Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Editorial
دار الفكر
Número de edición
الخامسة والعشرون
Año de publicación
١٤٢٦ هـ
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
الحسن الذي تهيأ للرسول ﷺ أثناء قيامه في الدعوة، بسبب حماية عمه له، بينما لم يتهيأ هذا الحظ لغيره من المسلمين من حوله، فأوذوا وهو محفوظ الجانب، وتعذبوا وهو مستريح البال.
لقد قضت حكمة الله تعالى أن يفقد الرسول عمه أبا طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، ويفقد من حوله من كان في الظاهر حاميا له ومؤنسا، حتى تتجلّى حقيقتان هامتان:
أولاهما: أن الحماية والعناية والنصر، إنما يأتي كل ذلك من الله ﷿. ولقد تعهد الله أن يعصم رسوله من المشركين والأعداء، فسواء كان ثمة من يحميه من الناس أو لم يكن، فهو معصوم من الناس وستبلغ دعوته منتهاها من النصر والتوفيق.
ثانيتهما: ليس معنى العصمة من الناس أن لا يرى منهم إيذاء أو عذابا أو اضطهادا، وإنما معنى العصمة التي تعهد بها الله ﷿ بقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة ٥/ ٦٧] العصمة من القتل ومن أي صد أو عدوان من شأنه إيقاف الدعوة الإسلامية، فقد قضت حكمة الله تعالى أن يذوق الأنبياء من ذلك قدرا غير يسير، وذلك لا ينافي العصمة التي وعد بها أنبياءه ورسله.
ولذلك يقول الله ﷿ لنبيّه بعد قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، يقول له: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر ١٥/ ٩٧، ٩٨] .
ومن الحكم الجليلة لما قضت به سنة الله ﷿، من أن يلاقي الرسول ما لاقى من المحنة في طريق الدعوة، أن يستسهلها ويستخف بها عامة المسلمين في كل عصر ممن أنيطت بهم مسؤولية الدعوة الإسلامية.
فلو أن النبي ﷺ نجح في دعوته بدون أي مشقة أو جهد، لطمع أصحابه والمسلمون من بعده بأن يستريحو كما استراح، ولا ستثقلوا المصائب والمحن التي قد يجدونها في طريقهم إلى الدعوة الإسلامية.
أما، والحالة هذه، فإن مما يخفف وقع المحنة والعذاب على المسلمين شعورهم أنهم يذوقون مما ذاقه رسول الله ﷺ وأنهم يسيرون في الطريق ذاتها التي أو ذي فيها رسول الله.
ومهما أصابهم من ألم السخرية بهم وإهانة الناس لهم، فإن ذلك لا يفتّ في عضدهم بعد أن رأوا رسول الله ﷺ قد ألقي التراب في السوق على رأسه حتى اضطر أن ينقلب إلى بيته لتقوم إحدى بناته فتغسل عن رأسه التراب، مع أنه حبيب الله وصفوته من خلقه. وسنجد في هجرته ﷺ إلى الطائف وما لاقاه إذ ذاك ما يجعل المسلمين يستسهلون كل محنة وعذاب في سبيل أن يضربوا مع رسولهم بنصيب مما قاساه وعاناه في سبيل الدعوة الإسلامية.
هذا شيء.
1 / 98