ووفقا لصحيفة الشرق الأوسط هناك «أعراف صارمة فيما يتعلق بالزواج من مصريات ومن أجنبيات أيضا في صعيد مصر على وجه التحديد»، على عكس المراكز الحضرية مثل القاهرة التي بها قدر أعلى بكثير من الانفتاح على الثقافات غير المصرية. نادرا ما يتواعد الشباب في صعيد مصر أو يقضي أحدهم وقتا مع الآخر قبل الزواج. وقديما كانت الخاطبات توفق بي الطرفين، وبعض الفتيات كن يخطبن في سن التاسعة أو العاشرة (وإن كان الزواج ممنوعا قبل سن الخامسة عشرة). وكثيرا ما يقع اختيار هؤلاء الخاطبات - بمشاركة أهل الشاب - على فتاة من عائلته، يكونون على دراية بسمعتها ووضعها الاجتماعي والمالي. وغالبا ما يتزوج أبناء العمومة ضمانا لاستمرار اسم العائلة. «إذن تشكل ظاهرة زواج الشباب بأجنبيات عجائز لا يعرف أحد عنهن شيئا تهديدا بالغا للنسيج التقليدي للمجتمع.» لأن «الزواج بين أبناء البلد الواحد هو السبيل للحفاظ على النسب والتقاليد سواء للرجال أو النساء.» كما أوضحت صحيفة الشرق الأوسط في هذا السياق. علاوة على ذلك فإن تزايد أعداد الشباب الذين يتزوجون من أجنبيات سنويا يقلل فرص الزواج وتأسيس بيت أمام الفتيات في الأقصر، خاصة وأن عددا كبيرا من الرجال يقضون بعض الوقت كل عام في الخارج مع زوجاتهم الأجنبيات. واختتم المقال بعبارة: «مع مرور الوقت سيتضح ما إذا كان الاتجاه الجديد ظاهرة مؤقتة أم خطوة جامحة بعيدا عن التقاليد ربما تغير المجتمع الأقصري إلى الأبد.»
ومع الأسف، أخفقت صحيفة الشرق الأوسط - الصحيفة السعودية التي تتحاشى توجيه النقد المباشر للنظام المصري «الشقيق» - في توضيح الأسباب وراء تضاؤل فرصة نجاح الحملات التي تشنها الحكومة بهدف تغيير عقلية الشباب المصري؛ فالفساد في المجلس المحلي لمدينة الأقصر متأصل وبلا رقابة شأنه في ذلك شأن العديد من المؤسسات الحكومية الأخرى في مصر، وتجاهله السافر لتلبية احتياجات السكان يعني تضاؤل فرصة نجاة الشباب من شرك الفقر عبر سبل أكثر مشروعية في المستقبل القريب. وهذا الوضع مدعاة للخزي الشديد في مدينة ينفق فيها أكثر من ستة ملايين زائر أجنبي سنويا مئات الملايين من الدولارات التي يمكن لنسبة صغيرة منها إذا أنفقت في أوجهها الصحيحة أن تحد من العديد من المشكلات الاجتماعية. بدلا من ذلك نجد الوضع مفجعا للغاية حتى إن سكان المدينة يشيرون في بعض الأحيان إلى المستشفى الحكومي (الذي يعاني عجزا حادا مزمنا في التمويل) باسم «مستشفى الموت». الأجنبيات إذن نعمة ونقمة في الوقت نفسه، لأنهن يخلقن نوعا من الرفاهة البديلة لجموع الفقراء الذين لا تلقي الحكومة بالا للاعتراف بالكثيرين منهم، ناهيك عن تحسين مستوى معيشتهم. أما عن الأسباب السياسية فهناك مجموعة فرعية أخفق مقال صحيفة الشرق الأوسط في ذكرها، وهم الشباب المصري الذين يحاول الهروب من التجنيد العسكري الإجباري الذي يمتد ما بين عام وثلاثة أعوام (اعتمادا على مستوى التعليم)، وفيه يتقاضى الشاب مبلغا زهيدا مقداره عشرة دولارات فقط شهريا. يعفى المصريون المتزوجون من أجنبيات من أداء الخدمة العسكرية أيضا بسبب فكرة الخوف الأبدية من «الجواسيس». والواقع أن اللوائح تحظر على أي شخص في الجيش أن يتخذ من أي أجنبي - ذكرا كان أو أنثى - صديقا على الرغم من عدم تفعيل تلك القاعدة في المنتجعات السياحية التي يغلب عليها وجود الأجانب لأنها قد تستنفد موارد جيش بأكمله لتطبيقها.
