Fiqh al-Usrah
فقه الأسرة
Géneros
فقه الأسرة - حقوق الزوجة
فرض الله ﷾ على الأزواج حقوقًا تجاه زوجاتهم، وهذه الحقوق من أداها على وجهها كان من خيار عباد الله المؤمنين، قال ﵊: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) .
فينبغي للمسلم أن يعرف واجباته تجاه أهله حتى لا يقصر في ذلك، لأن الإنسان قد يحرم زوجته من أشياء هي من حقها، وقد يطلق لها العنان في أمور كان عليه أن يمنعها، وفي هذه المادة تتعرف على كثير من الحقوق الزوجية.
1 / 1
حقوق الزوجة على زوجها
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه ومنواله إلى يوم الدين.
أما بعد: فلا زال حديثنا موصولًا عن الحقوق الزوجية، وقد تقدم في المجلس الماضي بيان ما فرض الله على الزوجة تجاه زوجها، وفي هذا المجلس سيكون حديثنا إن شاء الله عما أوجب الله ﷿ على الزوج تجاه زوجته، وهذا من عدل الله ﵎، فإن الله سبحانه عدل بين الزوجين، فأمر الأزواج وأمر الزوجات ولم يخص واحدًا منهما بالأمر، حتى لا يكون ظلمًا للآخر: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام:١١٥] .
فرض الله على الأزواج حقوقًا تجاه زوجاتهم، هذه الحقوق من حفظها وحافظ عليها وأداها على وجهها فقد حفظ وصية النبي ﷺ في أهله، قال ﷺ: (استوصوا بالنساء خيرًا)، ومن حفظ هذه الحقوق وحافظ عليها فإنه من خيار عباد الله المؤمنين، قال ﷺ: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، فهي الحقوق العظيمة التي فرضها الله على زوجٍ يخافه ويتقيه، ويعلم علم اليقين أنه محاسبه ومجازيه، هذه الحقوق إذا قام الأزواج بها على وجهها كانت السعادة والطمأنينة، وشعرت المرأة بفضل الزوج، وأنه مؤمن قائم لله ﷿ بحقه وحقوق عباده، وإذا رأت المرأة من زوجها الاستهانة والاستخفاف بحقوقها تنكد عيشها وتنغصت حياتها، حتى أنها ربما لا تستطيع أن تقوم بعبادتها على وجهها؛ بسبب ما ينتابها من الوساوس والخطرات، وبما تحسه من الظلم والاضطهاد والأذية.
ولذلك قال العلماء: إن إضاعة حقوق الزوجات أعظم من إضاعة حقوق الأزواج؛ لأن الزوجة إذا ضاع حقها لا تدري ماذا تفعل، ولا أين تذهب، وهي تحت ذلك الزوج الذي يمسكها للإضرار والتضييق عليها.
وأما الرجل فإنه إذا ظلمته المرأة وضيعت حقه استطاع أن يطلق، وقد يكون بقوته وما أعطاه الله من الخلقة وفطره عليها يستطيع أن يصبر ويتحمل، ولكن المرأة لا تستطيع ذلك.
ولهذا قال العلماء: ظُلم النساء في حقوقهن عظيم، والمرأة إذا ظُلمت ضاقت عليها الأرض بما رحبت، فتحس أنها قد فشلت في حياتها، وأنها لا مفر لها من هذا البلاء، وليست كالزوج الذي يطلق وينفك من بلائه، ولهذا يكون مفرها إلى الله، وشكواها إلى الله، وتبث حزنها إلى الله، وكفى بالله وليًا، وكفى بالله نصيرًا.
ولذلك أنزل الله في كتابه آية المجادلة، وأخبر أنه سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات، قالت أم المؤمنين عائشة ﵂ وأرضاها: (إني لمن وراء الستر يخفى عليّ بعض كلامها، وهي تقول: إلى الله أشكو ثعلبة، إلى الله أشكو ثعلبة، قالت: فسمعها من فوق سبع سماوات، فسبحان من وسع سمعه الأصوات!) .
فالمرأةُ إذا ظُلمت وضيّق عليها واضطهدت لا تستطيع الشكوى إلا إلى الله، بل يبلغ ببعض النساء أنه يضيع حقها، وتضطهد في بيتها، وتُظلم من زوجها، ولا تستطيع الشكوى لا لأبيها ولا لأخيها ولا لقرابتها وفاءً لبعلها وزوجها، وقد لا تستطيع الدعاء عليه ولا شكوى أمره إلى الله؛ لأنها تحبه ولا تريد السوء له، وهذا يقع في المرأة الحرة الأبية؛ ولذلك تقع بين نارين لا تستطيع الصبر عليهما إلا بالله ﷿.
هذه الحقوق التي فرضها على الأزواج تنزلت من أجلها الآيات، ووقف النبي ﷺ في حجة الوداع أمام أصحابه في آخر موقف وعظ به أكثر أصحابه في حجة الوداع، فكان مما قال: (اتقوا الله في النساء) .
1 / 2
إنفاق الزوج على زوجته
أما الحق الثاني الذي أوجب الله للزوجات على أزواجهن: فهو حق النفقة.
وهذا حق دلّ عليه دليل الكتاب والسنة والإجماع: قال الله في كتابه: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق:٧] (ذو سعة) يعني قدرة، سعى وسعة، (من سعته) أي: مما أعطاه الله ﷿ عليه ووسّع عليه من المال، ينفق إذا كان غنيًا مما آتاه الله على قدر غناه، وإذا كان فقيرًا مما آتاه الله على قدر فقره، هذه الآية الكريمة يقول العلماء فيها أمران: الأمر الأول: وجوب النفقة في قوله: (لينفق) فالنفقة واجبة.
وأما الأمر الثاني: أنها تتقيد بحال الرجل إن كان غنيًا فينفق نفقة الغني.
فذو سعةٍ من سعته: ذو الغنى من غناه، وذو الفقر من فقره في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق:٧]، فهذان أمران: النفقة واجبة، وعلى الغني على قدر غناه، وعلى الفقير على قدر ما آتاه الله، وكذلك أوجب الله النفقة في قوله سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء:٣٤]، فأخبر سبحانه أن الرجل له فضلٌ على المرأة بالقيام بنفقتها.
وثبت في السنة الصحيحة عن النبي ﷺ بالأمر بالنفقة والحث عليها، ووصية الأزواج بالقيام بها على وجهها، حتى أباح للمرأة أن تأخذ من مال الزوج إذا امتنع من الإنفاق عليها، قال ﵊ حينما اشتكت إليه هند ﵂، فقالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيح مسّيك، أفآخذ من ماله؟ فقال ﵊: خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، قالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح مسّيك) أي: رجلٌ شحيح، ويمسك المال، فإذا أنفق لا ينفق نفقةً تكفيني، وكذلك أيضًا: مسيك، أي يخاف على ماله.
يقول بعض العلماء: لعلّ هندًا تجاوزت في الوصف؛ وذلك أن هندًا كانت من الأثرياء ومن بيت غنىً، ولذلك قالت: (رجلٌ شحيح مسّيك) فبالغت في الوصف.
وقال بعض العلماء: لم تبالغ، الذين قالوا: إنها بالغت في الوصف، قالوا: إن جواب النبي ﷺ لها: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، ولذلك قالوا: لم يعط لها الأمر بدون تقييد، والذين قالوا: إنها قد اشتكت من ضيق يد أبي سفيان، قالوا: إن هذا يؤكد أنها ظُلمت لقوله: (خذي) وهذا هو الصحيح، أعني الوجه الثاني، وعلى هذا لما قال لها: (خذي من ماله) دلّ على أن المرأة لها في مال الرجل حق من أجل النفقة.
وأما الدليل الثاني من السنة: فإن النبي ﷺ قال: (إن لنسائكم عليكم حقًا، ولكم على نسائكم حقًا، فأما حقكم على نسائكم: أن لا يوطئ فرشكم من تكرهون، وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، وأما حقكم عليهن: أن تحسنوا إليهن في طعامهن وفي كسوتهم) .
(فأما حقهن عليكم) قالوا: قوله حق، يدل على أنه واجب، ولكن على الزوج، فدل هذا الحديث على أن النفقة من الزوج على زوجته واجبة ولازمة.
