El documental: una introducción muy breve
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
على النقيض من الواقعية تأتي مناهج تجذب الانتباه إلى دور الفنان والتكنولوجيا في صناعة الفيلم، بعض هذه الأساليب جمعت تحت مسمى «الشكلية»، بمعنى إلقاء الضوء على العناصر الشكلية في الفيلم ذاته، ومن ضمن أمثلة تلك العناصر المونتاج الحاد أو الملحوظ، والألوان غير الطبيعية، والتشويهات في عدسة الكاميرا، والمؤثرات الخاصة مثل التحريك، وإبطاء أو تسريع الصوت والصورة. في بدايات نشأة السينما، جرب العديد من صناع الأفلام هذه التقنيات لتمثل نمطا قويا للتعبير خارج القيود التجارية منذ ذلك الحين (وقد وجدها المعلنون مفيدة أيضا من أجل ترك انطباعات تعلق في الأذهان وذات تأثير عال). وقد اتهم أنصار الشكلية الواقعيين بالتضليل وخداع المشاهدين لدفعهم لتصديق أنهم يشاهدون شيئا واقعيا؛ في المقابل سمح هؤلاء المخرجون للمشاهدين بملاحظة دور الفنان في خلق العمل، بل الاحتفاء به.
روبرت فلاهرتي
لم ينتج الأمريكي روبرت فلاهرتي سوى بضعة أفلام خلال سنوات عمله، ولكن البعض منها أصبح محكا تقاس على أساسه الأفلام الوثائقية. حظي فيلمه الأول «نانوك ابن الشمال» بنجاح واسع، وألهم صناع الأفلام في كل أنحاء العالم، من الروسي سيرجى أيزنشتاين إلى البريطاني جون جريرسون والفرنسي جان روش.
نشأ فلاهرتي في كندا وعلى حدودها، وعاش فترة في معسكرات التعدين مع والده الذي كان يملك منجما. بعد محاولة فاشلة لتنفيذ فيلم يوثق رحلاته وأسفاره (على أثر احتراق النيجاتيف)، عاد لمدة عام إلى سكان القطب الشمالي الأصليين الذين لقي منهم معاملة طيبة، وبحوزته تمويلات من شركة فرنسية لتجارة الفراء. وعلى الرغم من رفض الكثير من الموزعين للفيلم الناتج، فقد حقق الفيلم الكثير من المال لنفسه ولفلاهرتي. روج لفيلم «نانوك» في دور العرض بواسطة أفكار ووسائل بارعة مثل الزلاجات التي تجرها الكلاب، وأشكال مصنوعة من الورق المقوى لأكواخ الإسكيمو، ووصف بأنه «قصة حياة وحب في القطب الشمالي الحقيقي».
استعار الفيلم عناصر من الأعمال السينمائية الترفيهية الرائجة في ذلك الوقت؛ فقد تضمن عناصر «تصويرية» مستعارة من أفلام الرحلات، التي كانت في حد ذاتها وريثا لعروض شرائح الرحلات، وكان الفيلم أيضا يروي قصة درامية عن البقاء في مواجهة الظروف البيئية القاسية، مستخدما بنية مشابهة لتلك المستخدمة في الفيلم الروائي الشهير «ميلاد أمة» (1915) لدي دبليو جريفيث، الذي كان فلاهرتي قد شاهده. اشتمل الفيلم أيضا على بدعة جديدة؛ فقد عرف فلاهرتي المشاهدين بالحياة اليومية في ثقافة كان هو وجمهوره يعتقدون أنها بدائية، وكان التجديد في الفيلم أن «البدائيين» في هذه الثقافة لم يقدموا كمخلوقات أو حيوانات غريبة الأطوار (مثلما قدموا منذ فترة قريبة في المعرض الكولومبي الدولي بشيكاغو عام 1893)، بل كبشر لديهم عائلات ومجتمعات. وكان بإمكان الجماهير من خلال هذا الفيلم استكشاف أسلوب حياة آخر، بل كانوا يعتقدون أنهم يستكشفون الماضي. وقد تعمد فلاهرتي أن يكون تجسيده لأسلوب حياة سكان الإسكيمو ذا طابع عتيق ومهجور.
