[الفقه للمرتضى محمد]
الجزء الأول من كتاب الفقه
مما ولي تأليفه
محمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين وسلم تسليما بسم الله الرحمن الرحيم
Página 1
الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وأياديه المتتابعة فلا تجزأ
حمد من آمن به وتولاه وآثر أمره ورضاه، وصدق وعده فرجاه، وأيقن بوعيده فاتقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له غافر الخطيات، ومقيل العثرات، ومبين الآيات، وماحي السيئات، العدل في قضائه، المنصف لخلقه، البريء من ظلم عباده، لم يخرجهم سبحانه من طاعة(1)، ولم يدخلهم أبدا في معصية(2) تعالى عن ذلك، والعزة والسلطان والقدرة والبرهان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم أنبيائه وسيد أصفيائه، انتجبه لأمره، واختاره لوحيه، فبلغ صلى الله عليه وآله، ونصح واجتهد حتى أقام على الأمة الحجة وأوضح لهم المحجة، ثم قبضه الله إليه عند كمال دينه وبث الحق في أرضه، فعليه وآله أفضل الصلاة والترحم(3) من ربنا الواحد الكريم.
[في الرجل يعطس في الصلاة فيرد عليه بيرحمك الله]
وسألت(4): وفقك الله للهدى وجنبك الغي والردى عن رجل يعطس في الصلاة فيقول له بعض من معه في الصلاة يرحمك الله، فقلت: هل يقطع الصلاة ويجب على الذي قال الإعادة؟
وقلت: لم يذكر في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنها تعاد.
Página 2
قال محمد بن يحيى عليه السلام: الجواب في هذا أنه إذا قال في
صلاته يرحمك الله فالإعادة أولى به وهي عندنا واجبة عليه؛ لأنه قد قطع ما كان فيه من الصلاة وخرج من قراءته، وقد جاء التحريم عن رسول الله صلى الله عليه وآله للكلام في الصلاة والاشتغال بغيرها لمن كان فيها، فلما أن قال يرحمك الله كان قد أضمر في قلبه ونوى في نفسه الدعاء لصاحبه، ولما أن أضمر ذلك في نفسه كان تاركا لضميره الذي أضمر لصلاته وصار(1) متكلما إيجابا متعمدا للترحم عليه.
[في الإمام يسهو ثم لا يسجد لسهوه]
وسألت: عن سهو الإمام ثم لا يسجد لسهوه سجدتي السهو فقلت: هل تنقض الصلاة وتفسد؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: سجدتا السهو يرحمك الله فهما إرغام لإبليس ليستا لتمام صلاة ولا لنقصانها أولا ترى أنهما إنما يكونان بعد التسليم، والتسليم فهو تحليل الصلاة وانقضاؤها وكل ما حدث من بعد التسليم فليس بموصول في الصلاة ولا محسوب في عددها وإنما هما مصغرتان للشيطان وتعظيم للرحمن ولا ينبغي لأحد سهى في صلاته أن يترك سجدتي السهو فإن ذلك أزكى في فعله وأقرب له إلى ربه وهما غير ناقضتين إن غفل عنها من صلاته.
Página 3
[في الإمام يسهو ولا يسهو من خلفه]
وسألت: عن الإمام يسهو ولا يسهو من وراءه هل ينبهونه بالتنحنح أو بالتسبيح أو بالكلام، فقلت: إن فعل ذلك فاعل هل يفسد صلاته؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: لا نحب لمن كان في الصلاة أن ينبه مخطيا بالتنحنح والتسبيح لأن ذلك تقع(1) به النية على الكلام لأنه إنما أقام التنحنح والتسبيح مقام قوله سهوت أو أخطأت وذلك اعتماد في تسبيحه وتنحنحه وهذا لا يجوز في الصلاة ولا نرى لمن خلف الإمام أن يتكلم بشيء إلا أن يتلجلج الإمام في القراءة ويسهو عن حرف يفلته فيتحير في طلبه فلا بأس أن يفتح عليه من وراءه لأن ذلك قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله(2) وأمر به وعلى ما ذكرنا لك يعتمد وبه نأخذ.
