «١٧» .
(١٦) طبقات ابن سعد: ١/ ١٩٦ (١٧) انظر تفصيل ذلك في سيرة ابن هشام: ١/ ٤٢٠
1 / 100