فظنت أن ما معه سرقه النشالون، فقال: «لا.. بس شربت زبيب.. جنون بالطبع.. الرجال مجانين».
وارتمى على كرسى، وهو يقول: «قال زبيب.. كلام فارغ.. مسخرة وقلة حيا».
وأتخذت كآبته صورة السخط على النفس، ولا نعرف كيف كانت أحلامه فى تلك الليلة.. فإنه لم يقصها على أحد، ولكن الأرجح أنها لم تخل من «الزبيب والكلام الفارغ»!
الفصل الرابع
العقد الضائع
رجعنا من السويس على عجل - أختى وزوجها وأنا - وكنا نقضى فيها أياما، فقد تلقينا نبأ من خادمتنا القديمة الأمينة «فرحة» بأن عمدة قريتنا قادم.. وسينزل علينا ضيفا إجابة لدعوة قديمة نسيناها، فأسرعنا نحشو الحقائب حشوا بلا عناية، لنكون فى البيت قبل أن يصل. ومضى ابن عمى - زوج أختى - فجاء بالسيارة. وكنت قد هضت ساقى قبل ذلك بيوم، فلم يبق مفر من أن يسوق هو السيارة وإن كان لا يحسن ذلك.. ولم يتلق فيه إلا بضعة دروس قليلة. وكان الأحجى أن نستأجر رجلا لهذا، ولكنا كنا نحرص على ألا يكون معنا غريب يحول وجوده دون حريتنا فى الكلام والضحك واللهو أثناء الطريق وقد عزيت نفسى بأن طريق السويس سهل والحركة فيه قليلة، فلا داعى للخوف. وفى وسعه أن يخطئ كما يشاء.. فلن يضيره أو يضيرنا ذلك، وإن كان يخشى أن يضيع وقتنا.
وجلست إلى جانبه، وجلست أختى على المقعد الخلفى، وطمأنتها بأنى وأنا معه سأكون السائق الحقيقى، وأنه لن يفعل إلا ما آمره. ولكنا لسوء الحظ، ألفينا الطريق غاصا بالسيارات.. فتعجبنا أولا، ثم تذكرنا أن هذا يوم الأحد، فلا عجب إذا كان الكثيرون قد أقبلوا على السويس ليقضوا اليوم فيه.
وقطعنا بعض عشرات من الكيلومترات فى سلام - وفى ضحك أيضا - ثم بلغنا أول مرتقى فى طريقنا، فأشرت على ابن عمى بأن يضع ناقل السرعة فى المحل الثانى.. ففعل، فوقفت السيارة فى منتصف الانحدار. وكنا لا نزال فى مكاننا حين وقف المحرك للمرة العاشرة، فاقترحت عليه أن يكف عن العمل، وأن يضطجع ويشعل سيجارة. ولكنه هز رأسه وقال: «هل أرجع بها القهقرى، ثم أبدأ من جديد»؟
فقلت له: «كلا، إنى أفضل لسخافتى أن أواجه الموت».
فقالت أختى: «هل نستطيع أن ندفعها يأيدينا حتى نبلغ ذروة هذا المرتفع؟..» قلت: «كلا.. إن زنتها لا تقل عن طنين».
Página desconocida