وفي حديث معاوية ﵁ وأرضاه أن رجلًا سأل النبي ﷺ: (ما حق امرأتي عليَّ؟ قال: تطعمها مما تطعم، وتكسوها مما تكتسي)، فدل على أن من حق المرأة على زوجها أن يطعمها ويكسوها، وأجمع العلماء رحمةُ الله عليهم: على أن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته بالمعروف، قال بعض أهل العلم: إنما وجبت النفقة على الرجال؛ لأن المرأة محبوسةٌ في البيت، عاطلةٌ عن العمل، والأصل في المرأة أن تقوم على بيته وأن ترعى بيته، وقد أشار النبي ﷺ إلى ذلك بقوله في خطبته كما في الصحيح في حجة الوداع: (استوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هنّ عوان عندكم) عوان: أي أسيرات، قالوا: ولذلك أُمِرَ الرجل أن يقوم بالإنفاق على المرأة من أجل هذا.
أما الأمر الآخر الذي جعل النفقة على الرجل للمرأة: فالحقوق المتبادلة والمنافع التي يبادل كلٌ منهما الآخر، فالمرأة يستمتع بها الرجل، قال تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء:٢٤]، فاستحقت أن تأخذ أجرها على ما يكون منها من القيام بحق بعلها في فراشه.
ولذلك قالوا: إذا نشزت وامتنعت من الفراش كان من حقه أن يمتنع من الإنفاق عليها، ونصّ بعض العلماء على أن من أسباب النفقة كونها فراشًا للرجل، فلهذا كله أوجب الله على الرجال الإنفاق على النساء، والقيام بحقوقهن، وهذه النفقة فيها مسائل: المسألة الأولى: ما هي أنواع النفقة التي ينبغي على الزوج أن يقوم بها تجاه زوجته؟ والمسألة الثانية: ما هي ضوابط النفقة التي ينبغي أن يتقيد بها الرجل، بمعنى: أن يؤديها على سبيل اللزوم، وإذا أداها برئت ذمته؟ أما بالنسبة لأنواع النفقة فإنها تنحصر في الإطعام والكسوة والسكن، فهذه ثلاثة أمور ينبغي للزوج أن يراعيها في إنفاقه على زوجته وأهله وولده.
الحق الأول في الإنفاق الإطعام: فإن النبي ﷺ نبّه عليه في حديث عمرو بن الأحوص ﵁ وأرضاه في خطبته في حجة الوداع فقال: (أما حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن)، قال العلماء: إن عموم الأدلة التي دلت على النفقة يدخل فيها الطعام؛ لأن الله ﷿ قيّد ذلك بالمعروف، وقيّده النبي ﷺ بالمعروف، والمعروف في أعراف المسلمين أن الزوج يطعم زوجته ويقيم على طعامها على الوجه الذي لا إضرار فيه، والطعام يستلزم أن يقوم الزوج بتهيئة ما تحتاجه المرأة وكذلك ولده بالتبع من جهة الأكل، قال العلماء: يلزمه أمران: الأمر الأول: الطعام وما يحتاج إليه لاستصلاح الطعام فيطعمها، فيكون الطعام كحبٍ ونحو ذلك وما يؤتدم به الطعام، فهذا كله لازمٌ على الزوج، ويكون مقيدًا بالعرف، فإذا كان غنيًا فإنه يكون طعامه مرتبطًا بطعام الأغنياء مثله، فلا يطعم الغني طعام الفقير، ولا يطعم الفقير طعام الغني، بمعنى لا يلزمه ذلك، ولا تطالبه المرأة بمثل ذلك.
قال العلماء: الطعام ينقسم في الأعراف إلى ثلاثة أقسام: الأفضل الجيد، والرديء، والوسط بينهما، فإن كان مال الرجل ودخله وما هو فيه من الحال هو حال أهل الغنى وجب عليه أن يطعم زوجته بالطعام الجيد الذي يطعمه مثله من ذوي اليسار، وإذا عدل عن الطعام الجيد إلى أردئه فإنه يكون ظالمًا، وكان من حق الوالي والقاضي أن يلزمه بأجود الطعام وأحسنه، كذلك أيضًا العكس، فإنه إذا كان فقيرًا وسألته المرأة أو وليها أن يطعمها طعامًا أفضل من طعام مثله وألحّت عليه في ذلك لم يجب عليه أن يلبي لها ذلك؛ لأن الله ﷿ أمر الإنسان أن ينفق على قدر ما أعطاه، قال: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق:٧]، وقوله: (من قُدِرَ) يعني: من ضيق، كما قال تعالى: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرعد:٢٦]، يعني: يوسع ويضيق، فقوله: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ يعني ضيق عليه.
وهنا مسألة وهي: أن الزوج ربما يكون ماله ودخله طيبًا، ولكن تنتابه ظروف لا يستطيع معها أن ينفق نفقة مثله، وهذه الظروف تنقسم إلى قسمين: الحالة الأولى: إما أن تكون ظروفًا قسرية تجبره على أن يقصّر في النفقة وينزل عن نفقة مثله، فهذا اغتفره العلماء، كما لو طرأت عليه خسارة أو طرأت عليه مصيبة في مال، فاحتاج أن يدفع فأخذ يقسط من شهره، حتى ضيّق على أهله في طعامهم، فهذا لا إثم عليه.
الحالة الثانية: أن تكون ظروفًا كمالية؛ كأن يريد أن يشتري شيئًا، وهذا الشيء من باب الكمال: كسيارةٍ أو نحو ذلك، كما ذكر بعض العلماء من دابة أو مركوبٍ أو نحو ذلك، يريد أن يشتري أفضل مركوب، وهذا أفضل مركوب سيكون على حساب زوجه وأولاده، فيضيق عليهم في النفقة، قالوا: إنه يكون ظالمًا في هذه الحالة، وأنه لا يجوز له في هذه الحالة أن يطلب الكمال على وجهٍ يضيع فيه الحق الواجب، بل عليه أن يبقى على النفقة، ويلزم شرعًا في الإفتاء والقضاء أن يبقى على نفقة مثله ولو اعتذر بهذا الكمال فإنه لا عذر له فيه، ويُحكمُ بإثمه إذا ضيق على أهله وولده.
الأمر الثاني مما يحتاج إليه في الإطعام: يلزم الزوج بكل ما يهيئ به الطعام عرفًا، فيشتري للمرأة الآلات والوسائل التي يمكن معها إصلاح الطعام، ويعتبر شرعًا ملزمٌ به، فإن امتنع أجبر قضاءً، ومن الأخطاء أن بعض الأزواج يمتنع من شراء بعض الآلات ويلزم الزوجة بشرائها، وقد يلزم أولياءها بشرائها، وهذا يعتبر من الظلم كما ذكر بعض أهل العلم رحمةُ الله عليهم، بل ينبغي على الزوج أن يشتري آلة الطهي وإعداد الطعام ومواعينه ونحو ذلك وهو ملزمٌ بها شرعًا، ولكن قد تطالب المرأة بما هو أفضل، فتطالب بشراء ما هو أغلى وأجود، فمن حق الزوج أن يردها إلى الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، خاصةً إذا كان من غير ذوي اليسار.
كذلك أيضًا: ينبغي على الزوج وهو الحق الثاني في الإطعام إذا قلنا أنه ينبغي عليه أن ينفق عليها في طعامها ف
السؤال
هل يجب عليه أن يعطيها نفقة الطعام بيدها، أم أنه يشتري الطعام لها؟ إذا كان الزوج يريد إعطاء المرأة المال بيدها فلا بأس، لكن إذا كانت المرأة سفيهةً بالتصرف ولا تُحسن القيام والنظر لنفسها وولدها، فإن من حقه أن يلي شراء ذلك، قال العلماء: إنه إذا كانت المرأة لا تُحسن الأخذ لنفسها ولا الإعطاء لغيرها كان من حقه أن يأخذ النفقة، لكن الأصل أنه يعطيها النفقة بيدها، وقال العلماء: يختلف ذلك باختلاف الناس، فإن كان من الفقراء والضعفاء لزمه أن يعطي النفقة كل يومٍ ب
1 / 3
أمر الزوج زوجته بطاعة الله
هذه الحقوق أعظمها وأجلّها: حق الأمر بطاعة الله ﷿، فأول ما ذكر العلماء من حقوق الزوجة على زوجها أن يأمرها بطاعة الله ﵎، وهذا الحق من أجله قام بيت الزوجية، فإن الله شرع الزواج وأباح النكاح؛ لكي يكون عونًا على طاعته، ويكون سبيلًا إلى رحمته، فالواجب على الزوج أن يأمر زوجته بما أمر الله، وأن ينهاها عما حرم الله، وأن يأخذ بحجزها عن عقوبة الله وناره، أشار الله تعالى إلى هذا الحق العظيم بقوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه:١٣٢] .