Página 4
[فيمن دعي وهو يصلي هل له أن يتنحنح]
وسألت: عن رجل دعاه إنسان ولم يره وهو يصلي فقلت أيجوز له أن يتنحنح.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: الجواب في هذه المسألة كالجواب
فيما تقدم قبلها لا نرى له ذلك ولا نجيزه لأنه قد أقام التنحنح مقام الإجابة لأن الإجابة قد تكون بفنون في اللغة شتى يعرف الداعي أنه قد أجيب إذا كلم بشيء منها لأن الداعي إنما يدعو ليعلم أين المدعي(1) فسواء عليه أجابه بلبيك أو بنعم أو أجابه بهاه أو إجابة بالتنحنح لأن كل هذه إجابة تقرر عند الداعي موضع المدعي(2) وإذا صار المصلي في صلاته يخاطب بهذه العلامات والإشارات فقد صار خارجا من نيته غافلا عن صلاته كما قد رأينا أيضا بعض الجهال إذا كلمه(3) إنسان بشيء فأراد أن يقول نعم نغض برأسه وإذا أراد أن يقول لا رفع برأسه إلى أعلى وهذا مما لا يجوز في الصلاة لأن الله سبحانه يقول في كتابه: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون}[المؤمنون:1،2]، والخشوع فلا يكون إلا بتسكين الأطراف والهدوء والإقبال على الصلاة حتى لا يمزجها بغيرها فأما من شابها بضده وأدخل فيها ما ليس من أعمالها فقد نأ عن خشوعها وبعد عما ذكر الله سبحانه من حدودها.
[في اللاحق يدرك الإمام في الأخريين هل يقرأ أو يسبح]
وسألت: عن رجل فاتته الركعتان مع الإمام وأدركه في الركعتين الآخرتين وهو يسبح فقلت: هل يقرأ هو(4) خلف الإمام نفسه أو يسبح أو يسكت؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا فات الرجل الركعتان الأولتان مع الإمام وأدرك الركعتين الآخرتين فليقرأ في الركعتين ولا يسبح لأنهما الأولتان له والقراءة فيهما عليه واجبة فليقرأ فيهما ويركع بركوع الإمام، ويسجد بسجوده فإذا سلم الإمام نهض هو فأتم الركعتين(5) بالتسبيح.
Página 5
[هل يتشهد اللاحق للإمام في الركعة الثانية مع الإمام]
قلت: إن من فاتته ركعة ولحق الإمام في الثانية فصلى(1) معه ثم جلس الإمام يتشهد فجلس معه هل يتشهد أم لا؟
والقول في ذلك عندنا أن يسكت ولا يتشهد فإذا نهض الإمام نهض
معه لأنها له(2) هو ركعة وللإمام ثنتان ولا يجب على من صلى واحدة يتشهد فاعلم ذلك.
[فيمن لا يسمع قراءة الإمام هل يقرأ أم يسكت]
وسألت: عن رجل لا يسمع قراءة الإمام لبعده منه هل يقرأ أم يسكت؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا لم يسمع قراءة الإمام عند جهره لزمته القراءة كما يلزمه عند مخافتة الإمام سواء سواء وذلك لقول الله سبحانه في كتابه: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(3)[الأعراف:204]، وإنما أمر عز وجل بالإنصات والاستماع في هذه الآية في الصلاة خاصة، وإذا لم يسمع فلم ينصت وإنما يقع الإنصات على من سمع القراءة فإذا سمعها وجب عليه أن ينصت ويقف(4) من القراءة خلف الإمام ولا يقرأ شيئا لأنه إذا قرأ لم يسمع ولم يكن منصتا فحظر الله سبحانه على المستمعين للقراءة أن يقرأوا وذلك لقوله: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف:204]، على أنه إذا لم يجهر الإمام أن يقرأ فيما خافت فلم يسمعوه فإذا لم يسمع من خلف الإمام قراءته وجب عليهم أن يقرأوا.
Página 6
وقد قال بعض من يتعاطى العلم أن هذا الذي لم يسمع قراءة الإمام
قد علم أن الإمام قد جهر فإذا علم بجهره وإن(1) لم يسمعه فقد أجزأه وليس ذلك عندي بشيء، بل الواجب عليه إذا سمع أن ينصت وإذا لم يسمع أن يقرأ؛ لأن الله سبحانه إنما أوجب عليه الإنصات عند السماع فإذا عدم الصوت فلم يسمعه وجب عليه القراءة ولا يسعه غير ذلك ولا يجوز له إلا هو.
