Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Editorial
دار الفكر
Número de edición
الخامسة والعشرون
Año de publicación
١٤٢٦ هـ
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
الإيذاء
ثم إن قريشا اشتدت في معاداتها لرسول الله ﷺ وأصحابه. أما رسول الله ﷺ، فقد لاقى من إيذائهم أنواعا كثيرة. من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «بينا النبي ﷺ يصلي في حجر إسماعيل إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي ﷺ وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟» «٦» . ومنه ما روى عبد الله بن عمر قال: «بينا النبي ﷺ ساجد وحوله ناس من قريش، جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر النبي ﷺ، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة ﵂ فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك» ٧، ومنه ما كانوا يواجهونه به من فنون الهزء والغمز واللمز كلما مشى بينهم أو مرّ بهم في طرقاتهم أو نواديهم.
ومنه ما رواه الطبري وابن إسحاق أن بعضهم عمد إلى قبضة من التراب فنثرها على رأسه وهو يسير في بعض سكك مكة، وعاد إلى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله يقول لها: «يا بنية لا تبكي، فإن الله مانع أباك» «٨» .
وأما أصحابه رضوان الله عليهم، فقد تجرع كل منهم ألوانا من العذاب، حتى مات منهم من مات تحت العذاب وعمي من عمي، ولم يثنهم ذلك عن دين الله شيئا. ويطول البحث لو ذهبنا نسرد نماذج عن العذاب الذي لاقاه كل منهم. ولكنا ننقل هنا ما رواه الإمام البخاري عن خبّاب بن الأرتّ أنه قال: «أتيت النبي ﷺ وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت يا رسول الله: ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر الوجه، فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه.
وليتّمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله» «٩» .
العبر والعظات:
أول ما قد يخطر في بال المتأمل، حينما يرى قصة ما لقيه رسول الله ﷺ وأصحابه من المشركين، من صنوف الإيذاء والتعذيب، هو أن يتساءل: فيم هذا العذاب الذي لقيه النبي وأصحابه وهم على الحق؟ ولماذا لم يعصمهم الله ﷿ منه وهم جنوده وفيهم رسوله يدعون إلى دينه ويجاهدون في سبيله؟
(٦، ٧) رواه البخاري. (٨) انظر تاريخ الطبري: ٢/ ٣٤٤ وسيرة ابن هشام: ١/ ١٥٨ (٩) انظر ما لقي رسول الله ﷺ وأصحابه من المشركين في سيرة ابن هشام أو تهذيب السيرة وكتاب نور اليقين للخضري وغيرها من كتب السيرة.
1 / 77