قال بعض العلماء: أمر الله نبيه ﷺ، والأمر للأمة وللرجال من الأمة أن يأمروا أهليهم بما أمر الله؛ وذلك بدعوتهم لفعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله ﷿، فيكون الزوج في البيت آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر؛ إذا رأى خيرًا ثبّت قلب المرأة عليه، وإذا رأى حرامًا صرفها عنه وحذّرها ووعظها وذكّرها، وإلا أخذها بالقوة وأطرها على الحق أطرًا، وقصرها عليه قصرًا حتى يقوم حق الله في بيته.
قال بعض العلماء: كان بعض أهل العلم يتعجب من هذه الآية الكريمة: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا﴾ [طه:١٣٢]؛ لأن الله قال فيها: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ﴾ [طه:١٣٢] ثم قال بعد أن أمره بالصبر والاصطبار عليها: ﴿لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ [طه:١٣٢]، قالوا: إنه ما من زوج يقوم بحق الله وما فرض الله عليه في أهله وزوجه، ويعظها ويذكرها حتى يقوم البيت على طاعة الله ومرضاة الله، إلا كفاه الله أمر الدنيا، فالله ﷿ يقول: ﴿لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا﴾ [طه:١٣٢] كأن إقامته لأمر الله طريقٌ للبركة في الرزق وطريقٌ للخير والنعمة على هذا البيت المسلم القائم على طاعة الله ومحبة الله ﷿.
للمرأة على بعلها حق الأمر بطاعة الله؛ ولذلك كان من وصية الله لعباده المؤمنين إذا أردوا الزواج: أن يختاروا المرأة الدينة المؤمنة الصالحة؛ لأنها هي التي تقيم بيتها على أمر الله ﷿ وما فرض الله، قال ﷺ: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، قال العلماء: إنما قال: (فاظفر بذات الدين)؛ لأنها غنيمةٌ وأي غنيمة، إن أمرها بطاعة الله ائتمرت، وإن نهاها عن حدود الله ومحارمه انكفت وانزجرت، وهذا الحق -وهو الأمر بطاعة الله- إذا ضيعه الزوج خذله الله في بيته، وخذله الله مع أهله وزوجه وأولاده، فلم تر عينك رجلًا لا يأمر بما أمر الله في بيته ولا يتمعر وجهه عند انتهاك حدود الله مع أهله وولده إلا سلبه الله الكرامة وجعله في مذلةٍ ومهانة، وجاء اليوم الذي يرى فيه سوء عاقبة التفريط في حق الله الذي أوجب الله عليه في أهله وولده.
أمرنا الله جل وعلا أن نقي أنفسنا وأهلينا نارًا وقودها الناس والحجارة، فمن ضيع هذا الحق سلب الله المهابة من وجهه، وسلب الله المهابة من قلب أهله وولده.
وأما إذا رأت عيناك زوجًا آخذًا بحجز زوجته عن نار الله يقيمها على طاعة الله ومرضاة الله وجدت المحبة والمودة والهيبة والإجلال، ومن وفّى لله وفّى الله له؛ ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم:٩٦] .
فالذي يأمر زوجته بما أمر الله ويقيمها على طاعة الله ومرضاة الله يضع له القبول والمحبة والهيبة والكرامة، ولذلك ينبغي على الزوج أن يضع نصب عينيه أول ما يضع أن يقيم بيت الزوجية على طاعة الله وتقواه، ولا يستطيع أن يقوم بهذا الحق على أتمّ الوجوه وأكملها إلا بأمورٍ مهمة نبّه العلماء عليها منها: الأول: -وهو أعظمها- أنه إذا أراد نصيحة زوجته بأمرٍ مما أمر الله أو نهيٍ عما حرم الله، فينبغي أن يكون السبب الباعث له هو مرضاة الله، بمعنى: أنه إذا وعظ زوجته فأراد أن يأمرها بطاعة الله أو ينهاها عن معصية الله لا ينطلق من جهة السمعة أو من جهة العاطفة، ولذلك تجد الرجل يقول لامرأته: فضحتيني، أو ماذا يقول الناس عني، أو نحو ذلك من محبة السُّمعة أو العواطف التي لا ينبغي أن تكون هي أساس دعوته ومحور وعظه ونصحه.
قال بعض العلماء: لا يبارك الله لكثيرٍ من الأزواج في وعظهم لزوجاتهم؛ لأنهم يعظون خوفًا على أنفسهم وخوفًا على السمعة، لكن إذا وعظ الزوج وهو يخاف الله على زوجته ويخشى أن يصيبها عذاب الله بارك الله له في كلماته، وبارك الله له في موعظته، وبلغت الموعظةُ مبلغها، وكان لها أبلغ الأثر، ولذلك أول ما يوصى به من يأمر أهله ويعظهم ويريد أن يحثهم على طاعة الله أن يُخلص لله في دعوته.
الثاني: القدوة، فإن الزوجة لا تطيع زوجها ولا تمتثل أمره ولا تعينه على أداء هذا الحق بامتثال ما يقول إلا إذا كان قدوةً لها، ولذلك الواجب على الزوج أن يهيئ من نفسه القدوة لزوجته، كيف تطيع الزوجة زوجها إذا أمرها بواجب وحثّها على أدائه وهي تراه يضيع حقوق الله وواجباته؟! كيف تطيع الزوجة زوجًا يقول لها: اتق الله، وتراه ينام عن الصلوات، ويضيع الفرائض والواجبات، وتراه لا يبالي بحقوق الناس؟! فلذلك إذا وجدت القدوة تأثرت الزوجة، وأحسّت أن هذا الكلام الذي يخرج من الزوج يخرج بإيمانٍ وقناعة، وأنه ينبغي أن تمتثله وأن تسير على نهجه؛ لأنها ترى الكلام مطابقًا للفعل فتتأثر بذلك وسُرعان ما تمتثل.
الثالث: تخيّر الكلمات الطيبة التي تلامس شغاف القلوب وتؤثر في المرأة فتستجيب لداع الله بامتثال أمره وترك نهيه، وهذا هو الذي عناه الله وأوصى به كل من يعي، فقال سبحانه: ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ [النساء:٦٣]، فالذي يريد أن يقيم زوجته على طاعة الله يتخيّر أفضل الألفاظ وأحسنها، والتي تؤثر في نفسية الزوجة ترغيبًا أو ترهيبًا، فإن كانت الزوجة تستجيب بالترغيب حثّها بالترغيب، وإن كان تستجيب بالترهيب حثّها بالترهيب وخوفها، ويكون ذلك بقدر مع الإشفاق وخوف من الله ﷿.
هذه الأمور إذا تهيأت ينبغي أن يسلم الزوج من ضدها، مما ينفِّر من قبول دعوته، فالكلمات الجارحة، والعبارات القاسية: أنتِ لا تفعلين، أنت عاصية، أنت كذا، فهذا لا ينبغي، بل ينبغي على الزوج إذا وعظ زوجته خاصةً عند الخصومة أو عند الخطأ والزلل أن لا يفجر في قوله.
قال العلماء: الفجور في القول أن يبالغ في تقبيح وصفها، فيصفها بأشنع الأوصاف، وهي لا تستحق ذلك الوصف، وهذا هو من شأن النفاق، فإن المنافق إذا خاصم فجر، فبعض الأزواج إذا رأى أقلّ تقصير من زوجته حمّل ذلك التقصير ما لم يحتمل من الوصف، وقرع زوجته بأشنع العبارات وأقساها وأقذعها، فإذا كانت المرأة صالحة أحست بالنقص وتأثرت، فإن القلوب تتأثر بالكلمات الجارحة، ولو كان الرجل مستقيمًا وعلى طاعة الله فإنه يتأثر، ولذلك ينبغي على الزوج أن يتحفّظ وأن يتوقى في الألفاظ، وهذا أصل في الدعوة إلى الله ﷿: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل:١٢٥]، فالموعظة الحسنة هي الموعظة المشتملة على الكلمات الطيبة والنصائح القيمة الهادفة التي تنصب على الأمر الذي لا يراد فعله.
1 / 4
الأسئلة
1 / 5
حكم خدمة الرجل لامرأته
السؤال
هل من حق الزوجة عليّ أن أخدمها إذا احتاجت إلى ذلك؟
الجواب
هذا السؤال يحتمل أمرين، هل من حق المرأة أن أَخْدُمها أو أُخدِمها، يعني أن أخْدُمها، يعني هو بنفسه يخدم المرأة، ويخْدِمها، بمعنى: أن يستأجر لها خدامة ومن يخدُمها.