[في الإمام يجهر في صلاة النهار فيما يخافت فيه هل تفسد صلاته]
وسألت عن الإمام: يجهر في صلاة النهار(2) فيما يخافت فيه هل تفسد صلاته أو يخافت في صلاة الليل عمدا أو يجهر بالتشهد فقلت: هل تفسد عليه بذلك الصلاة؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا جهر الإمام في ما يخافت
فيه، أو خافت في ما يجهر فيه فقد أفسد صلاته، ويجب عليه الإعادة؛ لأن الصلاة بحدود قد جعلها الله سبحانه فإذا خولفت فلم تؤد الصلاة لأن من سجد قبل الركوع لم يكن له صلاة، وكذلك من ركع موضع السجود بطلت صلاته، وكذلك أيضا من جهر في موضع المخافتة والأسرار فقد خالف حكم العلي الجبار.
[في الجهر بالقنوت في الفجر]
وسألت: هل يجهر المصلي بالقنوت في صلاة الفجر (ويسمعه من وراءه)(3)؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: القول في(4) ذلك عندنا أنه يجهر
بالقنوت ويسمعه من وراءه.
[فيمن أتم التشهد في الركعتين الأولتين ولم يسلم إن صلاته صحيحة]
وسألت: عن الرجل يتم التشهد في الركعتين الأولتين، ولم يسلم ثم ينهض هل تفسد صلاته بذلك؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: ليس ذلك بمفسد(5) صلاته ولا يغير عليه شيئا من فرضه وإنما يقع الفساد لو سلم.
Página 7
وقال بعض من ينظر في العلم من العامة إذا سلم ولم يتكلم جاز له
أن يبني على صلاته وليس ذلك عندي بصواب ولا أجيزه، بل أرى أن كل من سلم في غير موضع التسليم أن صلاته قد إنقطعت(1) وتجب عليه الإعادة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم))(2)، فإذا سلم فقد قطع الصلاة ووجب عليه الابتداء.
[في جلوس الإمام بعد الفراغ من الصلاة في موضعه]
وسألت: عن الإمام يسلم من بعد كمال صلاته وفراغه منها هل يقعد في موضعه وعلى مكانه فيسبح ويدعو.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: نحب للإمام إذا سلم من صلاته أن ينحرف يسرا عن مقامه ويدعو بما أحب من دعائه كذلك رأينا السلف صلوات الله عليهم وعاينا الهادي إلى الحق صلوات الله عليه إذا سلم انفتل إلى جانب المحراب حتى يخرج من وسطه ويصير جالسا إلى حرفه ثم كان صلوات الله عليه يدعو بما أحب وبدا له، ثم ينصرف وبذلك نأخذ وعليه نعتمد والله سبحانه الموفق للصواب والمعين على الحق والسداد.
Página 8
[في أنه لا فرق بين صبيان المسلمين والكفار]
وسألت: عن صبي يولد على فطرة الإسلام وصبي يولد على فطرة الكفر فقلت أيهما أفضل؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: ليس يقال لأولاد المشركين أنهم
ولدوا على فطرة الكفر؛ لأن الله سبحانه إنما فطر الخلق وأوجدهم كما قال الله عز وجل للطاعة حين يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات:56]، فكل مولود يولد فعلى الفطرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((كل مولود يولد فهو على فطرة الإسلام حتى يكون أبواه اللذان يهودانه أو ينصرانه))(1)، وحال الأطفال جميعا حال واحد من مات منهم صار إلى الجنة؛ لأنهم لا ذنوب عليهم ولم يبلغوا حد الأمر والنهي فيعصوا فيستوجبوا العقوبة والله سبحانه فلا يظلم العباد، فلما أن كانوا كذلك كانوا مستوجبين للرحمة والرأفة وكان ذلك من العدل والعقاب لمن لا ذنب له فهو من الجور والله سبحانه بريء من ذلك تعالى علوا كبيرا.
