Pensamiento Árabe Moderno: El impacto de la Revolución Francesa en su orientación política y social

Raif Khuri d. 1396 AH
146

Pensamiento Árabe Moderno: El impacto de la Revolución Francesa en su orientación política y social

الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي

Géneros

وقد يتعجب بعض الناس من احتياج رعايا الدولة العثمانية إلى جلب كل شيء من الخارج، مع وجود الأراضي المنبتة الواسعة في حوزة الدولة في قطعتي آسيا وأوروبا. وطالما تذاكر العقلاء أكثر من مرة في هذه المسألة وقرروا أن السبب في ذلك هو سوء إدارة الحكومة؛ فإن الأمن مسلوب في طول البلاد وعرضها، والأراضي خالية من السكان، وقد ألقى الظلم جرانه في كل بقعة من البلاد، وإذا أراد أحد الزراع استثمار قطعة من الأرض أثقلت الحكومة ظهره بالضرائب. وقد يقول بعض الناس: إن خراب المزارع ناتج عن جهل الأمة، فنجيبه بأن أبناء البلاد يهجرونها طلبا للحرية، ويقصدون الأقطار النائية ويعملون أعمالا تدل على اجتهادهم ونشاطهم. وسيقول بعضهم: إن السلطان قد أمر بإعمار البلاد فهو بريء من كل ما يعزوه إليه أعداؤه، وإن الذنب كل الذنب على الوزراء. وهناك قسم ثالث يقول: إن الحكومة يجب عليها نشر الصنائع وتأسيس المعامل لإفادة الشعب، فنجيب هذا القسم بأن الحكومات في أوروبا لا تنشئ المعامل ولكن الشعب يؤسس الشركات وينشئ المصانع إذا تمتع بأنواع الحرية ووضع مجلس نوابه قوانين تخوله استعمال حقوقه الطبيعية واستخراج ثروة بلاده، وهذا لا يتم إلا إذا تأسست في البلاد حكومة عادلة يكون معها الإنسان آمنا على ماله وتجارته وعمله.

ولم لا يشتغل سكان البلاد العثمانية بتأسيس المعامل وتأسيس الشركات مع وجود أرباب رءوس الأموال من رعايا الحكومة المحلية؟ ولأي سبب يتأخر رعايا الدولة العلية عن صناعة الأقمشة مع وجود القطن بكثرة في بلادنا وانخفاض أجرة العمال في البلاد عن أجرة مثلهم في أوروبا؟ ولم لا يشتغلون بأعمال المصنوعات الجلدية والكاغد

1

مع وجود ما يلزم لإحضارهما في بلادنا؟ إنهم لا يتأخرون عن صنع ذلك وحده فهم لا يعملون أيضا اللبن والآجر والكبريت في هذه البلاد، ولا يصنعون الطرابيش التي فوق رءوسنا، فلم نحتاج إلى أوروبا في جلب هذه البضائع؟ لا يشكن أحد أن كل هذه الأسباب ناتجة عن عدم وجود الحرية والقوانين في بلادنا.

إن عندنا قوانين ومحاكم ومجالس وليست عندنا قوة لإجبار المجالس والمحاكم على اتباع القوانين الموضوعة؛ فالمحاكم تظلم الناس نهارا جهارا. وقد ثبت أن الشركات التي تتشكل في بلادنا لا يحميها أحد فتذهب أرباحها ورءوس أموالها. والسبب الثاني هو أن البلاد محرومة من المعارف، وليس الأهالي بأحرار ليتعلموا ما تضطرهم إليه مرافق الحياة. والسبب الثالث هو أن الدراهم لا توجد في بلادنا إلا بفوائد فاحشة فليست عندنا بنوك تسهل للإنسان الإقدام على أعمال نافعة فيستفيد ويفيد، وليست في البلاد قوانين تجبر البنوك والصيارف على الاعتدال في معاملاتهم؛ فمع كل هذه الموانع لا يتسنى لأي فرد تشويق الأهالي وحثهم على الأعمال النافعة، ومن أقدم على ذلك كان كمن يحاول تسيير سفينة بلا ريح ولا بخار.

وقول بعضهم: إن الحكومة لا تعمل الأعمال التي تعود على الأهالي بالفوائد مردود؛ لأن الحكومات تنشئ الطرق الحديدية والمرافئ وتجمع الأموال من الأهالي وتنشئ المعامل وتديرها على حساب الشعب، وهي أعمال غير نافعة للأمم كما أثبتت ذلك التجارب؛ وعليه فتكليف الحكومة بإحداث المعامل وتسليمها للأهالي مردود من كل الوجوه ولا سبيل إلى عزو ذلك إلى تقصير الوزراء وإهمال الحكومة.

والذي يجب على الحكومات إزاء الشعوب هو منحها الحرية التامة. (عن كتاب «محاكمة مدحت باشا»، تعريب يوسف كمال حتاتة)

محمد كرد علي

تحية باريز

سلام عليك مرضعة الحكمة، وربيبة الرخاء والنعمة، وروح الانقلابات الاجتماعية والسياسية ، ومحيية المدنية الأصلية في الأقطار الغربية والشرقية، ومعلمة العالم كيف يكون الخلاص من الظالمين، والضرب على أيدي الرؤساء والنبلاء والمالكين. أنت هذبت طبائع البشر حتى غدوا يشعرون باللطف والذوق وفائدة العلم والعمل. أنت كنت في مقدمة العواصم التي انبعث منها تمجيد العقل بل تأليهه، فقضيت بالتقدم له على كل شيء في الوجود، وبالغت في إكرام رجال العقول من أبنائك ...

Página desconocida