Faisal I: Viajes e Historia
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Géneros
فهل يستغرب أن يكون لفيصل تلك الشخصية الساحرة ، التي قل - ممن عرفوه - من لم يعترف بها ؟ أجل، إنه لقليل في الناس من لا تستولي عليهم مثل السجايا التي زانت فيصلا وتجلت في ملامحه ومجالسه، ومن هذا القليل المندوب السامي السر برسي كوكس؛ ذلك الإنكليزي القح فيما بدا من نفسه، وفيما صفا من خلقه. لقد كان يحترم فيصلا ويجله، ولكنه كان يوصد باب قلبه ونوافذه كلها، في مجالس الملك وفي أحاديثه، فلا يدع لسحره نخروبا يدخل منه.
وقد ظل النزاع بينه وبين فيصل نزاعا سياسيا صرفا، فترك السحر والانفعالات الروحية للمس بل، تنعش بها النفس في ساعات قيظها، وترصع بها الرسائل إلى أمها، وكان السر برسي يقيم بينه وبين المس بل في الساعات الحرجة جدارا من المنطق الصافي الصلب الصقيل كالرخام، فلا يدعها تتغلب عليه بما سرى إلى قلبها دون العقل، أو بما تغلغل في القلب وما فيه من آثار العقل غير الخيال؛ فالنزاع إذن هو سياسي، ولكنه في أسبابه الشخصية يشمل الطباع والتقاليد النفسية والقومية.
وبكلمة أخرى، إن النزاع في المعاهدة بين فيصل والسر برسي كوكس هو نزاع بين روح عاقلة، وبين عقل لا روح له.
محاولات ومراوغات
إذا ما جنح المؤرخ غدا إلى درس أحوالنا السياسية الحاضرة، يكتشف الحقيقة التي تبدو لنا اليوم كبيرة. وهذه الحقيقة هي أن انحطاط الغربيين، لا ارتقاء الشرقيين ونهضاتهم، هو الذي عجل في سقوط السيادة الغربية في الشرق؛ فقد كانت العظمة البريطانية مثلا مستمدة من قوى الشعب البريطاني الخلقية والروحية؛ تلك القوى التي تزعزعت بعد الحرب العظمى، ورزحت تحت عبء ثقيل من الاصطلاحات والمغالطات الاجتماعية والسياسية، ثم تلاشت بين أيدي السياسيين والماليين العاملين ليومهم ولقومهم، بل انسحقت بين حجري الرحى للمصلحة المباشرة؛ أي بين المهاودة والمساومة، وما يصحبهما من المحاولات والمراوغات.
منذ خمسين سنة كان الإنكليزي في الهند مثلا يقول: إننا ها هنا بفضل أحسابنا السياسية والخلفية والروحية، إننا ها هنا لأننا أرفع منكم، وأقدر منكم، وأعلم منكم. موقف جدير بالاحترام.
أما اليوم فلا يستطيع الإنكليزي في العراق أن يقول ذلك القول ، لا صراحة ولا ضمنا، لا عن يقين، ولا عن مكابرة. بيد أنه يقول: إننا ها هنا لأن عصبة الأمم أرادت ذلك. وما في هذا القول الحقيقة كلها، بل ما فيه - والحق يقال - الإفكة كلها. وهاك ما تبقى منها؛ عندما وزعت عصبة الأمم الانتدابات كانت مسيرة بنفوذ الدول التي ابتغت الانتدابات وسعت لها. وعندما كانت الجيوش البريطانية تحارب الأتراك في العراق كانت تعتقد صدق ما قيل لها؛ وهو أنها جاءت تفتح العراق للملك جورج وللقديس جورج
1
لا للعراقيين.
وما كان بلاغ الجنرال مود، إذ دخل بغداد في 11 آذار سنة 1917، غير صدى البلاغات التي كانت تذيعها دول الأحلاف إبان الحرب: «ثقوا أيها العرب أننا لا نطمع ببلادكم، إنما جئنا نخلصكم من الترك، ونقدم البلاد بعد فتحها هدية لكم خالصة لوجه الله.» هذا ما قاله الجنرال مود في بلاغه. فإن صدق البلاغ فالجنود المجاهدون قد خدعوا خدعة فظيعة، وإن كان البلاغ كاذبا فأهل البلاد المخدوعون.
Página desconocida