En tiempos de ocio
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Géneros
كلنا نعرف الدكتور ولسن، وكلنا نذكر الساعات التي حدقنا فيها بمبادئه الأربعة عشر ذاهلين مأخوذين، وكلنا لم ننس ما بني على هذه المبادئ من كبار الأماني، التي لا تزال تهز العالم إلى اليوم هزا، وهل هذا الصراع العنيف القائم بين الشرق والغرب، وبين الاستعمار وتقرير المصير، وبين الاستعباد والحرية، وبين الظلام والنور؛ هل هذا الصراع العنيف الذي بدأ من يوم وضعت الحرب الكبرى أوزارها، والذي سيستمر قائما إلى أن ينتصر النور وأن يعلو الحق - إلا أثرا من هذه المبادئ الكبرى التي يحسبها بعضهم اليوم أحلام واهم، وما هي بأحلام واهم، وإنما هي القوة التي تكونت على القرون شيئا فشيئا، واشتركت في تكوينها الآلام والآمال العامة، والنزعات والأوهام الفردية، وتفكير المفكرين وشعر الشعراء، وكل ما في النفس الإنسانية من قوة وحس وشهوة، ثم اختار القدر هذا الرئيس ولسن ليكون ترجمانها والمعبر عنها.
لم تكن مبادئ ولسن أحلام واهم؛ فقد قالها ثم سرعان ما آمن الناس بها؛ ذلك بأنها كانت جوابا لما يتردد في نفوسهم من نزعات وفكر وآمال وأمان مضطربة، آمنوا بها ثم لم ينفذوها ثم أنكروها ثم قالوا: إنما تلك أحلام واهم. وكذلك كانت من قبل كل فكرة، تبدأ تأخذ بالنظر، ثم ينكرها الناس ويقفون في وجهها، ثم يغلون في الاندفاع وراءها، ثم هم يقدرونها حق قدرها وينظمون حياتهم على هذا القدر الصحيح.
فإذا كان ولسن قد مات فإن فكرته باقية وهي لا شك ستنتصر، وسيكون انتصارها فوزا كبيرا للحق وللخير وللسعادة. •••
ولد توماس وودرو ولسن في 28 ديسمبر سنة 1856، وكان جده جيمس ولسن من أهل الصتر بإرلندة، وقد هاجر إلى أمريكا سنة 1807، وفي السنة التي بعدها تزوج من فتاة إرلندية مثله، واحترف الصحافة ومات محترما بين أهل بلده الذين كانوا يدعونه القاضي ولسن. وقد أخلف عدة أولاد تزوج أصغرهم واسمه يوسف رابل ولسن من فتاة أيقوسية الأصل تدعى جانت وودرو، ومن هذا الزواج ولد توماس الذي ورث اسم أبويه، فصار توماس وودرو ولسن.
وقد ورث توماس من أبويه ما يمتاز به الإرلنديون من الظرف والإيقوسيون من البلاغة وجمال الخطاب. وكان ميله للتحرير واضحا من أول نشأته، فاشترك وهو في الحادية والعشرين من سنه مع جماعة من أصحابه الطلبة بجامعة برنستن في إصدار مجلة انفرد هو بإدارتها بعد عام من صدورها، وفي هذه المجلة ظهر ميله للتحرير السياسي.
وقد تأثرت حياته منذ نعومة أظفاره بما مرت به بلاده من المحن السياسية؛ فقد ظلت حرب الانفصال بين جنوب أمريكا وشمالها قائمة من سنة 1861 إلى سنة 1865، وانتهت بانتصار الشمال وببقاء الوحدة الأمريكية بفضل ما أبداه إبراهام لنكن رئيس الولايات المتحدة من حزم ونفاذ بصيرة. وكان توماس متأثرا بهذه الأحداث في طفولته، فلما آن له أن يقرأ وأن يفكر اتجهت قراءته للناحية السياسية كما رأيت، وظل بعد إذ أصدر مجلته يتابع أبحاثه ثلاث سنوات وضع بعدها كتابا عنوانه (الحكومة - مبادئ السياسة التاريخية والعملية)، وقد جاء في هذا الكتاب فكرة من أفكار ولسن السياسية عن الحكومة، كانت هي الفكرة الأساسية التي سار عليها، والتي ظهرت من بعد ذلك في مبادئه العامة التي أراد - كما قال في غير خطبة من خطبه - أن يلقي بها من فوق رأس الحكومات مباشرة إلى الشعوب.