فأما كون الرجل يخدُم امرأته إذا كانت مريضة أو كان عندها عذر، فهذا من مكارم الأخلاق، وشأن أهل الكرم والفضل أنهم يردون الجميل ويردون الإحسان، ولا يجب عليه ذلك، ولكن إذا مرضت واحتاجت إلى هذا وفعله منه فإنه من أفضل ما يكون، وهذا داخل في عموم قوله ﵊: (خيركم خيرُكم لأهله) .
أما إذا كان السؤال أُخدِمها، بمعنى استأجر لها خادمةً تقوم على خدمتها، فهذا فيه نظر، قال العلماء: إذا كانت الزوجة قادرة على خدمة البيت وامتنعت من خدمة بيتها، وسألت الزوج أن يستأجر لها من يخدمها لم يكن من حقها ذلك، وإذا أرادت خادمة فإنها تطالب بالنفقة على الخدامة إذا أرادت أن تستخدم؛ لأن الحق متعلقٌ بها، فإذا أرادت أن تقوم بهذا الحق أصالةً قامت به، وإذا أرادت أن تقوم بها نيابةً بأن تستأجر الخدامة فإنه لا حرج، لكن إذا كانت تعمل، وقالت: أريد أن آتي بخدامة، فالزوج مخيرٌ بين أمرين: إن شاء أن يلزمها بالبقاء في بيتها والقرار فيه وتقوم بخدمة البيت، من حقه ذلك، ويجب عليها أن تبقى في بيتها وأن تخدم بيتها وأن تقوم عليه بالمعروف؛ لأن هذا هو الأصل، وهذا هو الفطرة التي فطر الله ﷿ عليها الناس، أن كل امرأة مطالبةٌ بخدمة بيتها، وأن عملها الأصلي والذي فرضهُ الله عليها وأوجبه عليها من فوق سبع سماوات رعايتها لبيت زوجها، قال ﷺ: (والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها)، ثم قال: (فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته)، فالأصل أنها تبقى في بيت زوجها.
قال العلماء: لو اشترطت المرأة على زوجها أن تبقى في عملها وأن يخلي لها ذلك، قال جمعٌ من العلماء: لا يلزمه هذا الشرط، ومن حقه أن يقول لها في أي يوم تبقين في البيت وينفق عليها بالمعروف، من حقه، وأما قوله ﵊: (إن أحق ما أوفيتم به من الشروط واستحللتم به الفروج) فقالوا: هذا محلها أن لا يتضرر، والمرأة إذا خرجت من بيتها بالفطرة والجبلة فسيتضرر الرجل، وخاصةً إذا كان عنده ولد، وقد يرضى في حال العقد، لكن حينما يأتيه الولد ويرى بأم عينيه كيف يضيع الأولاد بين خدامةٍ وأخرى، وكيف يتعرض الأولاد للضرر، وكان في حسبانه أن الخدامة تقوم بما تقوم به امرأته، فإذا بالظنون يخالفها الواقع وتخالفها الحقيقة فمن حقه أن يمتنع في أي يوم شاء، وهذا كما ذكرنا؛ لأن الأصل أنها مطالبة في البقاء في بيتها، وعملها خارج البيت هذا إذا رضي به الزوج، وأما إذا لم يرض به الزوج فمن حقه أن يردها إلى الأصل، وأن يلزمها بهذا الأصل، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب:٣٣]، ولذلك من جهة كونه يُخدِمُها لا يلزمه.
لكن إذا كانت المرأة مثلها يُخْدَم، وجرى العرف أن مثلها يُخْدَم، كان غنيًا -الرجل غني- والمرأة من ذوات الغنى واليسار، فمذهب بعض العلماء: أنه إذا كانت من ذوات اليسار، وجرى عرفها أنها تخْدَم يلزمه أن يُخدِمَها، وأن يستأجر لها من يخدمها، والأصل ما ذكرناه، الأصل أن المرأة هي التي تقوم بالخدمة، وهل رأت عيناك كمثل بنات رسول الله ﷺ الكريمات بنت الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك هنّ اللاتي كنّ يخدمن بيوتهن، وهنّ اللاتي كنّ يقمن برعاية البيت وحقوق البيت على أتم الوجوه وأكملها، حتى كانت أسماء ﵂ وأرضاها وهي بنت الصديق ﵂ وأرضاها تتأوه من شدة ما تحمله على ظهرها في خدمةِ بيت بعلها، ومع ذلك ما كان ذلك ليغض من مكانتهن ولا لينزل من قدرهن، أبدًا بل كان سببًا في رفعتهن واستقامت أمور المسلمين، لما حفظ النساء حقوقهن في البيوت، ورعين البيوت كما ينبغي، وقام الرجال بحقوق النساء فاستقامت الأمور، فإذا اختلفت الفطرة واختلت فإنه حينئذٍ قد تضيع حقوق؛ ولذلك كونه يلزم بإخدامها هذا ليس بواجب، وإذا جرى عرفٌ يضر بالرجل ولم يجد الخدمة على الوجه المعروف كان من حقه أن يمتنع، فمحل الرجوع في العُرف أن لا يتضرر.
وليس بالمفيد جري العيد بُخلف أمر المبدئ المعيد فالعادات والأعراف إذا أدت إلى الإضرار بالزوج أو إلى ضياع الأولاد كان من حق الزوج أن يعتذر عن ذلك، وأن يتمنع منه.
والله تعالى أعلم.
1 / 6
إكثار الزوج للسهر خارج بيته تاركًا زوجته وأولاده
السؤال
ما توجيهكم لرجلٍ يكثر السهر خارج بيته، بل لا يأتي للبيت في الغالب إلا للأكل والنوم، وقد ضيّع بذلك حقوق زوجته وأبنائه، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب
هذا الحق يتعلق بالحقوق المشتركة، وسيكون حديثنا إن شاء الله عنها في الغد؛ لأن الحقوق الزوجية منها الحق الخاص، ومنها الحق العام، فالحقوق الخاصة: ذكرناها حق الرجل وحق المرأة.
وفي الغد إن شاء الله سيكون هناك الحق المتعلق بالمبيت والفراش، الحقوق المشتركة بين الزوجين.
ونسأل الله ﷿ أن يعيننا على ذلك وأن ييسره.
1 / 7
نصيحة لزوج يجبر زوجته على كشف وجهها
السؤال
زوجي يجبرني على كشف وجهي أمام إخوانه لإرضائهم، وإذا رفضت ضربني وأهانني، فما نصيحتكم لذلك، وجزاكم الله خيرًا؟
الجواب
على الزوج أن يتقي الله، وأن يأمر بما أمر الله وأن ينهى عما نهى الله عنه، ولا سمع له ولا طاعة إذا أمر بالمنكر، قال ﷺ: (إنما الطاعة بالمعروف)، ولذلك لا سمع له ولا طاعة إذا أمر بالمنكر.
ومن حق المرأة إذا أمرها الزوج أن تكشف وجهها أمام الأجانب أو أمام إخوانه أو أعمامه أو أخواله من غير ذوي المحارم من حقها أن تمتنع، ولا سمع له ولا طاعة، بل ولا كرامة له؛ لأن الزوج الكامل يغار، ولا يكون ديوثًا يفتح أبواب الفتنة على نفسه وأهله وزوجه، بل إذا رأى المرأة الصالحة ثبتها وأعانها واتقى الله فيها.
ولذلك لا يجب على المرأة أن تطيع الزوج في مثل هذه الأمور ونحوها من المنكرات التي تقع بحكم عادة أو تقليد، بل عليها أن تطيعه بما أمر الله، وأن تجعل بينها وبين بعلها في السمع والطاعة شرع الله، فما أمر الله به تطيع، وما خالف شرع الله ذكرته، وقالت له: اتق الله، هذا لا يجوز، وبينت له أنه حرام، فحينئذٍ إذا استجاب فبها ونعمت، وإن لم يستجب فإنها لا تطيعه، وعليها أن تمتنع، وأن تصر على ذلك، فإن الله يعينها، وما استدام إنسان ولا ثبت على خير إلا ثبّته الله؛ لأن الله ﷿ يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت، وكما ثبتهم في أشد الأحوال وأشد الأمور وهو عند السؤال والموت فإنه سبحانه يثبت فيما هو دون ذلك.
