Pensamiento Árabe Moderno: El impacto de la Revolución Francesa en su orientación política y social
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Géneros
ف «الرأس هو الملك»، والرأس عليه «مدار الحياة»، وهو «مركز العقل يميز النافع من الضار»؛ ولذلك «نرى هذا التحفظ الكلي للرأس» إذ «تحيطه الحصون من كل ناحية.» ثم «الرئة» التي هي «الصدر الأعظم»، ووجه الشبه أن الرئة تدخل الهواء الجديد وتنقي الدم، والصدر الأعظم وظيفته أن يدخل كل شيء نافع لبلاده. ثم «القلب» وهو «وزير المالية»، القلب يوزع الدم في الجسم ووزير المالية يسهر على الإمداد بالنفقة؛ فالدم هو المال.
أما «المعدة» فهي «الخزينة».
وأما «الأعصاب» فهم «الولاة»، صلة الوصل بين الملك الذي هو الرأس وبين البلاد. ثم تأتي «الأطراف»، وهؤلاء هم «العسكرية»، و«الأطراف العليا تشبه الخيالة، والسفلى المشاة»، و«كلها تتحرك بأمر الملك.» و«كما أن الأطراف تقنع بالغذاء القليل، كذلك العسكرية التي عليها مدار شرف المملكة وحمايتها فتكتفي بغذائها فقط؛ لأن ليس لها سلطة الإدارة؛ فالقساوة على الأطراف كالقساوة على العساكر؛ لأن الأطراف لتعودها مس الأرض فيقسو جلدها ويصير قليل الإحساس، كالعسكر الذين يعتادون الشغل والتعب والحر والبرد ولا يجوز لهم الترفه لأنه يضرهم!»
ثم تأتي «الحواس» التي هي «السفراء».
أما الإفرازات التي يلفظها الجسم فكالأشخاص المفسدين والمقلقين في المملكة، وإخراج هذه الإفرازات وظيفة من وظائف «العسكرية». ويخلص الدكتور إلى النتائج الآتية: «الوظائف مختلفة في الأهمية، ولكل عضو وظيفته، ويكون مؤلفا بهيئة تجعله قادرا على إتمام هذه الوظيفة. وكلما كثرت أهمية العضو كان أكثر كمالا وتركيبا. وهذا التفضيل سنة من الخالق، وليس من العضو ذاته. وليس من الحكمة أن يتساوى الرأس والقدم؛ لأنهما لو تساويا لاختل النظام وخربت الحياة؛ إذ لا يمكن للقدم أن تقوم بواجبات الرأس، ولا لهذا أن يخلف ذاك. ولكل منهما وظيفة خصوصية يتكافأ أو يتجازى حسب ضرورتها وحاجة الحياة إليها. وهذا التمييز هو عين العدل؛ مثلا: يجب للرأس بتغذيته خمسين غراما من الدم، وللقدم يلزم عشرة غرامات؛ فيلزم أن يعطى الخمسون غراما من الدم أولا للرأس إذ بدونه لا تقوم قائمة للقدم؛ ولذا ترى أن الدم أول ما يتوزع للرأس!»
وبعد ذلك يرش الدكتور على هذا «المعجون الحميدي» شيئا من الكلام العسلي: «أساس السياسة الحق، وأساس الاجتماع المحافظة على الحقوق.»
ولسنا بحاجة إلى أن نشرح للقارئ كيف أن الدكتور يبث الفكر السياسي الحميدي «مفلسفا» ومجلببا بجلباب من المنطق والقياس؛ فهو يقرر ضرورة حصر السلطة في فرد، ويدعو كل عضو إلى الاهتمام بوظيفته، وإلى الرضا بقسطه من الدم (أي من المكافأة على عمله)؛ فيكون محصل كلامه توطيد الأوضاع الحميدية. ومما يسترعي انتباهنا بوجه خاص رأيه في وظيفة الجنود. وإذا ذكرنا أن الأوتوقراطية الحميدية تلقت ضربتها من الجيش، ظهر لنا معنى دروس الدكتور شاكر الخاصة بالعسكرية.
وغني عن البيان أن مقابلة الدكتور بين الحكومة والجسم لا تصمد للنظر. والمثل الألماني يقول: كل تشبيه أعرج. وتشبيهه هذا كسيح، لا أعرج وحسب! ولمحة تعرفنا أن الملك، للهيئة أو الجمعية، ليس كالرأس للجسم؛ فالرأس إذا قطع هلك الجسم، وقد قطعت رءوس ملوك فلم تهلك الهيئة، بل زكت عافيتها وربت صحتها.
وكان طبيعيا أن يتصدى لهذه «الفلسفة» السياسية الحميدية من يخالفها، بل إن هذه «الفلسفة»، وهي مجلى من مجالي التعبير عن شرعية الحكم المطلق، أخذت بها الأوتوقراطية العثمانية قديما. ووجدت طليعة من المعارضين أيام السلطان عبد المجيد، بل قبله أيضا. وكان عبد المجيد نفسه على جانب من الاستنارة، فعمد إلى شيء من الإصلاح في نظام الحكم، فأدخل وزيره رشيد باشا «القانون المسمى بالتنظيمات الخيرية، للمساواة بين رعايا الدولة المنسوبين إلى غير العنصر الحاكم.» ولم يلبث عبد المجيد أن أيد التنظيمات الخيرية بخط يعرف بخط الكولخانة. وسارت الدولة العثمانية خطى نحو الملكية المقيدة.
فلما ولي العرش السلطان عبد العزيز «ساقته عظمة الملك إلى حب الأثرة والاستبداد، ورأى اللذة في الانفراد بالأحكام، فلم يجسر أحد على التلفظ بكلمة واحدة في أمر الإصلاح؛ فقامت مقام التنظيمات وخط الكولخانة والقوانين الجديدة إدارة استبدادية.» و«ظن عبد العزيز الحكومة غير الأمة، وبذر أموال الدولة في غير طائل، كشراء الأسلحة وإعداد الجنود لمقابلة الشعب بقوة مكونة من أبنائه»،
Página desconocida