الباب الرابع في اختيار الارض واصلاحها
اعلم ان مما تعرف به طيب الارض وشرفها ان تنظر الى ما ينبت فيها من العشب وقلته وكثرته وغضارته، وكيف هو فى اقباله وادباره، فان كان عشبها من العشب الذي ينبت فى بطون الاودية والمواضع الرطبة علمت ان تلك الارض فيها البركة وعلى ما تحمله من العشب وقلته وكثرته تحمل من الزرع والنبات
فصل: وينبغى ان تعدل الارض قبل الغراسة وتسوى ويؤخذ التراب من المكان المرتفع ويجعل فى المنخفض حتى يستوى جرى الماء عليها، ويستوفى كل موضع منها من الماء حقه ويكون تعديل الارض بان تزنها بميزان الماء وهو الذي يعرف بالمرجيقل، واذا كانت الارض طيولة واحتيج الى تعديلها فان ذلك ان عولج بالنقل بالزرع من موضع الى موضع صعب لكن لها وجه تعدل به بأيسر كلفة وهو ان يصنع لها الجاروف وهى التي يجذبها البقر وهى معروفة عند ائمة الفلاحة، فاذا عدل الارض اخذ فى غرس الثمار بعد ان يخط لها فى الارض خطوطا مستقيمة حتى لا تخرج منها ثمرة عن حد صاحبتها لتقابلها الريح من اى ناحية هبت، وتستوفى كل ثمرة من الريح والهواء حقها ويجعل بين ثمرة وثمرة اثنتى عشرة ذراعا
فصل: اعلم ان الارض فى طبعها بالجملة يابسة لا اختلاف فى ذلك، الا انه يتولد على وجهها العشب، فاذا غمرت ذهبت الرطوبة منها وضعفت مادتها فتحتاج الى التقوية بالزبل لما فيه من الحرارة والرطوبة، الا ان هذا يمكن فى القطعة اللطيفة من الارض او الحبة، واما الارض العريضة العظيمة فلا يستطاع ذلك فيها والذي يقوم لها مقام الزبل وهو القلب ومعنى القلب ان تحرث ويرد اعلاها اسفلها مرة بعد مرة ويشرع فيها من نصف شهر يناير وفبراير الى النصف من مارس او الى اوله ثم يرجع على حرث ما حرث ويحرث ويلينه ويعمله عملا جيدا الى نصف ابريل او الى قريب من مايه، ثم يحول عليها بالتثليث الى آخر مايه ويتركها للحر المفرط وهى قد امتزج بعضها ببعض ورقت بشرتها وذهبت فضولها، فان تنزل عليها الماء فى شهر يونيه ورويت من الماء فلتحرث عند ذلك ويكون هذا حرثا رابعا ثم تترك ولا تتعرض بعد هذا ولا تزاد على اربع سكك او اثنين ان كانت الارض طيبة، لان الشعير فيه رطوبة قوية فيلائم الهواء والارض فتسرع بركته ثم يترك مفتوحا للحرث يجذب رطوبته ويعفن عشبه ويطبخ مدة طول الحر فتتمكن فيه الحرارة والرطوبة فاذا كان فى اول فصل الخريف ونزل عليه الماء وثرى وهذا العمل يعدل الزبل ويفوقه لان الارض تنفتح مسامها بالحرث ويسرى الهواء الحر اليابس فى داخلها ويعم جميع أجزائها ثم ترطب بالماء، ومع ان حرارة الهواء الطف من حرارة الزبل واوفق، واذا كان ابتداء القليب فى شهر يناير كما ذكرنا كان احسن لان فى ذلك الوقت يبدأ العشب بالنبات ولا اصل له فى ذلك الوقت وعمدة العمل على هذا الحرث الاول اذا خرق خرقا جيدا اسهل على العامل الثانى والثالث والرابع، وقد يحتمل الكروم اكثر من اربع سكك لوجوه سنذكرها بعد هذا ان شاء الله تعالى، وينبغى ان لا تقلب الارض قبل يناير لانه ان فعل ذلك بها وتواترت الامطار عليها فى يناير تسيلت الارض التي حرثت وترجع كما كانت واشد ويتمكن بها الماء فيذهب رطوبتها جملة واحدة لا سيما ان وافقها عند الفراغ من حرثها، فالوجه ان يبدا بحرثها من نصف يناير ومن اوله اذا كان قليل المطر الا ان يزرع فى القليب الكرسنة او الحمص او المقاثى فيبتدئ متى احب ان شاء الله اول دجنبر او فى نصفه ويكون موضع الكرسنة او الحمص او المقاثى قليلا بعد ذلك
Página 55