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثبت قلوبنا على طاعته ومرضاته، وأن يبلغنا أعالي الدرجات في جناته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1 / 8
فقه الأسرة - حقوق الأرحام
صلة الأرحام من الحقوق التي فرضها الله ﷿ لكي تستقيم بيوت المسلمين، وتتم الألفة والمحبة بينهم، وإن من أعظم هذه الحقوق حقوق أقارب الزوجين، فإن لهم حقوقًا لابد لكل من الزوجين أن يقوم بها وأن يؤديها، ولقد قام النبي ﷺ بهذا الحق على أتم الوجوه وأحسنها وأفضلها وأكملها، فمن كان متأسيًا فليتأس به صلوات الله وسلامه عليه.
2 / 1
أهمية صلة الأرحام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فسيكون حديثنا اليوم عن أمرٍ عظيم وحق جليل كريم، عن حق من الحقوق التي فرضها الله على الأزواج والزوجات، فلا يمكن أن تستقيم بيوت المسلمين وأن تتم الألفة والمحبة والمودة إلا بالقيام بهذا الحق وأدائه على الوجه الذي يرضي الله ﷿، هذا الحق وصّى الله ﷿ به عباده من فوق سبع سماوات أن يتقوه، وأن يتقوا الله في الأرحام، فقال ﷾: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١] .
إنها الرحم خلقها الرحمن، واشتق لها اسمًا من اسمه، فهو الرحمن وهي الرحم، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ومن قطعه الله فلا تسأل عن حاله، في ضيعةٍ وخسارةٍ ووبال والعياذ بالله! هذا الحق هو حق الأرحام والدا الزوج ووالدا الزوجة فقد فرض الله ﷿ على المؤمن أن يتقيه سبحانه في الرحم، وواجب على كل زوج إذا أراد أن يوفقه الله في زواجه وأن يسعده في أهله ونكاحه أن يحفظ حق قرابة زوجته، وواجب على كل زوجة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتقي الله في والدي زوجها وفي قرابته، قال ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) .
فجعل الله ﷿ صلة الرحم من الإيمان به؛ لأنه لا يحفظ زوجًا حق رحمه ولا تحفظ زوجة حق رحمها إلا بباعث من الإيمان بالله ﷿.
هذا الحق وهو حق الأرحام قام به النبي ﷺ على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فكان يصل قرابة زوجه.
وفي السير: أنه ﷺ كان جالسًا مع أم المؤمنين عائشة ﵂ وأرضاها، فسمع صوت امرأةٍ تستأذن، فقام ﷺ كالفزع، فإذا بها امرأةٌ كبيرة وإذا به يقول: (إنها هالة، إنها هالة أخت خديجة) ذكّرته ﵊ بحبه وزوجه، بما كان بينه وبين أهله.
2 / 2
حقوق أقارب الزوجة على الزوج
هذا الحق فرضه الله على الزوج؛ لكي يكون كريمًا مع أهل زوجته، ولن يستطيع الزوج أن يحفظ هذا الحق إلا إذا كان في نفسه من صفاء القلب وحفظ العهد ورعاية الحق ما يعينه على ذلك.
2 / 3
صلة والدي الزوجة والأدب معهما
كذلك أيضًا: عليه أن يتقي الله في حقوق والديّ الزوجة من الصلة والبر، فصلة أهل الزوجة واجبةٌ على الزوج، كما هي واجبةٌ على ابنتهم أي: زوجته، فلا يقطعهم من زيارة، وإذا زارهم زارهم كريمًا محبًا مشتاقًا يُظهِر المودة والمحبة، ويجعل من هذه الزيارة تأكيدًا لما بينه وبين هذه الرحم من صلة؛ فإذا نظر الله إلى ذلك، رضي عنه، وجعل له الخير في حياته، فنعمت عين الزوجة وهي ترى أهلها في كرامةٍ من بعلها، الأمر الذي ينعكس بالآثار الحميدة في معاملتها لأهله.
وإذا زار رحمه فإن عليه أن يتوخى الآداب، يتوخى آداب الزيارة في مواقيتها، وكذلك في الدخول والاستئذان، وفي الجلوس، فيراعي الحرمات، ولا يبالغ في الدخول إلى البيت والجلوس ساعات طويلة، والدخول في عورات البيت، إلى غير ذلك مما لا يليق بالكريم ولا ينبغي للمؤمن، بل عليه أن يزور زيارة يحفظ بها ماء وجهه، ويكون متسربلًا بسربال التقوى الذي يحبهُ الله ويرضى.
وإذا جلس مع والد زوجته، أجلّه وأكرمه، فإذا لقيه تبسم في وجهه، حافظًا لعهده، فالغالب أن والد الزوجة ينزل منزلة الوالد؛ إما لكبر السن أو لعظم الحق، وهو جد لأبنائه وبناته فعليه يجله ويكرمه ويقدره وينزله منزلته.
فإذا ما اجتمع معه في مجلس فمن حقه عليه أن يحفظ العورة، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن علي ﵁ وأرضاه أنه قال: (كنت رجلًا مذاءً -أي: كثير المذي- فكنت أغتسل حتى تشقق ظهري، فاستحييت أن أسأل رسول الله ﷺ لمكان ابنته مني) .
استحييت أن آتي إلى رسول الله ﷺ وأن أواجهه وأقول: إني مصابٌ بكذا وكذا، مع أنه مضطر، ومع أنه في دين وعبادة، ولكن الكريم كريم، كريم في أدبه ووده وحفظه لماء وجهه.
فينبغي على الزوج أن يحفظ حق رحمه، فلقد ضيع بعض الناس في هذا الزمان الحياء، فأصبح المجلس يجمعه بوالد زوجته فلا يستحي ولا ينكف عن ذكر أمورٍ يخجل من ذكرها أمامه، وهذا لا شك أنه إساءة، يقول بعض العلماء: (أجمع العقلاء على أن هذا من باب الإساءة والإهانة لوالد الزوجة، أن يذكر الزوج عنده ما يستحيا من ذكره)، فهذه آداب ومكارم وأخلاق ينبغي حفظها والعناية بها.
2 / 4
تفقد أحوال والدي الزوجة والإحسان إليهما
ومن حقه: أن يتفقد حاله، وينظر إذا كان محتاجًا إلى معونةٍ ومساعدة، يقول العلماء: (صلة الرحم لم تأت من فراغ)، أي: أن الإنسان حينما أمر بصلة رحمه وبرهم وزيارتهم، فليست خالية من معنى ومقصد وهو: أن يتفقد حالهم؛ فإن كانوا محتاجين ويستطيع المساعدة بذل، ولو بالقليل الذي يستطيعه، وإن كانوا مفتقرين إلى معونة معنوية كأن يدعوهم إلى الثبات على مصيبة أو بلية ثبتهم، ومن ذلك إذا كان مريضًا عاده، وإذا كان في نكبةٍ ثبته على الصبر واحتساب الأجر، ونحو ذلك مما يحتاج إليه عند الشدائد والملمات.
ومن أكمل ما يكون من الزوج: أنه إذا نزلت بأهل زوجه بلية أو مصيبة وجدوه أول رجل يطرق بابهم.
وإذا أُصيبَ والد زوجته بحاجةٍ وفاقة كان أسبق الناس بالوقوف معه ومعونته ومساعدته؛ لعلمه أن الله يرضى عنه، ولعلمه أنه إذا وصلهم وصله الله، وأنه إذا أعطى أخلف الله عليه في دينه ودنياه وآخرته، فحري بالزوج أن يسمو إلى الكمالات، وأن يبذل ما يستطيع من التضحيات والمواقف الطيبة التي تنبئ عن طيب معدنه وزكاة نفسه وحبه للخير، وما يريده لأهل زوجه.
وعليه: إذا وجد من أهل زوجته إذا قام بهذه الحقوق ووجد من أهل زوجته ما ينتظر من تقدير معروفه وتقدير سعيه أن يحمد الله ﷿ وأن يشكره، وإذا وجد منهم نكران الجميل وكفران النعمة ونسيان الفضل فليعلم علم اليقين أن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف:٣٠] .
فأكمل ما يكون الأجر إذا بُليَ الزوج برحمٍ يصلهم فيقطعونه، ويعطيهم فيحرمونه، ويرفعهم فيضعونه، فإن كان كذلك فكأنما يسفهم الملّ، فمن أفضل ما تكون الصدقة والإحسان والبر للقريب الكاشح، وهو القريب الذي يكاشحك العداوة وتجد منه السوء والضر وأنت تبذل له الخير والنفع، ولا شك أن ذلك أعظم ما يكون أجرًا، وأثقل ما يكون عند الله ﷿ صلةً وبرًا؛ لأن الذي يصل في مثل هذه المواقف، ويبذل لمثل هذا النوع، إنما يريد وجه الله ولا يريد شيئًا سواه، واعلم أنك تعامل الله وأن هذا واجب عليك دعاك إليه الله ﷻ، فإن قصروا في حقك فلا تقصر في حقهم، قال ﷺ: (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) .
