Fiqh al-Seerah by Al-Ghazali
فقه السيرة للغزالي
Editorial
دار القلم
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٧ هـ
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
عقابا استحققته، لأنه لا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وهنا يبدو بعد الشّقة بين المسيحية والإسلام.
الإسلام يغالي بقدر الإنسان، ويعطيه جزاءه الحق على الرفعة والضّعة.
أما النصرانية فالمرء عندها أنزل قدرا من أن يتّصل برب العالمين من تلقاء نفسه، لا بد من اخر يحمل قربته ويقبل توبته، ومن ذلك الاخر؟ شخص دعيّ! فإذا اقترف ذنبا فليس هو الذي يلقى قصاصه، إن القربان ذبح قديما من أجل خطيئته تلك، وعليه أن يصدق بذلك لينجو إن أراد النجاة، وهذا الخبط يحتاج إلى جرارات ثقيلة ليسير في الحياة مراغما للمنطق والعدالة.
أما إلاسلام فإن الله يقول لنبيّه ﵊ قولا تتفتّح له الأعين والأفهام:
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) [الرعد] .
إن هذه الاستفهامات المترادفة سياط تلدغ الباطل، وتجعل العقل النائم يصحو من سباته، وتحفز الإنسان إلى اعتناق الحقيقة والتسامي بها.
وذلك ما يعلنه ويعمل له رسول الإسلام محمد ﷺ.
وقد لقي الإسلام مقاومة عنيفة أشدّ العنف من الوثنية السائدة، فهي لم تلفظ أنفاسها في معركة أو معركتين؛ بل قاتلت ببأس شديد على كلّ شبر من الأرض، وكان الظنّ أن قواها خارت وانماعت عند ما أدّى الرسول ﷺ أمانته وذهب إلى الرفيق الأعلى، بيد أن الجزيرة انتفضت بأسرها في عهد أبي بكر ﵁، وانحصر المسلمون وسط طوفان من الردة العمياء، شرعوا يكافحونه مرة أخرى، فما استطاعوا كسر شوكته إلا بعد ما تكبّدوا من الخسائر أكثر مما فقدوا على عهد النبي ﵊ في مقاتلة أولئك المشركين «١» .
_________
(١) قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في كتابه (السيرة النبوية، دروس وعبر)، ص ١٦٧: «ولقد قامت بعد وفاة الرسول ﷺ حروب وفتن، وادّعى النبوة من ادّعاها، وعارض القران من عارضه، ولكنّا لم نسمع أن عربيا واحدا فكّر في العودة إلى الوثنية والهتها» . (ن) .
1 / 32