وهذه الفكرة الأساسية التي ظهرت في كتاب ولسن عن الحكومة هي:
ليس حتما أن تقوم الحكومة على القوة القاهرة، بل يجب أن تقوم على أساس آخر. ولقد أصبحت الاستبدادات الحزبية بادرة غير مطمئنة، وصارت الشعوب على غير ما كانت عليه من الانحلال أيام الاقطاعات، ومن الانحناء أيام الملكيات القديمة، فهي الآن مجاميع بلغت في قوة الإقرار وقوة الاعتراض مبلغا عظيما. وقوة الأغلبيات هي من مستحدثات الجمعيات الحديثة، وفن الرجل السياسي يجب أن يتجه اليوم لإيقاظ هذه القوة الجديدة ودفعها وقيادتها.
وفي أثناء أبحاثه احترف المحاماة فلم ينجح فيها؛ لأنه كان في شغل بالقضايا العامة عن القضايا الخاصة، فلما صادف كتابه عن الحكومة النجاح دعته جامعة «برنستن» التي تخرج منها ليدرس بها، فدرس التشريع والسياسة من سنة 1890 إلى سنة 1910، وكان رئيسا لهذه الجامعة من سنة 1902 إلى أن تركها حين انتخب حاكما لولاية نيوجرسي من سنة 1911 إلى سنة 1913.
علت مكانته وهو في جامعة برنستن، وعرفت له أفكار خاصة عن حكومة الولايات المتحدة، فطمح إلى رياسة الجمهورية، ولما يترك رياسة الجامعة؛ فقد ألقى سنة 1907 عدة محاضرات عن (الحكومة النيابية في أمريكا)، نشرها سنة 1908 قبيل انتخابات رياسة الجمهورية التي نجح فيها المستر تافت. وقد أوضح في هذه المحاضرات أفكاره التي أذاعها من قبل في كتاب نشره أيام شبابه عن حكومة بلاده، وكانت أظهر فكرة له في هذه المحاضرات أن الدساتير السياسية ليست نظما أبدية حتى يمكن تعريفها وتحديدها على طريقة رياضية، بل هي كائنات حية قابلة للتطور. والدساتير في رأيه هي ما يريد الساسة أن تكون. وكان نشر محاضراته دافعا لازدياد اهتمام الناس به، ولكنه لم يظهر ما يجول بخاطره من ميل للدخول في ميدان الانتخابات لرياسة الجمهورية، وإن كان قد قدر استطاعته الفوز فيها لما كان عليه المستر تافت من ضعف السلطان، والمستر روزفلت من عدم المهارة السياسية على قوة سلطانه، والمستر بريان من سوء الحظ لسابق فشله مرتين في الانتخابات. فلما كانت سنة 1910، وكان قد اختلف مع مجلس إدارة جامعة برنستن، وكانت انتخابات الرياسة لا تقع إلا في سنة 1912، عرض نفسه سنة 1910 لانتخابات ولاية نيوجرسي وكانت خالية، فنجح وأبدى خلال حكمه لهذه الولاية ما اشتهر معه بالحزم والمقدرة على الإصلاح. وفي سنة 1912 تقدم لانتخابات رياسة الجمهورية وكتب له الفوز فيها وتسلمها في سنة 1913، وتجدد انتخابه للمرة الثانية في سنة 1916، وظل في رياسته إلى سنة 1921.
Página desconocida