Pensamiento Árabe Moderno: El impacto de la Revolución Francesa en su orientación política y social
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Géneros
وما حب الديار يهيج وجدي
ولكن حب من سكن الديارا
وأجيب بأنه قد ينتقل الإنسان عن وطنه بمعظم أهله وأصدقائه ولا ينفك مؤثرا وطنه بالحب. وعندنا أن «ياء» الإضافة في قولي «وطني» هي السبب في حبي لوطني، كما أن «ياء» النسبة في قولنا «فرنسوي» هي السبب في حب الفرنسوي لأمته، فتأمله؛ فلله من ياءين: «ياء» نسبة و«ياء» إضافة، تدعوان إلى فضيلتين: حب الأمة وحب الوطن.
ولقائل: إنك قد جعلت مصدر حب الوطن والأمة الأنانية (حب الذات) وهي نقيصة، فكيف صح في قياسك صدور الفضيلة عن نقيضها؟ وجوابه أن الفضيلة هي الدرجة الرفيعة في الفضل، والفضل ضد النقص. أما الأنانية فهي نسبة لضمير المتكلم على غير قياس، وهي في عرفهم إيثار الإنسان نفسه بما يراه خيرا سواء جنى بذلك على غيره خيرا أم شرا، وليس في حب الوطن أو الأمة شيء من ذلك كما ترى.
أما وجه كونهما فضيلة؛ أي درجة رفيعة في الفضل، فهو لأنهما يقضيان على صاحبهما بخدمة الأرض التي يغتذي بخيراتها، والإنسانية التي جعلته في جماعة من نوعه يعينونه على استحصال حاجاته ويدفعون عنه أذى سائر الأنواع. ولعلك لا ترضى بهذا تعليلا فتقول: إن خدمة الإنسانية والأرض لا ينبغي أن تنحصر في جماعة من الإنسان أو في جهة من الأرض، وإنما يجب أن تكون عامة فيهما. والجواب أنه لما رأى الإنسان من نفسه عجزا عن القيام بجميع حاجاته الطبيعية ودفع أذى سائر الحيوان، تألف جماعة تفرقت فيها تلك الحاجات، فصار هذا زارعا، وهذا حاصدا، وذاك طاحنا، وذاك عاجنا، والآخر خابزا، وكل منهم في شأنه ساع، فلما كبرت هذه الجماعة عن أن يسعها قسم واحد من الأرض تفرقت فيها فصارت جماعات منفصل بعضها عن بعض حسبا، مع تواصلها بالنوعية. وأقبلت كل جماعة منها على العمل في الأرض التي اختارتها مقاما استحصالا لحاجاتها، وأخذ كل من أهلها يعمل فيما ارتضاه لنفسه من الصناعات ليعين بمصنوعه رفيقه مستعينا بما يصنعه ذلك الرفيق. ولو حاول الإنسان الاهتمام في جميع الأرضين بجميع المهن والمشاغل لفني عمره ولم يأت بفائدة تامة، بخلاف ما إذا اقتصر على العمل بمهنته في جماعته إذ تتيسر له أسباب الإعانة والاستعانة فتحصل الفائدة التامة في الجماعة وينتهي ذلك إلى حصولها في النوع لما بين الجماعات من علاقات الإنسانية. وهذا وجه الفضيلة في حب الأمة وحب الوطن، فليرسمن اسمهما على صفحات كل قلب، وليلهجن بذكرهما لسان كل إنسان، فإنما المرء بأصغريه: القلب واللسان. ... إن النسبة للوطن تصل بينه وبين الساكن صلة منوطة بأهداب الشرف الذاتي؛ فهو يغار عليه ويذود عنه كما يذود عن والده الذي ينتمي إليه ، وإن كان سيئ الخلق شديدا عليه؛ ولذلك قيل في هذا المقام: إن «ياء» النسبة في قولنا «مصري» و«إنكليزي» و«فرنسوي» هي من موجبات غيرة المصري على مصر والفرنسوي على فرنسا والإنكليزي على إنكلترا، فأنكر ذلك بعض الناس، وكان الأمر لا شك سوء فهم أو سوء إفهام.
وجملة القول أن في الوطن من موجبات الحب والحرص والغيرة ثلاثة تشبه أن تكون حدودا: الأول أنه السكن الذي فيه الغذاء والوقاء والأهل والولد. والثاني أنه مكان الحقوق والواجبات التي هي مدار الحياة السياسية، وهما حسيان ظاهريان. والثالث أنه موضع النسبة التي يعلو بها الإنسان ويعز أو يسفل ويذل، وهو معنوي محضا. (عن كتاب «الدرر») (5) الثورة
قد رأيتم شهداء طاعة عمياء ينحرهم خبثاء النفوس على مذابح الجور، تزلفا لطواغيت الفجور، فوقفت بربع العدل مناديا بأهل الإنسانية: يا لثارات الضعفاء!
فأجابني هاتف العصور من أغوار القبور: لقد انتجعت بورا، واتبعت غرورا؛ فإنا ملأنا من قبلك الأرض نداء وزفيرا، فلم نجد من الناس نصيرا، فعلمنا أنهم لا يسخون بالنجدة لمن ضن بنفسه وتوكل على بني جنسه، فاقتحمنا الأوجال في طلب الآمال، فلم تكن إلا جولة ولت الحرب أولادها، وصولة سلبت السيوف أغمادها، حتى سقينا غروس الأماني بالدم المهراق، فنمت باسقة الفروع، مخضرة العود، يانعة الثمار، فقلنا في ظلالها آمنين تحسبنا أمواتا وتخالنا رفاتا، ونحن في نعيم جنتها خالدون، فاقتدوا بنا إن رمتم النجاح، وانشطوا للسعي بالغدو والرواح.
فإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل؟
Página desconocida