كلمة المؤلف
شرفني اتحاد أساتذة الرسم بدعوتي لإلقاء حديث عن الفنون الإسلامية على حضرات أعضائه ومن يلبي دعوتهم من المهتمين بالفنون والآثار، ثم تفضل الأستاذ الجليل زاهر بك، رئيس الاتحاد، فعرض علي أن يقوم الاتحاد بطبع هذا الحديث. وإني أحرص - في الوقت الذي أجيب فيه هذا الطلب - على أن أبين أن الوقت الذي خصص لهذا الحديث وثقافة الفنانين الذين أعد لهم، كل ذلك جعلني أنحو فيه نحوا خاصا، فاخترت بعض مسائل الفنون الإسلامية وميزاتها، وتكلمت عنها بشيء من الإفاضة، بينما لم أعرض لكثير من المسائل الأخرى، فأستميح القراء عذرا، وأرجو أن تكون قراءة هذا الحديث دافعا لهم على قراءة الكتب المطولة في الفنون والآثار الإسلامية، وعلى زيارة دار الآثار العربية، ودراسة ما فيها من المعروضات النفيسة.
ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أتقدم بوافر الشكر إلى صاحب العزة أحمد شفيق زاهر بك، رئيس الاتحاد، وإلى حضرات الأعضاء الأفاضل؛ لحسن ثقتهم بي، وللجهود التي يبذلونها في نشر الثقافة الفنية.
زكي حسن
دار الآثار العربية في 14 /4 /1938
الفصل الأول
الحضارة الإسلامية
ظل الناس حينا من الدهر يطلقون اسم «الحضارة العربية» على المدنية التي ازدهرت في ربوع الأمم الإسلامية، ولكن كثيرين من العلماء يبالغون بعض الشيء فيرون أن هذه الحضارة لا تصح نسبتها إلى العرب؛ لأنها لم تقم على أكتافهم، فهي تمثل عصبة الأمم الإسلامية كلها، وقد كان من بين هذه الأمم عرب وفرس وترك وبربر وهنود وصقالبة، فجمعهم العرب وطبعوهم بطابع الدين الإسلامي الجديد، وفرضوا عليهم حروفهم الأبجدية، بل نجحوا في أن يفرضوا على أغلبهم اللغة العربية نفسها، حتى قامت هذه اللغة بين الأمم الإسلامية مقام اللغة اللاتينية بين الأمم المسيحية في العصور الوسطى.
1
ويقول هؤلاء العلماء تأييدا لرأيهم هذا إن المشاهد في تاريخ الأمم الإسلامية أن أكثر رجال العلم والأدب والفن كانوا من الفرس
Página desconocida