[في الرجل يطلع في دار جاره عمدا أو نسيانا]
وسألت: عن رجل أطلع في دار جاره عمدا أو نسيانا هل هو في ذلك مأثوم؟
وقلت: وإن وقع بصره على حرمه(2) من غير قصد لها هل عليه إثم ...إلخ؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: لا يجوز لمن يشرف على حرمة جاره، ولا يطلب عورتها، ولا ينظر شيئا من محاسنها فإذا فعل ذلك عمدا فقد أخطأ وأساء، ويجب عليه التوبة والاستغفار، وإذا كان ذلك بغير عمد ولا نية ولا قصد فليرد بصره، ولا يعد نظره فإنه غير مأخوذ بغفلته، ولا معاقب على ما لم يقصد بنيته ونظره.
Página 9
[في أن أهل الجنة درجاتهم متفاوتة وأنه لا تحاسد بينهم]
وسألت: عن أهل الجنة هل يكون بعضهم أعلا من بعض؟ وهل يقع بينهم في ذلك تنافس وتحاسد؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: أهل الجنة كما ذكر الله عز وجل في كتابه حين يقول: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}[الإسراء:21]، ويقول تبارك وتعالى: {هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون}[آل عمران:163]، ولهم عطاء على قدر أعمالهم ومنازل على حسب طاعتهم وكل راض بقسمه فرح بما وهب الله له مسرور بمرتبته، مالية لقلبه.
فأما التحاسد فليس من سبيلهم ولا في الآخرة من أخلاقهم؛ لأن الله سبحانه يقول في كتابه: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين}[الحجر:47] والغل فإنما يكون من العداوة والحسد وقد قلع الله ذلك من صدور المؤمنين وأزاحه من قلوب المتقين فهم في روضة وسرور ونعمة وحبور.
Página 10
[تفسير قوله تعالى: {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض}]
وسألت: عن قول الله سبحانه : {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض}[الحديد:21] فقلت: أمثل هو أم حق؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: بل هو حق كما أنكم تنطقون، فأخبر سبحانه وجل عن كل شأن شأنه أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض.
فإن قال قائل: فإذا كانت كذلك فهي أوسع من هذه الدنيا.
قيل: ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وإذا الأرض مدت}[الإنشقاق:3] ومعناه أي بسطت وزيد فيها مثلها؛ لأن السماء والأرض في الطول والعرض سواء وذلك قول الله سبحانه في كتابه: {وجعلنا السماء سقفا محفوظا}[الأنبياء:32] فلما أن كانت السماء على قدر الأرض صارت سقفا لها ولو كانت السماء أمد من الأرض لكانت على غير الأرض سقفا وليس شيء بعد الأرض يوقع عليه ولا يقال به، فسماء الآخرة كما ذكر الله سبحانه كعرض السماء والأرض، والأرض فتمد حتى تكون كمثلها كما ذكر الله سبحانه من فعله فيها وما تصير إليه من حالها.
Página 11
[في جواز النظر إلى المخطوبة]
وسألت: هل يجوز للرجل أن يخطب المرأة وينظر إليها ويستميل قلبها إليه بالقول الحسن؟
وقلت: إن لم يرها ثم عقد عقد نكاحها فلما دخل بها كرهها إذ لم تجيء على الوصف الذي وصفت له به فقلت: هل ينفسخ العقد بذلك؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: لا يجب لمن أراد تزوج امرأة أن يتفطن من عوراتها شيئا، فإن نظر نظر الوجه لا على النظرة الواحدة لأنه قد جاء من الترخيص في ذلك عند النكاح ما قد فهمتم عن رسول الله صلى الله عليه وإن تركه تارك فهو أحسن لأني لا آمن أن يكون في النظرة مدخولا.
فأما إذا عقد النكاح ولم يرها ثم دخل بها فشنيها فليس ينتقض بذلك عقدة النكاح ولا يقع به فراق وإنما اختلاف الصفة من كذب الناعت وليس ذلك مما ترد به المرأة ولا ينفسخ به العقد.