ذكر بعض العلماء: (أن بعض طلابه كان يأتيه والد زوجته فيسبه ويؤذيه، ويذكر عند الشيخ أمورًا عجيبة مكذوبةً ملفقة على هذا الطالب، والطالب لا يعلم أن والد زوجته يأتي إلى هذا الشيخ، فكان والد زوجته يقول الزور والكذب ويتهم الزوج بما ليس فيه، من أجل أن يقول له: انصحه وذكره، وهذا لا خير فيه وهذا كذا وكذا فإذا جاء الطالب سأله الشيخ كيف حاله مع رحمه؟ فقال: نِعمَ الرحم ونعم الناس، وهو من بالغ ما يكون في الإحسان إليهم والتودد والملاطفة لهم، فاستحلفه بالله يومًا من الأيام، فقال له: والله ما غششت ولا كذبتُ عليك، ليس بيني وبينهم إلا الود والمحبة، وإني قائمٌ بكذا وكذا، وذكر ما يكون من بره وإحسانه، قال: فتأثر الشيخ تأثرًا كبيرًا مما كان من حال والد الزوجة، فقال له: أي بني إن والد زوجتك يقول كذا وكذا، فاتق الله ﷿ فيه إن كنت كاذبًا، وإن كنت صادقًا فاصبر على ما يكون منه، فبكى ذلك الطالب وحلف بالله العظيم أنه صادقٌ فيما يقول، فلما حلف بالله العظيم انتظر الشيخ مجيء والد زوجته، فقال له: إنك زعمت كذا وكذا، فقال له: إي والله، إنه كان كذا وكذا، قال: وتحلف بالله؟! قال: نعم، وأحلف بالله، فدعا عليه الشيخ: وقال: أسأل الله العظيم ألا تمسي سالمًا يومك هذا إن كنت كاذبًا، يقال، فما غربت الشمس إلا وهو مشلول والعياذ بالله! فالظلم ظلمات، فإذا كنت ترى من والد الزوجة الإهانة والإذلال فاعلم أنك تعامل الله، وأنك تتقي الله في رحمٍ وصّى الله به من فوق سبع سماوات.
2 / 5
حفظ المعروف لوالد الزوجته
فأول ما ينبغي على الزوج: أن يتذكر حق والد الزوجة عليه، حقه يوم اختاره من بين الناس زوجًا لابنته، ويوم اختاره من بين الناس كفئًا كريمًا يستر عورته، يسترها ولا يفضحها، ويكرمها ولا يهينها، ولذلك أشبه الناس بالأب بناته كما ذكروا، حتى قيل: إن البنت الكبرى تشبه أباها.
ذكرت عائشة ﵂ كما في الصحيح مثالًا على ذلك، فقالت ﵂: (جاءت فاطمة إلى رسول الله ﷺ، والله ما تخالف مشيتها مشية رسول الله ﷺ .
فالذي يختار الزوج ويرضى به زوجًا لابنته، فإن هذا يدل على حسن النية وعن حسن الظن، الأمر الذي يوجب على الزوج أن يحفظ هذا الحق وأن يعتبره دينًا عليه.
ولذلك كان بعض الفضلاء، إذا أوذي من زوجته، لا يقف يومًا من الأيام على أبيها يشتكي، فلما عظمت أذيتها واشتدت بليتها، قيل له: هلا اشتكيتها إلى أبيها؟ قال: زوجني وأكرمني فأستحي أن أقف على بابه شاكيًا.
فإذا كان الإنسان حرًا كريمًا أعظم الإحسان وردّه بمثله وأفضل منه، وتلك سنةُ الأخيار، وإذا تذكر الإنسان اختيار أهل زوجه له، قابل ذلك بحسن المكافأة وردّ الجميل، وذلك من الإيمان كما قال ﵊: (حفظ العهد من الإيمان) .
2 / 6
حقوق والدي الزوج على الزوجة
وكما أن على الزوج أن يحفظ حق والد الزوجة، كذلك على الزوجة الصالحة أن تحفظ حق والدي الزوج، وأن تعي وتدرك أن حنان الوالدين وأن ما في قلبي الوالدين من الرحمة والصلة بالولد فوق الخيال وفوق التصور، فينبغي أن تقدر هذه العاطفة، وأن تقدر هذه الرحمة التي قذفها الله في قلب الوالد والوالدة، ولا يكون هناك ما يبعث على الغيرة أو على قطع الولد عن والديه، ولتكن على علم أنها إذا أرادت أن يبارك الله لها في زوجها وأن يقر عينها به فلتعنه على بر والديه، وإذا كان والدي الزوج بحاجةٍ إلى قرب الولد أن تكون قريبةً منهما، وأن تقابلهما بالمحبة والإجلال والوفاء، ولقد أباح الله وجعل والد الزوج محرمًا لزوجة ابنه، حتى يحصل التواد والتراحم والتواصل، وتنظر المرأة لوالد زوجها وكأنه والدٌ لها، فتشفق عليه، وترعى أموره، وتحسن إليه، وكذلك لوالدته.
وأكثر ما تقع المشاكل بين الزوجات والأمهات، والسبب في ذلك واضح وهو: أن أبلغ الحنان وأكمل ما تكون الرحمة من أمةٍ لعبدٍ أو من عبد لعبد أو من أمةٍ لأمة إنما هو حنان الأم لولدها، ولا تلام في ذلك، قال ﷺ لما دمعت عيناه على ابنه إبراهيم قيل: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: رحمةٌ أسكنها الله في قلوب عباده)، فالله أسكن في قلب الأم رحمة تحن بها إلى ولدها، وتصبح فارغة الهم إلا من ولدها، فما على الزوجة إلا أن تقدر ذلك، فإذا انطلقت من منطلق الغيرة أو وسوسة الشيطان لها بالوساوس والخطرات قطعت الوالدة عن ولدها، وقطعت الزوج عن أمه وأبيه، وعندها تتأذن بسخط الله -والعياذ بالله- وغضبه.
الله أعلم كم من قلب أمٍ تقرّح بسبب أذية الزوجة وإضرارها، وكم من عينٍ بكت ودمعت بسبب ظلم الزوجة وأذيتها لوالد الزوج، الله الله! على المرأة المؤمنة أن تخاف الله وتتقيه، وإذا كانت تعين بعلها على الظلم وعلى القطيعة فلتعلم أنه سيأتي يوم يؤذنها الله هي وبعلها بالعقوبة، فالعقوق لا خير فيه، وإنه من الذنوب التي يعجل الله به العقوبة، ويقول بعض العلماء: (إذا كانت المرأة تعين زوجها على عقوق الوالدين فإنها تجمع بين ذنبين وبين إساءتين، الذنب الأول: أنها شريكةٌ له في عقوق الوالدين، والعياذ بالله! والذنب الثاني: أنها قاطعةٌ للرحم) وجاء في الخبر أنه: (ما من ذنبٍ أحرى أن تعجّل عقوبته في الدنيا، مع ما ادخره الله لصاحبه من عقوبة في الآخرة من قطعية الرحم)، فقطيعة الرحم عذابها عاجل؛ ولذلك قال الله في كتابه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد:٢٢-٢٣]، يقول بعض العلماء: (من قطع رحمه ختم الله على قلبه، فمهما مرت عليه المواعظ ومرت عليه الآيات فلا يتعظ)، نسأل الله السلامة والعافية! ولو اتعظ يتعظ إلى حين، ولذلك كان بعض العلماء: إذا اشتكى أحدٌ من قسوة القلب سأله، وقال له: كيف أنت والرحم؟ فالمرأة التي تعين بعلها على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين قاطعةٌ لرحمها، لا تخاف الله ﷿ في زوجها، ولا تخاف الله في رحمها، وإذا كانت المرأة ترى من والدي الزوج أمورًا توجب لها أن تضر بوالدي الزوج فما عليها إلا أن تبذل كل ما تستطيع بالصبر واحتساب الأجر، وعليها أن تسأل العلماء حتى تعلم ما الذي يجب عليها فعله، ففي بعض الأحيان يتدخل والد الزوج ووالدته أو يتدخل والد الزوجة ووالدتها في شئون البيت، الأمر الذي يحدث النفرة من الزوج أو يحدث النفرة عند الزوجة.
