En la casa de la revelación
في منزل الوحي
Géneros
لجأ إلى هذا الغار، وأن الله - تعالى - يقول فيه:
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ، وحسبهم ما جاء في كتب السيرة من معجزة العنكبوت والشجرة والحمامتين، وما عسى أن يجدي هذا البحث الذي دفع بي إليه صاحبهم؟ وأية فائدة للتاريخ أن يكون اللاجئان قد نزلا من الغار بعد يوم أو يومين من خروج القرشيين للبحث عنهما؟ هذه محاورات لا تقدم ولا تؤخر، وقد تؤدي ببعض أدعياء العلم إلى التجديف باسم التنقيب والبحث تجديفا مصدره الهوى ومبعثه الخيال السقيم.
وكأنما أراد أحد أصحابنا أن يظهر برمه بهذا الحديث، فالتفت إلى أحد الإخوان مما معنا وطلب إليه أن يسير معه إلى الغار ليدخله فيصلي ركعتين فيه، وتركنا وذهب لأداء هذه السنة المستحبة، فقد شعرت، حين أديتها، وأنا بالغار، بفيض من الرضا يغمرني طمأنينة مني إلى أنني أصلي حيث صلى رسول الله، وشعرت وشعر من وجه الحديث إلي بما في عمل صاحبنا من معنى الاحتجاج على حوارنا، فأمسكت عن القول خشية أن يكون هذا الذي احتج معبرا عن رأي أصحابنا الآخرين وإن لم يظهروا من البرم ما أظهر إكراما لي، أما من وجه الحديث إلي فلم يعبأ بشيء من هذا، ولعله لم يفهم منه ما فهمت، فقد وجه إلي الحديث كرة أخرى ينبئني أن غارا غير هذا الغار الذي زرته ويزوره الناس يقع على مقربة منا بين القمة والغار المأثور ويسألني: لم لا يكون هذا الغار هو الذي أوى الرسول إليه؟
كان جوابي عن سؤاله أن قمت إلى هذا الغار الآخر مع شاب كان معنا والتمست إليه مدخلا، وناداني الشاب من داخله، ولم أعرف كيف سلك إليه سبيله، ثم رأيته تمتد يده من فرجة ضيقة لا سبيل إلى الانزلاق منها، فذكر لي أن بالجانب الآخر منه فرجة أكثر سعة وأيسر سربا، واستلقيت على ظهري ودليت ساقي وانزلقت شيئا فشيئا حتى احتواني هذا الوكر الضيق الموحش، وخرج الشاب وتركني أمتحن الرمل الذي يعلو قاع هذا الغار وأدور بنظري فيه وما أكاد أستوي إلى جلسة أستريح إليها كما فعلت في الغار الأول، ولم يكن خروجي من هذا الغار دون دخولي إليه عسرا ومشقة.
وألفيت صاحبنا الذي دلف إلى الغار المأثور فصلى به جالسا فوق القمة في ظل الصخرة مع سائر الرفاق، وبادرته بالتحية أن يتقبل الله منه صلاته حيث صلى الرسول
صلى الله عليه وسلم ، فرجا أن يتقبل الله منه ومني، وسألني الذي يجاورني عما رأيت في الغار الآخر، وهل يسيغ العقل أن يكون هو الغار الذي أوى إليه الرسول دون الغار الأول؟ ولم يكد يتم كلامه حتى رأيت الذي صلى بالغار المأثور قد امتقع لونه وظلل الغضب وجهه وانطلق في حدة يقول: ما هذا الكلام الذي لم يسمع به ولم يجرؤ على قوله من قبل أحد؟! إن الأجيال المتعاقبة منذ عهد الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - لتحدثنا بأن هذا الغار الأول هو المأثور عنه
صلى الله عليه وسلم
أنه لجأ إليه، وأنه هو الذي نزل فيه القرآن، فما هذا التشكيك فيه يا شيخ؟! أوقرأت في كتب السيرة أو في كتب الحديث ما يجعل لقولك شبهة من الحق حتى تفكر فيه؟! وخشيت مغبة هذه الحدة أن يضاعفها الجواب عليها فقلت: فضلا عن أن الغار الأول هو المأثور فكل الدلائل تنهض حجة على صحة الأثر، وتدل على أن الغار الآخر لا يمكن أن يكون ملجأ للاجئ سويعات من زمان، فهو على ضيقه وانخفاض سقفه أدنى إلى القمة وأيسر لذلك أن يكتشف، وما دام الغاران متقاربين، والالتجاء إلى المأثور والمقام به ثلاثة أيام أدنى إلى العقل، فلا موضع لشبهة يثيرها إنسان بحجة الدقة والتمحيص، أو بأية حجة أخرى.
تخطت الشمس للزوال وآن أن ننحدر إلى مكة ... ولم نكن قد جئنا بطعام يقيمنا طول يومنا، وقد أوفى الماء والزاد الذي معنا على النفاد، لكن مجلسنا إلى ظل الصخرة فوق القمة لذيذ حقا، والنظر منه إلى مكة وما وراءها من فسحة البادية بالغ من الجمال ما تود العين منه كل مزيد، أوليس من الخير أن نبقى إلى المغيب؟ إننا إذن لنتقي شدة القيظ وما ترهقنا من ضيق حين انحدارنا، ثم إننا إذن لنستمتع من هذا المنظر الساحر بما يزيده ساعة الشفق سحرا.
أفضيت إلى أصحابي بهذا الذي رأيته، وود غير واحد منهم لو نقيم إلى ما بعد المغيب، وذكرنا يوم حراء وهبوطنا منه إقبال الليل وجمال الشفق على هذه الجبال الكثيرة المتتابعة حول جبل النور، والجبال التي تحيط بثور أكثر من تلك عددا وأعظم ارتفاعا.
Página desconocida