El documental: una introducción muy breve
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
عينت هيئة التسويق الإمبراطورية جريرسون للترويج لفكرة الإمبراطورية ذاتها، وقد عرض له رئيسه الهدف بلا أي غموض: «إن مهمة الفيلم الوثائقي الحكومي في نظر الدولة هي الفوز بقبول هذا الجمهور الجديد للنظام القائم.» بعد الانتهاء من الفيلم الذي كاد يكون الفيلم الوحيد الذي أخرجه، وهو فيلم «قوارب الصيد» (1928) - وهو فيلم وثائقي يدور حول صيد أسماك الرنجة أنتج استجابة لاهتمام أحد المسئولين بهذا المجال - استعان بمجموعة من الشباب والقليل جدا من النساء، كان من بينهن شقيقته روبي، لتنفيذ أفلام لمصلحة كل من الحكومة والشركات الكبرى. وكان فيلم «بريطانيا الصناعية» (1932) محاولة لفطام البريطانيين من حنينهم لماض كان أكثر بساطة، غير أن جريرسون أخطأ بالاستعانة بفلاهرتي في تصوير الفيلم؛ فقبل استبعاده، لم يتجاوز فلاهرتي الميزانية فحسب، ولكنه صور مشاهد للحرفيين كان من شأنها أن تثير الحنين فعليا. وفي فيلم «مشاكل سكنية» (1935)، الذي أخرجه إدجار أنستي وروبي جريرسون وتولت تمويله شركة للغاز ووكالة للإسكان، أتاح الفيلم الفرصة لسكان الأحياء الفقيرة لشرح مأساتهم، وقدم الدعم لمشروع تطهير الأحياء الفقيرة. أما فيلم «البريد الليلي» (1936)، من إخراج بازيل رايت وهاري وات، ومساهمات من الشاعر دبليو إتش أودين والملحن بنيامين بريتن، فتعقب مسار خطاب من صندوق البريد حتى لحظة التسليم، ودار أغلبه في قطار للبريد (حيث كان الجزء الداخلي من القطار مسرحا للأحداث). وقد انبهر المشاهدون بالتعقيد الصناعي والبيروقراطي العسير للخدمات الحكومية، ومحاولة تلميع سمعة إدارة البريد، والتأكيد على الطبيعة المترابطة للمجتمع الحديث.
شكل 1-4: نظر جون جريرسون إلى الفيلم الوثائقي كأداة لتعزيز الترابط والبصيرة الاجتماعيين؛ فقد احتفى فيلم «البريد الليلي» بوحدة الإنسان والآلة في خدمة توصيل البريد البريطانية. الفيلم من إخراج هاري وات وبازيل رايت 1936.
روج جريرسون و«أعوانه» لمفهوم الفيلم الوثائقي كأداة للتوعية والتكامل الاجتماعي من خلال محاضرات وكتابات، وفي عام 1932 احتفى جريرسون بقدرة الفيلم الوثائقي على ملاحظة «الحياة في حد ذاتها» باستخدام أشخاص حقيقيين استطاعوا مساعدة الآخرين على تفسير العالم والقصص الواقعية، وقد قارن هذا ب «آليات المحاكاة والتزييف» و«الأهداف التجارية» في أفلام هوليوود التمثيلية، وقد نوه إلى قدرة فلاهرتي على السماح للواقع بفرض القصة، وإن كان قد تمنى أن «تزول النزعة الضمنية لفلسفة روسو الحديثة في أعمال فلاهرتي بزوال نفسه الاستثنائية الرائعة من الوجود»، في إشارة إلى رومانسية فلاهرتي. كان التحدي الحقيقي - كما يقول - هو تطبيق الإبداع على «مهمة تنظيم الفوضى العارمة للحاضر»، ونقل فكرة «أمينة وواضحة ومخلصة تحقق أسمى غايات المواطنة»، ولتحقيق ذلك، كان من المهم تجاوز التركيز على الأفراد والتوجه نحو الخطوات العملية.
تزايدت حدة جريرسون في التعبير عن الوظيفة الاجتماعية للفيلم الوثائقي، حتى على حساب «الجانب الجمالي»؛ ففي عام 1942، أكد على أن «فكرة الوثائقيات لم تكن في الأساس فكرة فيلم على الإطلاق، وإنما «فكرة جديدة للتوعية العامة»، وكان يرى الدولة كيانا عادلا ومحايدا لإدارة الديمقراطية الاجتماعية، وكان يعتقد أن الشركات كان بإمكانها أن تستخدم العلاقات العامة لتحقيق المصلحة العامة لو اعتمدت على الحقيقة، ولم تكن حقيقة أنه أيد استخدام بعض أساليب مروجي الدعاية النازية نفسها تثير ضيقه: «بإمكانك أن تكون «مستبدا» لمصلحة الشر، وبإمكانك أيضا أن تكون «مستبدا» لمصلحة الخير.» وأيد جريرسون الفصل الحاد بين الأفلام الوثائقية والسينما الترفيهية. ولإيمانه بأن هوليوود لا يمكن قهرها ولا يمكن الانضمام إليها، فقد ذهب إلى أن الفيلم الوثائقي ينبغي أن يسعى لمخاطبة الدوائر غير التجارية والوفاء بتوقعات مختلفة تماما بين المشاهدين.