غير أن أكثر ما أزعج علاء هو تراجع مكانته الاجتماعية الشخصية نتيجة تلك التطورات. أخبرني أن الكثير من الرجال الذين يتزوجون من أجنبيات هم من صفوف الأميين أو المتكاسلين أو أصحاب الجنح (وربما تجتمع في الواحد منهم صفتان أو أكثر من هذه الصفات). وإذا كان هذا صحيحا، فهو سبة في جبين أقرانه من سكان البر الغربي، لأنه يقول إنهم جميعا تقريبا تزوجوا من أجنبيات. وأضاف أنه في غضون أيام من لقاء الشاب بالمرأة الأجنبية فإنه عادة ما يحصل على ما يساوي عشر سنوات على الأقل من راتبه الشهري الذي يساوي خمسة وستين دولارا، ليشتري قطعة أرض ويبني عليها فيلا، إضافة إلى شراء دراجة بخارية أو سيارة على أحدث طراز، وفي كثير من الأحيان أيضا يفتتح مشروعا تجاريا صغيرا. ولم يتمالك علاء نفسه من الضحك وهو يتعجب بشأن الأموال التي يجنيها الرجال عن طريق إقامة علاقات جنسية مع الأجنبيات. سألني هل أتذكر ذلك الشاب الذي يدعى محمد، والذي عمل في الفندق عندما كان هو يجلب السياح من المطار ومحطة القطار مقابل عمولة. والحقيقة أني كنت أعرفه تمام المعرفة؛ فقد تباهى أمامي مرة كيف أنه يتحين «فرصته الكبرى»، بل وتفاخر أيضا بأنه لم يكن يرتدي سروالا داخليا أسفل بنطلونه الأبيض الضيق حتى تلاحظ على الفور كل امرأة أجنبية يلتقي بها آثار فحولته الظاهرة. أخبرني علاء أنه قبل نحو شهر حالف الحظ محمدا، إذ ابتعلت امرأة إنجليزية الطعم، وتزوج منها، ولديه الآن سيارة أجرة وقطعة أرض في قرية أخرى في البر الغربي يخططان لبناء منزل عليها.
قال علاء بصوت ملؤه المرارة: «إذا عملت طوال حياتي، وادخرت كل قرش أجنيه، فلن أمتلك أبدا ما يمتلكه هو. وهذا حال البلد بأكملها: كل المحترمين في الحضيض، وكل الرعاع على القمة. عندما كنت في المدرسة كان المدرس أكثر أهل القرية احتراما. عندما كان يسير في الشارع، كان الطلبة يتنحون جانبا ليفسحوا الطريق أمامه. والآن ينظرون إليك نظرة شفقة إن كنت مدرسا، ويسخرون من أنك غير مؤهل للزواج من أجنبية، إما لأنك دميم الخلقة أو صاحب أفكار رجعية.»
عندما سمعت هذا التعليق الأخير خطر ببالي أن كثيرا من إحباط علاء يعود في واقع الأمر إلى الغيرة وليس الغضب؛ فشخص مثله ليس على قدر كبير من وسامة الخلقة كان دوما موضع تجاهل الأجنبيات اللاتي ربما تساوى انجذابه إليهن مع نفوره منهن. تأكد شكي هذا عندما التقيت به في المرة التالية بعد بضعة أشهر من زيارتي الأولى لمنزله. كنت قد أخبرته في مكالمة هاتفية أني سآتي من القاهرة إلى الأقصر، وأني سأبقى بها بضعة أيام فحسب قبل الذهاب إلى أسوان. كانت زوجة علاء قد أعدت لنا وجبة شهية، لكن بدا التوتر عليه منذ البداية. اكتشفت أنه كان يعد نفسه ليطلب مني أن «أعيره» خمسة آلاف دولار ليفتتح مشروعا صغيرا على الطريق الرئيسي خارج القرية. ثم أخبرني أني لو أعطيته عشرين ألفا أخرى فسيكمل بناء الطابق الثاني من منزله، ويسمح لي بالنزول فيه بلا مقابل كلما مررت بهم. كان يتحدث عن هذه المبالغ كأنها لا تساوي شيئا في نظر أجنبي مثلي. أخبرته أني «سأفكر في الأمر»، وأعود إليه بعد بضعة أسابيع. وفي اليوم التالي، غيرت رقم هاتفي المحمول، ولم أتحدث إليه ثانية.
إذا كان على استعداد لاستغلال صديق له هكذا، فكيف سيعامل أجنبية عجوزا إذا تزوجها؟ •••
من هؤلاء الأجنبيات العجائز؟
بوجه عام (ولا مفر من التعميم في ظل غياب الدراسات الأنثروبولوجية الدقيقة)، كثيرات من هؤلاء اللاتي التقيت بهن أثناء مرات إقامتي في الأقصر، وكثير من الحكايات التي سمعتها عنهن من مصريين آخرين بعد حديثي مع علاء تشير إلى أن معظمهن مطلقات إنجليزيات في الخمسينات أو الستينات من أعمارهن يتمتعن بقدر من الجمال، وحاصلات على التعليم الأساسي فقط. وفي حين أنهن موسرات وفق المعايير المحلية، فهن يعشن على أدنى حد من المدخرات (على سبيل المثال، أرباح مبلغ بعن به شقة في إنجلترا) ومعاش حكومي إذا كانت أعمارهن (كما هو الحال دائما) تسمح لهن بالحصول على المعاش. وقد تقبلت النساء اللاتي صدمني رضاهن الكامل منذ البداية فكرة أنه لا مكان للحب مع رجال المدينة، وأن العلاقة في جوهرها نوع من البغاء يرتدي ثوب الشرف. فهن يبسطن سيطرتهن - إذا جاز التعبير - ويحصلن على أعلى قدر من المتعة الجنسية مع شباب وسام الخلقة لن يعيروهن اهتماما (بل لن يبالون بهن مطلقا) عند الذهاب إلى إنجلترا.
تحدثت مع امرأة إنجليزية - تمتلك مشروعا تجاريا في البر الغربي - من هؤلاء، وعرفت أنها ما زالت مندهشة من كونها محط الأنظار هكذا بعد مضي ثلاث سنوات على إقامتها في الأقصر.
ظلت تكرر وهي تدير عينيها في ضجر وتطقطق بفمها على نحو مبتذل: «زوجي أصغر مني بكثير.»
Página desconocida