Página 12
[في الفرق بين المرأتين المؤمنتين إحداهما متزوجة والأخرى غير
متزوجة]
وسألت: عن امرأتين مؤمنتين إحداهما متزوجة والأخرى متثيبة تطلبان رضا الله سبحانه، فقلت أيهما أفضل؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: كلتاهما مطيعة لله إذا هما مؤمنتان مقرتان موحدتان مؤديتان للفرض غير أن المتزوجة أكثر تكليفا من الأخرى إذ عليها فروض من الله عز وجل وأمر ونهي في الزوج إذا قامت بذلك وأدته فقد وجب لها ثوابه وأجره فكلتا هاتين المرأتين مطيعتان لله في الأصل مؤديتان للفريضة وقد كلفت هذه المتزوجة أسبابا لم تكلفها الأخرى وكلتاهما ناجية وللمتزوجة عمل تثاب عليه ليس هو لتلك، كما أن الله جل ثناؤه قد فرض على الرجال والنساء التعبد فجعلهم في جميعه شرعا واحدا ثم خص الرجال بالجهاد وهم مستوون في غير الجهاد من التعبد إلا في ما افترض الله على الرجال من القيام بالنساء، ثم تعبد الرجال بعمل زادوا به على التعبد الأول فالأجر على قدر العمل وليس زيادة هذا في العمل بمقصرة بذلك(1) مما جعل الله لهم من الثواب؛ لأن كلا قد جعل الله عليه فرضا إذا قام به كان مطيعا.
Página 13
[في الولي يعضل كم يردد الطلب إليه]
وسألت: عن ولي أبى أن ينكح حرمته، فقلت: كم تردد الطلب إليه؟
وقلت: إذا أبى وطلبت المرأة النكاح ما الحكم في ذلك؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا خطبت المرأة إلى وليها وأنعمت هي بالنكاح لطالبها وكان كفؤا لها فأبى الولي أن ينكحها وامتنع من ذلك على الطالب لها وعليها وجب على الحاكم في أمور المسلمين من الأئمة العادلين أن يدعوه ويخوفه بالله ويمنعه من ضبطها ويأمره بإنكاحها فإن استعصم وأبى فقد بان عضله وشهد بالظلم على نفسها زوجها الإمام، وإن عدم الإمام فلم يوجد خوفه المسلمون الظلم وذكروه بالله سبحانه، فإذا استعصم أيضا في العضل لها ولت رجلا من عصبتها أقرب الناس إليها بعد وليها الذي عضلها وأمره المسلمون بتزويجها فإن أبى جعلت أمرها إلى رجل من المسلمين فقام فيها بما حكم رب العالمين على لسان خاتم النبيين.
Página 14
[في المرأة تنكح بغير ولي وأنكر الولي ثم رضى إن النكاح غير صحيح]
وسألت: عن امرأة تزوجها رجل بغير ولي وكان المنكح لها سلطانا بغير علم وليها، ثم بلغ الولي خبرها فأنكر النكاح ورده، ثم رفق به بعد الإنكار حتى رضي بالنكاح وأثبته.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا نكاح غير ثابت لإنكار الولي
وإنكاح من لم يكن له أن ينكح وعندما أنكر الولي العقدة انفسخت، ثم ذكرت أنه رضي من بعد ذلك فإذا رضي جدد النكاح المتزوج برضا من المرأة وكان على الزوج المهر الأول بما استحل من فرجها وعليه في النكاح الآخر مهر آخر بتجدد عقدة نكاحها الذي به ثبت تزويجها.
[النهي عن الرجل يصلي وبه حاجة إلى البول والغائط]
وسألت: هل نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي الرجل وبه حاجة إلى البول والغائط؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن ذلك لما فيه من الزعج في الصلاة وشغل القلب، ومما لا يؤمن من قطع الوضوء والمعاجلة في الصلاة فلا نرى لأحد يفعل ذلك.
Página 15
[تفسير قوله تعالى: {فساهم فكان من المدحضين}]
وسألت: عن قول الله سبحانه: {فساهم فكان من المدحضين}[الصافات:141]، فقلت: كيف ساهم؟ وما كان سببه؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: كان صلى الله عليه عندما كان من غضبه على من كان بينهم وانصرافه عنهم ركب في السفينة ومضا مع أهلها فلما وسطوا في لجج البحر وصاروا في طيه(1) وقفت السفينة بهم ولم تحول من موضعها، فأرادوا العمل في مضيها فإذا بها غير زايلة، فتراجع القوم بينهم فقالوا: إن فيكم لرجلا ذا خطية فتساهموا بنا فمن وقع عليه السهم رمينا به في البحر، فضربوا السهام على الرمي به فخرج فيهم يونس، ثم ضربوه ثانية فخرج سهم يونس، ثم ضربوه ثالثة فخرج سهم يونس، فقال صلى الله عليه: (أنا صاحب الخطية) فتلفف في كسائه ثم رمى بنفسه، فالتقمه الحوت كما ذكر الله سبحانه، ومعنى المدحضين فهم(2) المغلوبون الذين لم تقم لهم دولة ولم تثبت لهم حجة والعرب تسمى كل مهلك وتارك للرشد مدحضا ودحض يقول فلان دحض في الخطية أي وقع فيها، ويقول دحض في البلاد أي توسط ونزل به.
