Pensamiento Árabe Moderno: El impacto de la Revolución Francesa en su orientación política y social
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Géneros
كيف اتصلت الثورة الفرنسية بالشرق العربي؟ وأية هي المجاري التي سلكتها؟
يعرض لنا هذا السؤال، وفيه ما فيه من أسباب الصعوبة؛ لأنه لا يزال موضوعا غير مطروق، ولأن تعيين الانتقالات الفكرية في التاريخ أمر بطبيعته يتعذر البت فيه. وقد تتيسر للانتقالات الفكرية مسالك خفية لا يدركها المؤرخون على رغم أهميتها، أو هم يدركونها ولكن إدراكا عاما غامضا يعوزه التدقيق وينقصه التفصيل.
مع ذلك فليس البحث في مجاري الثورة الفرنسية إلى الشرق العربي خلوا من كل أساس، ولا شك أن ما سنكتبه في هذا الفصل محاولة جد بدائية تقبل التحسين والتوسيع.
إن أول مجاري الثورة الفرنسية إلى الشرق العربي - ولعله أعظمها - كان الفتح النابليوني لمصر سنة 1798 أيام حكومة الإدارة. وكانت الرجعة النابليونية إذ ذاك في أوائلها، على أنها كانت بارزة الأثر. وقد أذاع نابليون منشوره الأول على المصريين فتكلم باسم التجار الفرنسيين، غير أنه صدر أيضا في كلامه عن بعض مبادئ الثورة فتحدث إلى المصريين عن تسلط المماليك واستئثارهم بأجود الأراضي.
وهذا بعض نص المنشور:
بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله ولا ولدا له ولا شريك بملكه
من طرف الجمهور الفرنساوي المبني على أساس الحرية، والساري عسكر الكبير بونابرت أمير الجيوش الفرنساوية، يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمن مديد السناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية، ويظلمون تجارها بأنواع البلص والتعدي، فحضرت الآن ساعة عقوبتهم، وحسرة من مدت عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من جبال الأبازا والكرجستان يفسدوا في الأقاليم الأحسن ما يوجد في كرة الأرض كلها. فأما رب العالمين القادر على كل شيء قد حتم في انقضاء دولتهم. يا أيها المصريون! قد يقولوا لكم أنني ما نزلت في هذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم. فذلك كذب صريح، فلا تصدقوه. وقولوا للمفتريين إنني ما قدمت إليكم إلا لكيما أخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه محمد والقرآن العظيم. وقولوا لهم أيضا «إن جميع الناس متساويين عند الله، وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم بعض فهو العقل والفضايل والعلوم فقط. وبين المماليك ما العقل والفضل والمعرفة التي تميزهم عن الآخرين وتستوجب أنهم أن يتملكون وحدهم كلما يحلو به حياة الدنيا؟ حيثما يوجد أرض مخصبة فهي مختصة للمماليك، والجواري الجمال والحلل الحسان والمساكن الأشهى فهذه كلها لهم خاصة. فإن كان الأرض المصرية التزام للماليك فليوردون الحجة التي كتبها لهم الله. ولكن رب العالمين هو رأوفا وعادل على البشر. بعونه تعالى من اليوم وصاعدا لا يستثنى أحد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية، وعن اكتساب المراتب العالية». فالعقلاء والفضلاء والعلماء بينهم سيدبروا الأمور، وبذلك يصلح حال الأمة كلها. سابقا في الديار المصرية كانت المدن العظيمة، والخلجان الواسعة، والمتجر المتكاثر، وما زال ذلك إلا لطمع وظلم المماليك
1 ...
وواضح ما في هذا الكلام من صلة متينة بمبادئ الثورة وبيان حقوق الإنسان.
2
Página desconocida