لاقت النزعة الإنسانية الدافئة لفيلم «نانوك» نجاحا على المستوى التجاري فاق ما حظي به منهج نصير آخر «للتوثيق الإثنوجرافي»، وهو المصور إدوارد إس كيرتيس الذي كانت عائلة فلاهرتي قد زارته قبل الانتهاء من «نانوك». كان كيرتيس ، الذي اشتهر بتصويره للهنود الحمر وهم يرتدون ملابس عتيقة، يأمل في الاستفادة من السنوات التي عاشها مع هنود الكواكيتول بفيلم يجذب جماهير على استعداد للدفع لمشاهدة الفيلم. وفي فيلمه «في أرض صائدي الرءوس» (1914) - الذي أعيد تسميته فيما بعد بشكل أكثر دقة ليصبح «في أرض القوارب الحربية» - جمع مشاهد لطقوس كان قد طلب من الكواكيتول إحياءها مع حبكة ميلودرامية لم تستوح من ثقافة الكواكيتول. لم يحقق الفيلم إيرادات تذكر، وكان فاشلا من الناحية الجمالية، على الرغم من الاهتمام البالغ به من علماء الأنثروبولوجيا فيما بعد لما يحويه من مشاهد الطقوس التي أعيد تجسيدها.
بالطبع اتخذ فلاهرتي بعض الخيارات بغرض جذب جماهير على استعداد لدفع ثمن تذكرة السينما، فغير اسم البطل من ألاكريالاك إلى نانوك، وجمع له عائلة نموذجية غير حقيقية ولكنها كانت مناسبة للتصوير، وقد أخفى مشاركة العديد من سكان الإسكيمو في تصوير الفيلم، وأبرز بل دبر عمليات صيد عالية الدراما بدلا من مجرد رصد إيقاع الحياة اليومية الخالي من أي أحداث، وخاصة إيقاع حياة النساء. وقد أدى تصوير فلاهرتي البارع - والناتج عن الاعتناء شديد الدقة بالتفاصيل البصرية وإعادة التصوير عدة مرات - والتنظيم البارع للإيقاع من المونتير (الذي كان بطيئا بما يكفي لإقناع المشاهدين بأنهم يشاهدون حياة واقعية، ولكن ببنية درامية) إلى إنتاج عمل ترفيهي عالي الجودة من مادة خام مشوقة، وقد منح اختيار الاتجاه الواقعي - أي خلق الوهم بحقيقة مرئية ومحسوسة من خلال المونتاج، وزاوية الكاميرا، والإيقاع - المشاهدين انطباعا قويا بأنهم عايشوا شيئا شبه حقيقي.
كان اختيار فلاهرتي للصيغ المهجورة في الفيلم خيارا أخلاقيا؛ إذ قال: «ما أريد أن أعرضه هو الروعة والسمات الشخصية التي يتمتع بها هؤلاء الناس، ولا يزال ذلك ممكنا، قبل أن يدمر البيض ليس فقط شخصيتهم، بل الأشخاص أنفسهم أيضا.» كان لدى فلاهرتي إيمان رومانسي قوي بنقاء الثقافات الأصلية، وكان يؤمن بأن ثقافته قد أفقرت روحانيا بالمقارنة بها. وتتذكر أرملة فلاهرتي أنه قال: «كانت مشكلة نانوك هي كيفية التعايش مع الطبيعة، أما مشكلتنا فتكمن في كيفية التعايش مع ماكيناتنا. لقد وجد نانوك الحل لمشكلته في روحه، مثلما فعل البولينيزيون، ولكننا صنعنا لأنفسنا بيئة يصعب على الروح التوافق معها.»
كانت هذه القناعة الرومانسية تعني أيضا أن فلاهرتي كان يعتقد أن ثقافة الإسكيمو قد لوثت بفعل احتكاكها بالعالم الخارجي، ولم يكن يعتقد أن بمقدور ثقافة الإسكيمو النجاة من هذه الهجمة العنيفة؛ فقد كانت الثقافة الأصلية في رأيه ثقافة نقية لم تمسسها حضارة صنعتها الماكينات، على الرغم من أن مواطني الإسكيمو الذين اعتمد عليهم في الأساس ليركز عليهم كاميراته كانوا يبيعون الفراء لأسواق الفراء أيضا.
شكل 1-3: طلب المخرج الواقعي الرومانسي روبرت فلاهرتي من سكان الإسكيمو إعادة تجسيد العادات التقليدية من أجل فيلم «نانوك ابن الشمال». الفيلم إخراج روبرت فلاهرتي عام 1922.
Página desconocida