والواجب في مثل هذه المواقف أن ينظر الزوج والزوجة إلى المفاسد، فإن وجد الزوج مفسدة تدخل والدي الزوجة أعظم من مفسدة إبعادها عنهما، فحينئذٍ يبعدها عن والديها، ويأذن لها بالزيارة في حدودٍ ضيقة، حتى تصلها وتقوم بحق البر مع الأمن من الأذية والإفساد والإضرار، وكذلك أيضًا إذا كان والدا الزوج يتدخلان في شئون الزوجة وفي شئون البيت بالإفساد والإضرار والأذية فالمرأة مخيرةٌ بين أمرين: إما أن تصبر وتحتسب الأجر، فهذا أحسن وأفضل وأكمل، وإما أن تنظر إلى المفاسد، فإن غلبت مفسدة التدخل سألت زوجها أن يبعدها عن والديه.
وعلى الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم، فإذا نظروا أن تدخل الوالدين في شئون البيت يُحدث للمرأة أذيةً وإضرارًا لا يسعها الصبر عليهما فعلى الزوج أن يتق الله في زوجته، وأن ينصفها من أهله ووالديه، وإذا قام بإبعاد زوجته عن والديه فلا يُعدّ عاقًا لوالديه، ولو سكن بعيدًا عن والديه في هذه الحالة المشتملة على الإضرار والأذية، مع تفقد الوالدين؛ لأن الله ﷿ لا يأمر بالظلم ولا يرضى به، فلا يأمر الله ﷿ بالظلم، فيقال للرجل: أبق هاهنا إرضاءً لوالديك، والوالدان سوطا عذاب على المرأة في أذيةٍ وإضرار وظلم وإجحاف، والعكس كذلك.
وعليهما -على الزوج والزوجة- أن يتقي الله كلٌ منهما في الآخر، وأن ينظر للأمور بمنظارها الشرعي، من حيث ترتب المفاسد ووجود المصالح، وإذا كانت المرأة ترى المفاسد عظيمة واختارت الصبر، فهذا أفضل وأعظمُ أجرًا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر:١٧-١٨]، قالوا: أحسنه أي: أحسن القرآن؛ لأن القرآن فيه حسن وفيه أحسن، فحسنُ القرآن أن ترد المرأة الإساءة بالإساءة، والرجل يرد الإساءة بالإساءة؛ ولكن الأحسن أن يرد الإساءة بالإحسان؛ وذلك لمن قال الله عنه: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت:٣٥] هذا من جهة والدي الزوجة ووالدي الزوج.
2 / 7
حقوق بقية أقارب الزوجين
أما بالنسبة لبقية القرابة: كالإخوان والأخوات ونحو ذلك، فعلى كلا الزوجين أن يتقوا الله في القرابة، والأخ قد ينزل منزلة الوالد، يقول بعض العلماء وهو مذهب الحنفية وطائفة من أهل العلم: (إن الأخ الكبير إذا مات الأب ينزل منزلة الأب في حفظ وده ورعايته وإكرامه وبره) .
فالأخ الكبير إذا مات الأب يكون له من الحق في البر والصلة كمنزلة الأب.
وقال بعض العلماء: (الأعمام ينزلون منزلة الآباء، والأخوال ينزلون منزلة الأمهات)، ولذلك قال ﷺ: (الخالةُ بمنزلة الأم)، فإذا كان للزوجة أخٌ كبير أو هو الذي قام بتزويجها ورعايتها يكون له من حفظ الحق والود والإكرام والإجلال مثل الذي ذكرنا، وليس الأمر مختصًا بوالد الزوجة؛ ولكنه يشمل كذلك الإخوان والقرابات ولو كان عمها، فإن النبي ﷺ يقول: (إن عم الرجل صنو أبيه) فنزل العم منزلة الأب، ونزل الخالة منزلة الأم، فقال: (الخالةُ بمنزلة الأم)، لما اختصموا في ابنة حمزة ﵁ وأرضاه، فأمر بحضانتها للخالة، وقضى بذلك وقال: (الخالة بمنزلة الأم) كما ثبت في الصحيح.
فهذا كله يدل على أن القرابة لها حق، وأن الأمر لا يختص بالوالد والوالدة، وإذا رأى الزوج حنان الزوجة لأخيها الأكبر وإكرامها له فليعذرها في ذلك؛ خاصةً إذا تربت يتيمة في حجره، وهو الذي قام عليها، فعليه أن يقوم بإكرامِ أخيها والقيام بحقه، كما ذكرنا في حقوق الوالدين.
نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل.
2 / 8
ضياع حقوق الأرحام في واقعنا المعاصر
وهذه الحقوق -أعني حقوق الأرحام- أكثر ما يحتاج إليها في التطبيق، والذي دعانا أن نفردها بهذا المجلس؛ شدة الحاجة، فقد كان الناس يحفظون حقوق قرابات الزوج والزوجة؛ لأن الفطر لم تتلوث، وكان الناس يربون أبناءهم وبناتهم على حفظ حقوق الأرحام، ولكن لما ساءت التربية في هذه الأزمنة المتأخرة، وأصبحت هذه الحقوق ضائعة، احتجنا للتنبيه عليها، ويحتاج إلى التنبيه عليها، والدعوة إلى التزامها والقيام بها أكثر وعلى الخطباء وطلاب العلم أن يعتنوا بذلك، فقد بلغ ببعضهم أن يُجلس والد زوجته وهو حطمة في آخر عمره لكي يقاضيه.
يقول بعض القضاة: من أصعب ما أراه من القضايا ومن أصعب ما يؤلمني ويزعجني في الفصل بين الناس أن أرى شيخًا كبيرًا في آخر عمره له مكانته وجلالته، ثم يجلس معه حدث السن السفيه الجاهل لكي يسب ابنته في وجهه، ويكشف عورته، ويهينه ويذله، لا يرعى فيه إلًاّ ولا ذمة.
يقول: حتى أني أتشوش في بعض الأحيان، ولا أستطيع أن أفصل، مما أرى ومما أسمع، فأين الذي وصى الله به وأين الذي يفعله الناس؟!! تراه في آخر عمره وتجد الزوج يصب عليه البلايا، وكل يومٍ وهو واقف على بابه يشتكي من ابنته، ويذكر عوراتها وسوءاتها وزلاتها وخطيئاتها، وقد يكون رجلًا مريضًا؛ فلا يرحمه في مرضه، ولا يرعى كِبرَ سنه، فهذه أمور تتفطر لها القلوب، ويحزن لها كل مؤمن، فالواجب أن يعنى بمثل هذا، ولا يمكن لنا أن نتلافى مثل هذه السلبيات إلا بأمرين مهمين: الأمر الأول: التربية الصالحة، أبناؤنا وبناتنا إذا زجّ بهم إلى الزواج، يعلمون ويوجهون ويربون على الأخلاق الحميدة والآداب الكريمة، على حفظ الحقوق، ورعاية الذمة، فيصبح الابن بمجرد أن يزوج كأنه مدينٌ بالفضل، ويصبح يرعى حق والد زوجته وقرابتها، والبنت كذلك، تعلمها أمها وترعاها، وتجلس معها وتوجهها التوجيه الكامل الفاضل، الذي يبعثها على مكارم الأخلاق، وعلى محاسن العادات.
وأما الأمر الثاني: فالتواصي بالحق، ولقد كثرت هذه المشاكل الزوجية بين الناس، وقلّ أن تجد من ينصح، وقلّ أن تجد من يعظ، أو يذكر، بل تجد الصاحب يجلس مع صاحبه والصديق مع صديقه والقريب مع قريبه يسمع بملء أذنه الزوج يسب أهل زوجته ولا يقول له: اتق الله، ولا اذكر المعروف، ولا يقول له ما قال الله: ﴿وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة:٢٣٧] .
فيا أيها الأحبة في الله! واجب أن نتناصح، واجب أن نحيي ما أمر الله بإحيائه من تقوى الله في الرحم، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ [النساء:١]، وقد كانت العرب في جاهليتها الجهلاء وضلالتها العمياء، إذا اشتد الأمر بين الرجل والرجل فأراد أن يذكره ويخوفه حتى يعود إليه قال له: نشدتك الله والرحم، فينكسر الرجل ويمتنع، فإن كان يريد منه ألا يفعل شيئًا تركه، وإن كان يريد منه أن يفعل هذا الشيء فعله؛ لأنه يحس أن هذه الرحم شيءٌ كبير، ومن هنا قال ﷺ كما في الصحيح: (إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم رحمًا) وهي مصر.