Página 16
[في الرجل يقر عند موته أن جميع أمواله لامرأته هل يصح]
وسألت: عن رجل أقر عند موته بأن المال الذي في يده يحوزه ويعمره لامرأته لا ملك له فيه.
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان أراد بقوله أنه لها وفي
ملكها هبة وهبها إياه فليس لها منه إلا الثلث، وإن كان أراد بقوله أنه لها ملكا لها لا له وأنه كان معها تعيش في مالها وملكها لا ماله وملكه فهو لها إلا أن يكون مع ورثته شهود يشهدون أن المال كان له وفي ملكه يورث ورثه من أبيه أو ملك ملكه من ماله وأنه صيره إليها إزواء عن باقي الورثة وظلما لهم وحيفا عليهم، فإذا صح الشهود بذلك قضيت المهر من المال، وكان لهذه المرأة الثلث الباقي من بعد قضاء الدين، واقتسم الورثة الثلثين الباقيين على السهام التي جعلها الله سبحانه، وإن لم يكن مع ورثة الرجل بينة على ما ذكرنا فالمال في يد التي في يدها بإقرار زوجها مع دعواها حتى يخرجه حق من يدها وما هو أقوى من حقها.
[فيمن أغفل الحجامة حتى يهيج به الدم]
وسألت: عن رجل يغفل الحجامة حتى يهيج الدم به فيموت فقلت: هل يكون مأزورا؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إن كان تعمد بذلك قتلا لنفسه فهو مأزور وإن كان لم يتعمد به ضررا لنفسه ولم يكن عنده علم بما يكون من عواقب هيجان دمه فليس عليه وزر ولا إثم وإنما عليه الإثم والوزر في(1) ما قصد به الهلكة لنفسه.
Página 17
[في الاسطوانة تقع في الصف فتحول بين الرجل وبين الدخول في
الصلاة]
وسألت: عن اسطوانة تقع في الصف فتحول بين الرجل وبين الدخول في صف المصلين، هل يجوز صلاته؟
وقلت: إن لم يمكن الراكع والساجد أن يفرج عضديه لتراكم الصفوف كيف يعمل في ذلك؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: إذا وقعت الإسطوانة في الصف واحتاج الرجل أن يخرج من أصلها ولم يمكنه الدخول في الصف لازدحامهم وجب عليه أن يجذب من الصف رجلا فيقيمه معه ولا ينبغي له أن يصلي وحده ولا يسع الذي يجبذ أن يتخلف عما أراد به منه.
فأما الذي يزحم عن تفريج عضديه فيفعل من ذلك على ما قدر عليه
وأمكنه، ثم هو يجزي(1) له إن شاء الله ولا ينبغي لأهل المسجد أن يزدحموا فيه كل الإزدحام فإن ذلك أصلح في الصلاة والإسلام.
[في أنه لا يجوز للإمام أن يطول بالناس في الصلاة]
وسألت: هل يجوز للإمام إذا صلى بالناس أن يقرأ البقرة أو يصلح لغيره إذا صلى وحده أن يقرأ بها؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: لا يجوز للإمام أن يقرأ في
صلاته بالناس بالبقرة لما في ذلك من الفساد على المصلي من ذلك أن ينعس الناعس ويمل المصلي وتفسد نيته مع ضعف الشيخ وشغل ذي الحاجة وإتعاب المريض، وقد روي(2) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((صلوا في الجماعة بصلاة أضعفكم ولا تطولوا فإن وراكم الشيخ الضعيف والمريض وذا الحاجة))(3)، ولا أحب أيضا للمنفرد أن يقرأ في صلاته الفريضة بالسور الطوال لما في ذلك من فساد نيته وتعبه وملالته وقراءة السور القصار أصوب في الصلاة بالناس، ومن قرأ الحمد وثلاث آيات استجزأ في ركعته بها، ولم يبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يقرأ بالسور الطوال في صلاة الفريضة، وإن قرأ رجل في نافلة بالسور الطوال فذلك غير محظور عليه، والمفصل فمن سورة محمد صلى الله عليه وآله الذين كفروا، إلى قل أعوذ برب الناس.
