فقالت: «ولكن هذا لا يمكن ... أعنى لا يليق يا آدم. ربما كان هذا مألوفا فى الجنة. ولعلنا لو كنا فى عصر قبل عصرنا هذا ببضعة قرون ... ولكن فى هذه الأيام التى ليس فيها جنات ... كلا يا آدم». فسألها: «ولكن لماذا تحرمين نفسك ما تحبين»؟ قالت: «قد يرانى أحد». قال: «لا أحد هنا يراك». قالت بابتسام: «ألم تفاجئنى أنت فى الحمام»؟
فلم يستطع أن يرد عليها وينقض حجتها وأطرق شيئا، ثم تناول شعره وشده وصاح: «وجدتها ... استأنفى حمامك ... وأقعد أنا وراء هذه الصخرة ... أحرسك ... وأنبهك - عند الحاجة - إذا طرأ طارئ».
ولم ينتظر أن توافق بل نهض ووثب فوق الصخرة واختفى عنها. وصاح بها من ورائها: «ما قولك»؟ قالت: «حسن. وإذا رأيت أو سمعت أحدا مقبلا فنبهنى واسمع حاذر أن تنظر».
قال: «مستحيل» بلهجة من يعتقد أن هذا غير معقول ثم أردف: «لقد رأيت بما فيه الكفاية».
واستلقت مطمئنة وراحت تفكر فى آدم القديم وآدم الحديث، وتسأل: «أتراه سينظر من بين الصخور»؟ وتهز كتفيها وتنظر إلى ثدييها وتحدث نفسها أن لا بأس ... ولا خوف ... ثم إنه ظريف، فلينظر ... ألم ير ما فيه الكفاية كما قال؟
وكان آدم - على الجانب الآخر من الصخور - قد خلع الجاكتة واتخذ منها وسادة لرأسه واستلقى على الرمل وذهب يفكر فى هذا الجمال البارع الذى كتب له فى يومه أن يراه، ويسأل نفسه: «أتراها تريد منه أن يبقى حيث هو.. أم هى ياترى تنتظر منه أن يكون جريئا وأن يحور إلى طباع أجداده.. ماذا كان جده الأعلى خليقا أن يصنع فى مثل هذه الحالة؟ أكان يطيع المرأة التى لعلها تعنى خلاف ما تقول أم كان يطيع غرائزه ورغباته»؟
وأنه ليفكر فى هذا وما إليه، وإذا بصرخة عالية.. فوثب إلى قدميه ونط فوق الصخرة وانحط عند جليلة وسألها: «ماذا جرى»؟
ولم يحتج منها إلى جواب فقد كان حسبه ذلك الفزع الذى ارتسم على وجهها، فدار بعينه ينظر فما كان يسعها أن تقول شيئا من فرط الجزع، فأبصر أفعى على نحو مترين منها.. فانقض عليها وتناولها من ذيلها وطوح بها فرماها بعيدا، ثم تناول يد الفتاة فأنهضها وهى لا تزال نصف عارية، ولكنها صاحت به: «لا تلمسنى ... أوه لقد لمست يدى ... ماذا أصنع الآن»؟
وانتزعت يدها منه، ولكنها أبقتها بعيدة عنها كأنها ملوثة، فقال: «ماذا جرى؟ هل يدك»؟
وهبط قلبه فى صدره، وابترد الدم فى عروقه وجمد، وجعل ينظر إليها وهو مفتوح الفم من الخوف الذى ساوره، فقالت: «لا تلمسنى.. أقول لك لا تلمسنى.. أنى أمقت الأفاعى».
Página desconocida