En tiempos de ocio
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Géneros
لكن القسم الأكبر من هذه الفصول غير مستوفى بحثه؛ لذلك يغلب على ظني أن المؤلف اعتبر جزأه الأول مقدمة لتاريخ الأدب، وظن أن وقوف القارئ على كل هذه المعلومات ضروري ليتمكن من حسن تفهم أدب العرب. ومع بعد هذه الفكرة عن الحقيقة فقد كان ممكنا اغتفارها لصاحبها، لو أنه عرف أن يلبس ما كتب صفة المقدمة؛ حتى لا يضل القارئ ويبلغ به الملال أن يعدل عن قراءة الكتاب. لكن والحال هي هذه فإنا لا نستطيع دون الحكم على الكاتب بأنه سار على طريقة فاسدة، وعلى الكتاب بأنه لم يصل إلى شيء مما أراده منه صاحبه.
أهم الصفات لزوما في مقدمة كتاب من الكتب أن تدل على روح الكاتب، وكيفية تقديره للأشياء التي يريد أن يكتب عنها. وليس من ذلك شيء في كل ما كتبه الرافعي. فإنه كما سبق القول ليس صاحب أسلوب؛ حتى تتتابع فيه الفكرة فيتسنى للقارئ أن يخرج منه بنظرة عامة، ولكنه مجرد جمع لقواعد وأسماء وحوادث لا تظهر الصلة بينها. وإذا نحن بالغنا في التساهل واعتبرنا الجزء الأول مقدمة، فإنه لا يفي بهذا الغرض؛ لأنه لا يقوم بذاته ولا يؤدي فكرة مما أراد المؤلف.
والغريب أن روح النقد ضعيفة للغاية في كل الكتاب. وسبب ذلك فيما أعتقد أن أبا السامي اعتبر نفسه عربيا مكلفا بإقامة تمثال للعرب، لا مؤرخا يأخذ الوقائع ويزنها ويرتبها ليصل من ذلك لوضع تاريخ مفيد. فكلما جاء ذكرهم رأيته أرسل قلمه بالمديح من غير حساب، حتى ليخيل للإنسان أن عرب أبي السامي جماعة من الملائكة هبطوا إلى الأرض، ولبسوا أجساما إنسانية، ثم أقاموا بين الناس ليكونوا مثال الكمال البشري ... قال الرافعي (ص35): العرب «هم جيل تدلت عليه الشمس منذ القدم في هذه الجزيرة التي كأنها قطعة اختزلت من السماء مع الإنسان الأول، فلا يزال أهلها أبعد الناس منزعا في الحرية الطبيعية، وأشدهم منافسة في مغالبة الهمم، كأنما ذلك فيهم ميراث الطبيعة الأولى، فهم منه ينبتون وعليه يموتون. سكان الفيافي وتربية العراء ينبسطون مع الشمس، ويعيشون مع الظل، ويطيرون في مهب الهواء. بل أولاد السماء ما شئت من أنوف حمية. وقلوب أبية. وطباع سيالة (؟) وأذهان حداد ونفوس منكرة. وقد أصبحت بقاياهم الضاربة في بوادي العربية (أي بلاد العرب) ومصر وسورية لهذا العهد موضع العجب لأهل البحث من علماء الطبائع (من هم؟) حتى أجمعوا على أنه لا بد لهذا الجنس في جميع السلائل البشرية، من حيث الصفات التي تتباين فيها أجناس البشر خلقا، وحتى صرح بعضهم بأن هذه السلالة تستمر على سائر الأجيال بالنظر إلى هيئة القحف وسعة الدماغ وكثرة تلافيفه (؟) وبناء الأعصاب وشكل الألياف العضلية والنسيج، وقوام القلب ونظام نبضاته، فضلا عما هي عليه من ملاحة السحنة، وتناسب الأعضاء، وحسن التقاطيع، ووضوح الملامح، وفضلا عما في طباعها من الكرم والأنفة والأريحية وعزة النفس والشجاعة ... لا جرم كانوا أهل هذه اللغة المعجزة.»
يخيل للإنسان حين يقرأ هذا أن كاتبه أعرابي جاء من الصحراء يستجدي أحد أمراء العرب لا مؤرخ ينظر للناس والحوادث بعين الناقد الدقيق. ولكن لا غرابة؛ فإن الرافعي مولع بقول الشعر، ومرجعه في كل معلوماته كتب العرب وأسفارهم. فلا شك في أنه يأخذ عنهم من أخلاقهم مدح الآخرين، والتغني بأخبارهم والذهاب في الفخر إلى غايات تظهر سمجة لمن لا يفهم طباعهم.
على أن ذلك ليس من شأنه أن يبعث للنفس ثقة بما كتبه الرافعي. فمدار الثقة أن لا يترك المؤرخ نفسه لشهواته وأهوائه يرسل القول على عواهنه، ولكن أن يتقدم للقارئ دائما بالبرهان، بين يديه أدلته معتمدا عليها مظهرا أن كل حركة من حركات نفسه يظهرها قلمه، إنما دعا إليها أمر معين يستدعيها. هنالك يجد القارئ نفسه مدفوعا ليعتقد صحة ما يقرأ ويؤمن به.
على أن كتاب الرافعي وإن خلا من حسن الطريقة وطلاوة التعبير، وخرج عن الموضوع الذي كتب له فإن فيه مجموعا من المعلومات والأخبار والحوادث، وبعض آراء طيبة تستحق أن يقرأها من يريد أن يقف على بعض مسائل خاصة عن لغة العرب، والاختلاف اللغوي بين القبائل، وأصل الحديث وروايته، واتخاذ الرواية طريقا لتدوين الشعر، إلى غير هذا من المعلومات التي لا تعدم من يحب الاطلاع عليها. أما من يريد أن يقف على تاريخ أدب العرب، فلا يتعب نفسه ولا يضع وقته بالبحث في الجزء الذي ظهر من كتاب أبي السامي. ولنا شديد الأمل أن تكون الأجزاء التي ستظهر أشد مساسا بالموضوع الذي يكتبها صاحبها من أجله وأحسن عبارة وأدق وضعا.
جرجي زيدان
تاريخ آداب اللغة العربية
تفضل حضرة الكاتب المؤرخ جرجي أفندي زيدان، فبعث إلي بكتابه «تاريخ آداب اللغة العربية» على غير سابق معرفة بيننا. وتفضل فأرسل لي كلمة يسرني جدا أن تكون أول تخاطب بيني وبينه؛ لذلك لم يسعني حين وصلني الكتاب إلا أن أتفرغ لقراءته بإمعان. فلما فرغت منه حسبت من الواجب علي أن أكتب عن الأثر الذي تركته قراءته في نفسي اعترافا بفضل صاحبه، وتبيينا للقراء عن مبلغ تقديري لقيمة ما يحويه.
جرجي أفندي زيدان من أكبر كتاب التاريخ في مصر. بل لا أبالغ إذا قلت: إنه هو الرجل الوحيد المتفرغ في الوقت الحاضر لكتابة التاريخ. وتحت يدي قائمة كتبه تحوي من الكتب والروايات التاريخية أكثر من خمسة وعشرين كتابا تقع في أكثر من ثلاثين جزءا. هذا غير كتبه في الموضوعات الأخرى. وإذن فقبل أن يفتح الإنسان كتابه هو واثق من أنه سيقرأ كتابة مؤرخ درس التاريخ وعرف ما هو.
Página desconocida