وتعلقت بساعده، فقال لها: نعم، أنت ترتعدين، فلماذا؟
أجابت: إنني دخلت غرفة والدتي، فجاءت وصيفة لا أعرفها وقالت لي بخشونة: ماذا تفعلين؟ ومن أنت؟ فذكرت لها اسمي، فنظرت إلي مليا، ثم قالت لي بلهجة المستهزئة: أنت ابنة الكونت؟ فأرجو منك عذرا. فأنكرت عليها قولها إنني ابنة الكونت، وكدت أقول لها إنني ابنة الكونتة أيضا، لكنني استشعرت ألما، فاكتفيت بأن سرحت البصر حولي، فلاح لي أنني في غير غرفة والدتي، فصرخت وهربت إلى هنا.
فبهت المستر دراك ولم يدر ما يقول لها. فصاحت تقول: هل تغيرت أمي أيضا؟ وهل تنكرني اليوم؟ ولكنني أسمع صوتا ... فأمي آتية ... ووثبت إلى النافذة فرأت امرأة أبيها نازلة من المركبة، فقالت: ما هذه والدتي، آه يا مستر دراك! هذا أبي، وسأنتظر والدتي وأنا على صدر والدي.
وطلعت من باب البهو وإذا بالكونت دي موري مقبل عليها، فضمها إلى صدره بلهفة، وجعل يقول: بوليت! بوليت! ابنتي العزيزة! وكانت تقبله، وتكرر قولها: يا أبي.
فتنهد المستر دراك وقال: هذه رفيقتي في السفر بين ساعدي أبيها، فقد انتهت مهمتي، ويسرني انتهاؤها.
وإذا ببوليت قد تخلصت من يدي أبيها وقالت: إنني ناكرة للجميل يا أبت؛ لأنني نسيت أن أعرفك بالمسيو دراك، فهو صديق لنا، ولقينا أنا والعمة باسيليك، ومن كرم أخلاقه ما لا أستطيع وصفه، وقد صحبني وأوصلني وحدي إلى باريس. قال: وحدك؟ وكيف وقع ذلك؟ أجاب دراك: نعم أيها الكونت، أما أنا فأدعى «إيليا دراك» وكنت في الهند الإنكليزية تاجرا وقنصلا نائبا عن إيطاليا في كلكتا، أما اليوم فقد استقلت من منصبي وتركت تجارتي، وكانت شقيقتك مريضة في مرسيليا فعهدت إلي بإيصال الآنسة بوليت حتى باريس ... إلا أنها ستوضح لك ذلك كله، ولم يبق إلا أن أقول كلمة قبل ذهابي، ثم ألحق بأمتعتي إلى فندق اللوفر، واقترب إلى الكونت وهمس في أذنه يقول: حاذر يا مسيو دي موري، وتنبه جيدا كيف تنبئ ابنتك بخبر انفصالك عن أمها، فنحن، أنا والعمة باسيليك، لم نتجرأ على نقل هذا الخبر السيئ إليها، فهي لا تزال جاهلة كل ما حدث، وصحتها ما زالت ضعيفة.
فكاد يقع الكونت، واصفر وجهه وقال: وا حرباه! وهل أخبرها أنا؟
فانثنى المسيو دراك إلى الفتاة وقال لها: أودعك أيتها الآنسة، وقد سرني وشرفني تعرفي بك.
وتناول يدها وهزها بقوة، فقالت: أتمضي قبل إياب والدتي، وقبل أن أعرفك بها؟
أجاب: لا بد من ذهابي يا بنية. قالت: ولكنك تعود إلينا؟ قال: لا أدري؛ إذ لا بد من سفري إلى لندرة سريعا ... قالت: بل أريد أن تعود، وأن تعرفك والدتي، فأقسم لي على أنك تعود. فأقسم لها، واستأذن ومضى وهو يقول: نعم أقسمت لها على أن أعود ولكنني لم أقل متى ... ولا أعود حتى يسكن كل ثائر في هذا البيت، قاتلهم الله إني لست بحاجة إلى مرض القلب!
Página desconocida