En la literatura y la vida
في الأدب والحياة
Géneros
ليس من غرض أن أستطرد هنا إلى الكلام في «داروين»، وهل أمكنه أن يؤلف جميع حلقات التطور الحيوي في عقد تنظيم من الفكرات المسلسلة، أو أنه عزي إلى نظرية الانتخاب الطبيعي من التأثير أكثر مما لها في حقيقة الأمر؟
إن هذه الأشياء من شأنها أن تظل زمنا آخر مثارا للمناقشة والخلاف. أما الذي أجمع عليه الناس، فهو أن «داروين» إذ استجمع كل حقائق العلم والبحوث التي تقدمته واستوعبها وأنعم النظر فيها، مؤيدا بعضها نابذا البعض الآخر، وأنه إذ أثبت صحة الكثير منها بملاحظات علمية دقيقة، وأضاف إليها نتائج بحوثه في تولد الحيوانات الأليفة؛ قد وقع إلى رفع «علم الأحياء» في جملته وفي متجهه إلى ذلك المستوى الرفيع، وأضفى على الحياة ثوبا جديدا مثيرا للعجب، باعثا على الإجلال والإكبار.
نعم، كان ذلك بعض ما أضفى «داروين» على طبيعة الحياة، غير أننا لا نبالغ إذا قلنا إن عالم الأحياء قبل «داروين» لم تكن له صفة الرتابة في أذهان الناس. كان علم الحياة أشتاتا وأباديد، فعمد «داروين» إلى هذه الأشتات ورتبها وصنفها تصنيفا متمشيا مع واقع الأمر من تطور الحياة، على مدى العصور، فأظهر أن للعالم موكبا نظيما سار فيه ، مماثلا لموكب الحياة أبان عنه علماء الطبيعة وصوروه أحسن تصوير، منذ أن كانت المادة سديما لا شكل له ولا صورة، حتى صار إلى النظام الكوني الذي نراه الآن.
ومنذ أن وصل الفكر الإنساني إلى هذه الغاية، انساقت بحوث العلم الطبيعي جميعا نحو إظهار ما في هذه الحياة من آيات، هي أجزاء متناسقة من موكب رتيب، هو موكب الحياة.
مخلب النمر
كتب بانديت «نهرو» سيرته الشخصية، ونشرت في الإنجليزية بعنوان «نهرو». والسيرة من مفتتحها حتى مختتمها، صفحة رائعة من الكفاح والجهاد، ومن العقيدة والإيمان. قرأت هذه السيرة، فوقعت في صفحة 419 على العبارات الآتية: «إني مدين لإنجلترا بالكثير من تكويني العقلي، حتى ليتعذر علي أن أعتزلها اعتزالا كليا. ومهما يكن من أمري، ومن سلوكي، فإني لا أستطيع أن أتحرر تماما من الصبغة العقلية، والمثل والأساليب التي تلقيتها في المدرسة وفي الجامعة ببريطانيا، تلك الأشياء التي أطل من نافذتها على الشعوب الأخرى، بل وعلى الحياة في جملتها.» «إن كل ميولي الأخرى، ما عدا نزعتي السياسية، تجري مع إنجلترا ومع الشعب الإنجليزي، وإني إن أصبحت كما يقال خصما لا يلين للحكم البريطاني في الهند، فإنما كان ذلك برغمي وفوق إرادتي.» «إنما ذلك الحكم، وإنما ذلك الإذلال، هو الذي نعاديه ونخاصمه، ولا نسالمه طائعين، لا الشعب الإنجليزي. فلنمكن إذن من روابطنا بهذا الشعب وبكل الأمم الأجنبية الأخرى. إننا نريد جوا منعشا في الهند، نريد أفكارا جديدة وضربا من التعاون سديد الاتجاه، بعد أن تقدم بنا العمر واكتهلنا.» «ولكن الإنجليز إذا أرادوا أن يمثلوا معنا دور النمر، فلن يتوقعوا منا صداقة أو تعاونا. إننا لا نكن لنمر الاستعمار إلا أشق صور المقاومة، وأعنت ضروب الخصام، وعلى أمتنا أن تعالج ذلك الحيوان المفترس، فإنه من المستطاع أن تؤلف نمر الغابة، وأن تكسر من حدة استشرائه وافتراسيته وهي فطرية فيه، ولكن ليس هنالك أي احتمال لأن تؤلف الاستعمار بما فيه من الجشع الرأسمالي وحب التسلط، إذا ما تحالفا على إخضاع أرض بائسة تعيسة تنكب بهما.» «لا جرم أنه من الخطأ أن يقول إنسان إنه أو أمته، لن يلين ولن يتفاهم، ذلك بأن الحياة بطبعها تدعونا جميعا إلى التفاهم. إن الصلابة المطلقة نزعة خاطئة في أية أمة ظهرت، وفي أي مكان تكون، ولكن إلى جانب هذا، يقوم كثير من الحق الثابت في ضرورة انتهاج خطة التصلب القاسية، إذا ما قام نظام من الحكم فاسد، أو نشأت ظروف أو حالات تصبح معها النزعة إلى التفاهم أشق من أن يتحملها الطبع البشري.» «إن التسلط الإنجليزي وحرية الهند ضدان لا يجتمعان، ولن يستطيع القانون، ولن تتهيأ الظروف لوجه ما من التعاون بين الهند وإنجلترا، إلا بمحو كل ضروب التسلط الاستعماري في الهند.»
هذا ما يقول «نهرو». ونحن المصريين أمة مجيدة، غلبنا الإنجليز على أمرنا في غفلة من الزمن، مستغلين فساد أمرائنا في عصر الاحتلال الوبيء، فإذا قمنا بثورة وطنية خالصة لمصر، فذلك بأننا نشعر بأن وظيفة طبيعية من وظائفنا الحيوية يعطلها ذلك الاحتلال الاستعماري، بل ذلك السرطان الإنجليزي، ولن يكون لنا من استقلال حقيقي قبل أن نتغلب على ذلك الداء، ولا دواء لنا إلا تحقيق حرياتنا القومية.
إن العملاق الجبار الذي ظل نائما القرون تلو القرون، يشهد الدنيا تقوم من حوله وتقعد، قد أخذ يتحرك ليشارك الدنيا قياما وقعودا، أخذ ينشد حقه الفطري في أن يقوم بوظيفته الطبيعية في المجتمع الإنساني.
إن أبا الهول بدأ يتكلم.
ولكن باللغة التي يفهمها المعتدون الظالمون القساة، أخذ يسقيهم بنفس الكأس التي سقوا بها الأمم والشعوب.
Página desconocida