[في البكر تستأذن في النكاح فتسكت أو تضحك]
وسألت: عن البكر تستأذن في النكاح ويذكر لها فتسكت أم تضحك(4) ولم تقل لا ولا نعم، فقلت: هل يكون منها رضا بالتزويج ويثبت به النكاح وتكون الشهادة على ذلك لو أبت وأنكرت؟
Página 18
قال محمد بن يحيى عليه السلام: سكوت البكر وضحكها إنعام بالنكاح ورضى به ، فإذا سئلت فسكتت زوجت، ثم لم يكن لها(1) أن تنكر لأنها قد علمت ولو لم تود(2) لقالت لا إلا أن يكون سكوتها من أجل خوف من الموامر لها ويكون قلبها منكرا فلها الإنكار عند الأمن إذا بان صدقها في الخوف، وقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ((أنه كان إذا زوج إحدى بناته كلمها من وراء(3) الستر ثم يقول لها: بنية إن فلانا خطبك، فإن رضيت فاسكتي وإن كرهت فخطي في الستر))(4).
وسكوت البكر إذا لم يكن مخافة رضى وإن أنكرت من بعد ذلك لم يجز
إنكارها، وذكرت أنها في البيت وشهد الشهود على قول وليها أنها تسمع ما يقولون، فإن شهد الشهود على رؤيتها وسكوتها فذلك لازم لها، فإن لم يشهدوا إلا على قول وليها فلم تقع الشهادة إلا على قول الولي لا عليها، فإن كان مع وليها شاهدان عليها بسكوتها فليس لها إنكار وإلا استحلفت ما سكتت ولا أخبرت فإذا حلفت من بعد عدم الشهود انفسخت عقدة النكاح إذا أنكرت.
[في أن حلق الرأس والأصداغ جائز وأن النتف لا يجوز]
وسألت: عن رجل يحلق جبهته أو ينتف مكان التجفيف.
Página 19
قال محمد بن يحيى عليه السلام: أما حلق الرأس والأصداغ فجائز،
وأما النتف فلا يجوز لرجل ولا لامرأة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد نهى عن ذلك وقال: ((لعن الله الواشمة والموشومة والنامصة والمنتمصة والواصلة والمتصلة فهي التي تصل شعرها بشعر الناس))(1) فنهى عن ذلك في الرجال والنساء.
[فيمن قتل هل يكون أولاده الذكور والإناث مستوين في العفو]
وسألت: عن رجل قتل هل يكون بناته وبنوه مستويين في العفو عن القاتل وأخذ الدية؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: هم مستوون في العفو متفرقون في
الدية؛ لأنهم يرثون على قدر سهامهم.
[في جواز تقبيل الرأس واليد والكتف]
وسألت: عن رجل قبل أخاه المسلم في رأسه أو بعض جسده فقلت: هل يجوز ذلك أم لا؟ وهل يجوز لهما أن يضطجعا في ثوب واحد؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: لا بأس أن يقبل الرجل رأس أخيه ويده وكتفه لأن ذلك غير ضيق ولا محرم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل رأسه ويده، وما رأينا أحدا من الأخيار ينكر ذلك ويحرمه.
فأما الاضطجاع في ثوب واحد فإن كانا عريانين في ثوب واحد فلا
يجوز ولا يحل لرجل أيضا أن يقبل فم الرجل ولا يسعه ذلك.
[في أن مضاجعة الصبيان جائزة في ثوب واحد إلى أن يميزوا ويعرفوا العورة]
وسألت: عن الرجل والمرأة إلى أي وقت يجوز لهما المضاجعة لأولادهما في ثوب واحد؟
قال محمد بن يحيى عليه السلام: يجوز ذلك لهما إلى وقت تمييز
الصبيان والمعرفة بالعورة ثم لا يجوز لهم ذلك.
[في الصبية متى يجب عليها أن تستتر من الرجل]
وسألت: عن الصبية متى يجب عليها أن تستتر من الرجل؟
Página 20