130

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

Editorial

دار الفكر

Número de edición

الخامسة والعشرون

Año de publicación

١٤٢٦ هـ

Ubicación del editor

دمشق

Géneros

قدوم قباء
ووصل رسول الله ﷺ قباء، فاستقبله من فيها وأقام فيها بضعة أيام نازلا على كلثوم بن هدم، حيث أدركه فيها علي ﵁ بعد أن أدّى عنه الودائع إلى أصحابها. وأسس النبي ﷺ هناك مسجد قباء، وهو المسجد الذي وصفه الله بقوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ.. الآية [التوبة ٩/ ١٠٨] .
ثم واصل سيره إلى المدينة فدخلها لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول على ما ذكره المسعودي «٥٨» فالتفّت من حوله الأنصار، كل يمسك زمام راحلته يرجو النزول عنده فكان ﷺ يقول لهم: «دعوها فإنها مأمورة»، فلم تزل راحلته تسير في فجاج المدينة وسككها حتى وصلت إلى مربد «٥٩» لغلامين يتيمين من بني النجار أمام دار أبي أيوب الأنصاري، فقال النبي ﷺ: «ههنا المنزل إن شاء الله» . وجاء أبو أيوب فاحتمل الرحل إلى بيته، وخرجت ولائد من بني النجار- فيما يرويه ابن هشام- فرحات بمقدم النبي ﷺ، وجواره لهن، وهنّ ينشدن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
فقال ﵇ لهنّ: «أتحببنني؟» فقلن: «نعم» فقال: «الله يعلم أن قلبي يحبكنّ» .
صورة عن مقام النبي ﷺ في بيت أبي أيوب
روى أبو بكر بن أبي شيبة وابن إسحاق والإمام أحمد بن حنبل من طرق متعددة بألفاظ متقاربة أن أبا أيوب ﵁ قال وهو يحدث عن أيام رسول الله ﷺ عنده: «لما نزل رسول الله ﷺ في بيتي نزل في أسفل البيت وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت له: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في الأعلى، وننزل نحن نكون في السفل. فقال: يا أبا أيوب، إنه لأرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في أسفل البيت.
قال: فكان رسول الله ﷺ في سفله وكنا فوقه في المسكن، ولقد انكسرت جرّة لنا فيها ماء يوما، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء، تخوفا أن يقطر على رسول الله ﷺ منه شيء يؤذيه، فنزلت إليه وأنا مشفق، فلم أزل أستعطفه حتى انتقل إلى العلو.
قال: وكنا نضع له العشاء، ثم نبعث به إليه، فإذا ردّ علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب

(٥٨) مروج الذهب: ٢/ ٢٧٩، ط بيروت.
(٥٩) أرض يجفف فيها التمر.

1 / 135