فـ أم إسماعيل هاجر وهي من مصر، وكذلك أيضًا أم إبراهيم مارية من مصر، فقال ﵊: (استوصوا بأهلها خيرًا) مع أنها رحم النبي ﷺ؛ ولكن جعله رحمًا للأمة: (استوصوا بها خيرًا، فإن لهم رحمًا)، هذا كله في الرحم مع بُعدها، فكيف إذا قربت الرحم؟!! فلذلك ينبغي التواصي بمثل هذه الحقوق، وإحياؤها في النفوس، وإذا جلسنا في المجالس ورأينا من يذم أهل زوجه ذكرناه بالله وخوفناه بالله، وإذا سمعنا بمشكلة بين قرابة منا -بين أرحام- وصلت إلى قطيعة الرحم فليتدخل العقلاء والحكماء، وليتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم؛ وذلك هو الذي يرضي الله، وهو الذي وصّى الله به من فوق سبع سماوات.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحسن الأحوال، وأن يحسن لنا ولكم الخاتمة والمآل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
2 / 9
الأسئلة
2 / 10
العمرة عن الغير
السؤال
فضيلة الشيخ! رجلٌ اعتمر لنفسه، فهل يجوز له أن يخرج إلى المقيات ويحرم ويعتمر لأمه، علمًا بأن أمه ميتة؟
الجواب
إذا كانت الأم قد ماتت ولم تعتمر فإنه يعتمر عنها، فإن من البر بالوالدين بعد الموت أن يحج ويعتمر عنهما، وفيه تفصيل: إذا خرج -مثلًا- من المدينة إلى مكة يريد العمرة، وليس في قلبه أن يعتمر عن والدته، فلما طاف وسعى أو لما وصل إلى مكة طرأ له أن يعتمر عن والدته، فيجوز له بعد فراغه من العمرة الأولى أن يخرج إلى التنعيم ويأتي بعمرة.
وأما إذا كان قد صحب نيته أن يعتمر عن أمه من المدينة، فيلزمه بعد الانتهاء من عمرته الأولى أن يرجع إلى المدينة؛ لأنه مرّ بالمدينة وهو ناوٍ أن يعتمر عنها، وقد أمر النبي ﷺ كما في الصحيحين من حديث ابن عباس وابن عمر: (من مر بالميقات وهو ناوٍ نسكًا أن يحرم من الميقات)، فيلزمه بعد فراغه من عمرته أن يرجع إلى ميقاته الذي مر به مستصحبًا النية مع العمرة الأولى ويأتي بها من الميقات، وإلا لزمه الدم إن أحرم من دون.
والله تعالى أعلم.
2 / 11
صلة الأرحام بالهاتف
السؤال
نرجو من فضيلتكم بيان هل يكفي لصلة الرحم ما سخره الله ﷿ في هذا الزمان بالهاتف؟
الجواب
أخي في الله! لو كانت الصلة بالهاتف تكفي لما اقتنع المؤمن ولا رضي المسلم أن يحرم نفسه الخير بتغبير أقدامه في طاعة الله ومرضاته، ولو كانت الصلة تكفي بالهاتف أو تكفي بالرسالة أو ببعث السلام فلن يرضى المسلم حتى يطلب الأكمل والأفضل، والصحابة كانوا يأتون ويسألون عما يقرب إلى الجنة، حتى ولو كان من مشاق النفوس ومما تبذل فيه المهج والأرواح ونحنُ على العكس من ذلك نبحث فقط على القدر الواجب وقدر الإجزاء فما دون، وهذا لا ينبغي، وخاصة لطلاب العلم، ولذلك أوصي طلاب العلم في صلتهم لأرحامهم وقرابة زوجاتهم، فعندما تكون المرأة صالحة ولها أخوات عند أناس أقلّ منك صلاحًا وأقلّ منك ديانة أو أناس من العوام، فينبغي أن تكون أنت أكمل وأفضل منهم، وأن تكرم زوجتك الصالحة الدينة.
بعض الأخيار والصالحين قد يكون سببًا في الشماتة؛ لأنه يقتصر على قدر الواجب، وما يدري هؤلاء العوام عن الواجب، لو كانت الصلة بالهاتف تكفي، إنما يرجعون إلى العرف ويقولون: هذا طالب علم لا يأتينا، وهذا طالب علم إنما يتصل بالهاتف، حتى ولو كان ذلك جائزًا لفُسِّر أنه تكبر واستعلاء، بالله لو كنت والدًا للزوجة وكان قريبك يفعل بك ذلك أكنت ترضى؟! أكنت ترضى أن يقوم بصلتك بالاتصال ولا يغبّر قدمه بالوقوف على بابك؟! لن ترضى ذلك، ولا يرضاه الصالحون من عباد الله الأخيار؛ لأن الإنسان مجبول بفطرته على حب الكمال.
فينبغي على طلاب العلم ألا يبحثوا على قدر الإجزاء فقط، بل عليهم أن يسعوا إلى الكمالات؛ لأنه إذا رضي الله عنك في برك لوالديك وصلتك لرحمك كانت صلة الله لك أكمل، وإذا كنت تبحث عن قدر الإجزاء وتبقى عليه، فهذا حد ما فرضه الله عليك، ولكن يعطيك الله ويجزيك قدره، ولكن إذا كنت تريدُ الصلة بالله على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فصل رحمك على أتم الوجوه وأكملها وأحسنها.
وإذا كان الإنسان عنده مشاغل ومع ذلك ينزل الزوجة لزيارة أمها وأبيها، ويقف ويسلم على والدها ويسلم على والدتها، والله يعلم أنه مشغول وأنه متأخر، ولكن يصبر؛ لعلمه أن الله يرضى منه ذلك.
وقد ترى الرجل إذا كان في تجارة، لو جاء لزيارة تاجر لجلس واستحيا أن يقوم، وإذا قال له: أنت مشغول؟ قال: لا، حقك أكبر، وأخذ يجامله، ويقول له الكلمات المكذوبة، والله يعلم أنه لا يقولها من قلبه، وهو يتمعر على فوات شغله، ولكنه يريد أن يجامل الناس، أما الرحم فلا، تجدنا أكمل ما نكون مع الأجانب ومن هم أبعد منا، وتجدنا أنقص ما نكون مع أقرب الناس منا، وهذا والله من الحرمان، ومن الخذلان أن تجد الرجل يبر خالته ويعق أمه، كما ذكروا في المثل.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند فينبغي للإنسان ألا يرضى فقط بقدر الإجزاء، ويبحث عن الرخص؛ ولذلك يقول بعض العلماء: قد يكون العلم وبالًا على العالم، قيل: كيف ذاك؟ قال: يأتي إلى العبادة، فيقول: هذا ركن وهذا واجب وهذه سنة، إذًا ما دام أنها سنة نتركها، فيصبح لا يفعل إلا الواجبات والفرائض، ويصبح علمه بالسنة وبالًا عليه نسأل الله السلامة والعافية! بدلًا من أن يكون علمه بالسنة سببًا في التمسك والحرص على الخير، صار -والعياذ بالله- سببًا في حرمان الخير، وتجد العامي ينظر إلى هذه السنة كأنها واجب، فيحرص على فعلها فينال فضلها، وتجد طالب العلم يقول: هذه ليست بواجب، فيتركها، فإذا بالعوام قد يفوقوا طلاب العلم في ذلك! إذًا لا تسأل عن قدر الإجزاء، بل ابحث عن الأكمل والأفضل، وكم ترى عينك وكم تسمع أذنك من زوج كثير المشاغل يأتي إلى أهل زوجته، يصلهم ويبرهم، وكلهم يعلم أنه مشغول، وأنه يتكلف المجيء، فيخرج من عندهم والأكف تُرفع إلى الله أن الله يوفقه ويسدده.
فلذلك حري بالمسلم أن يسعى إلى الكمالات، وأن يبحث عن الأفضل والأكمل، خاصةً إذا كان من طلاب العلم وكانت عنده زوجة صالحة، فليكن أكرم بعل في الإحسان لأهلها وإكرامها رعايةً لصلاحها، فالزوجة الصالحة في هذا الزمان درةً ثمينة عزيزة غالية.
نسأل الله العظيم أن يوفقنا إلى كل خير.
والله تعالى أعلم.
2 / 12