أصبح جريرسون مستشارا لكل من الشركات والحكومات التي كانت تبحث جميعا عن أحدث الوسائل في العلاقات العامة، وكان تأثيره واسع النطاق؛ ففي كندا، حيث قضى جزءا كبيرا من الحرب العالمية الثانية، أطلق المجلس القومي للسينما بكندا، الذي ما زال قائما حتى الآن، وأجرى مشاورات مع كل من الحكومة الأمريكية والبريطانية، وساعده زملاؤه في تأسيس المجلس القومي للسينما بأستراليا، وعمل مستشارا لقادة حكومة جنوب أفريقيا، ولسوء الحظ - كما وثق كيان توماسيلي - وقع ضحية هناك لمؤامرة من المستوطنين البيض المؤيدين للتمييز العنصري وزكى مقترحاتهم باسم الوحدة الوطنية، وانهار دور جريرسون كقائد في مجال الأفلام الوثائقية، بل كقائد في حركة الفيلم الوثائقي الاجتماعي البريطاني ذاتها، بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن رؤيته للفيلم الوثائقي كمشروع للتوعية الاجتماعية كان لها تأثير عميق على صناعه لاحقا.
ركز النقد المعاصر لأعمال جريرسون تركيزا كبيرا على قضية الفاعلية؛ هل كانت الأفلام ثورية على نحو مبالغ فيه؟ لقد جسدت الأفلام طبقة العمال، وهو ما كان صدمة للكثيرين في المجتمع البريطاني الطبقي. هل كانت ستحظى بشعبية كافية؟ هل كانت ستتسم بالجرأة الكافية من الناحية الجمالية؟ ردا على هذه التساؤلات، زعم بول روثا في كتاب «الفيلم الوثائقي» أن الحركة كانت «أهم إسهام لهذا البلد في السينما ككل»، وأصبح هذا الإعلان بمنزلة حكمة مقبولة عالميا، وأصبح جريرسون رمزا جليلا شبه أسطوري لتاريخ الاتصالات البريطانية والكندية، وتحقق ذلك جزئيا من خلال الجهود الترويجية لأنصار جريرسون أنفسهم.
فيما بعد جاءت مدرسة بحثية أخرى أخذت على عاتقها مهمة هدم الأسطورة، كما لخص إيان أيتكين وجاك إليس، وصنفت جريرسون في زمانه ومكانه كأحد الأبطال الأوائل للعلاقات العامة، ووجه البعض اتهاما بأن ادعاء روثا تجاهل جهود الأفلام المنافسة في ذلك الوقت وأنه يخدم أغراضا شخصية، وانتقد آخرون أعمال جريرسون لسذاجتها حيال تداعيات الواقعية، وأشاروا إلى ثقافة الطبقة الوسطى ذات الطابع الذكوري المحتفى بها في أفلامه.
وعلى الرغم من أن جريرسون أظهر توجها يساريا واتهم بأنه يساري، فقد أشار النقاد فيما بعد إلى رجعيته ورغبته في الحفاظ على الأوضاع الراهنة، وقد ذهب جويس نيلسون، على إثر دراسة متفحصة لأداء جريرسون في كندا، إلى أن جريرسون قد قلل من أهمية القومية الكندية لخدمة وحدة دول الكومنولث، وأنه أيد سيطرة هوليوود على الأفلام السينمائية الكندية باستراتيجيته الانفصالية للأفلام الوثائقية.
لعل أشد نقاد جريرسون قسوة هو الباحث والصحفي الإذاعي البريطاني السابق براين وينستون، الذي ذهب إلى أن مشروع جريرسون قد أثر سلبا على هذا الشكل الفني، الذي تجنب تحمل مسئولية دوره كمبلغ للحقيقة باللجوء إلى ادعاءات فنية؛ تلك «المعالجة الخلاقة» للواقع، غير أن تجنب تلك المسئولية بادعاء أنه كان يخدم هدفا اجتماعيا أسمى لا يدخل ضمن التحديات الفنية؛ فقد تجنب مسئولية ذلك الهدف الاجتماعي؛ أي وظيفته الترويجية، بادعاء أنه ليس إلا مبلغا للحقيقة، وأخيرا، تجاهل جريرسون الأدلة على أن أفلامه الوثائقية لم ينظر إليها على نطاق واسع ولو باعتبارها نتاجا ثانويا للسينما التجارية، وأن المحيط غير السينمائي كان مدفوعا بالمهمة التربوية وليس بتقدير الشكل الوثائقي. لقد كانت أفلام جريرسون الوثائقية تحمل نية خبيثة، وهي تدعيم مصالح من كانوا يمولونها وخنق الإبداع، وقد ذهب وينستون إلى أن المخرجين لا بد أن تكون لديهم الحرية لسرد القصص التي يعتبرونها مهمة، دون ذلك الادعاء الرنان بأنهم يؤدون خدمة اجتماعية، أو تلك الادعاءات الروحانية بأنهم يوفرون مدخلا فريدا للحقيقة.
وقد أكدت إليزابيث ساسيكس، التي حاورت الكثير من أنصار وثائقيات جريرسون البريطانية، أن رؤية جريرسون لشكل فني يمكنه أن يجعل المشاهدين على وعي بسياقهم الاجتماعي ظلت حية بالفعل ونقلت إلى جيل آخر لكي ينفذها على نحو مختلف. وفيما يعد لفتة رائعة لرجل كان يفتخر بتغييره للعالم، قال روثا لاحقا: «لا أعتقد أن الأفلام في حد ذاتها لها أدنى أهمية، المهم هو نوعية الروح الكامنة وراءها.»
Página desconocida