El filósofo y el arte de la música
الفيلسوف وفن الموسيقى
Géneros
ولم تصبح إيطاليا مركز الحياة الموسيقية إلا بعد مضي قرن آخر من عصر فيتشينو، ولكن كلامه عن «الثالثاث» بوصفها متآلفة يعني أن استخدامها قد عرف في موسيقى عصر النهضة الإيطالية. أما إذ شئنا أن نبحث عن المكان الذي تطورت فيه الموسيقى في القرن الخامس عشر، فعلينا أن نلتمسه في الأراضي الواطئة لا في إيطاليا. ولنستمع في هذا الصدد إلى ما قاله «ألبرخت دورر
Albrecht Duerer » في اليوميات التي سجل فيها أسفاره عن رحلته إلى الأراضي الواطئة في تاريخ متأخر هو 5 من أغسطس عام 1520م: «إن كنيسة نوتردام في أنفرس من الضخامة، بحيث تغنى فيها عدة قداسات في وقت واحد دون أن يختلط أحدها بالآخر. وتغدق على الموسيقى هناك هبات سخية، بحيث يستخدمون أحسن من يمكن الحصول عليهم من الموسيقيين.» ولا شك أن تقلبات الحروب تفسر لنا السبب في تدهور باريس من الوجهة الفنية في القرن الخامس عشر، بعد أن كانت أعظم مراكز الموسيقى خلال القرون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر.
القسم الرابع: الفلسفة الجمالية لموسيقى عصر النهضة
أصبح لفن البوليفونية، الذي وضعته المدرسة الفرنسية، أهمية جمالية كبرى في مدرسة «كامبري
Cambrai ». وفي هذه المدرسة، التي تحكمت في الأذواق الموسيقية لأوروبا طوال قرن من الزمان، ظهرت شخصيات لامعة مثل «بانشوا
Binchois » و«دوفي
Dufay »، وأصبحت بلدة «كامبري» في بورجونيا، مركز الموسيقى في القرن الخامس عشر. وهناك في بلاط بورجونيا، كان يعيش «شارل الجسور
Charles the Bold » في أروع وأفخم بلاط في أوروبا كلها. وكان شارل راعيا سخيا للفنانين، كما كان هو ذاته موسيقيا ذا شأن. وكانت مدرسة كاتدرائية كامبري هي المصدر الذي يجلب منه البابا والملك الموسيقيين الموهوبين.
وكان جيوم دوفي (حوالي 1400-1474م) أبرز شخصيات المدرسة البورجندية. وقد تلقى تدريبه مع المجموعة الغنائية (الشمامسة) لكاتدرائية كمبري، ثم انضم إلى المجموعة البابوية. وبفضل أسفاره في مراكز موسيقية هامة أخرى بأوروبا عرف مختلف الاتجاهات الموسيقية لموسيقيين كثيرين ملتحقين بخدمة الملوك أو الكنيسة. وقد أثرت كل هذه الاتجاهات في موسيقاه هو وفي النظرة الجمالية البورجندية بوجه عام. وبفضل إرشاده تشربت المدرسة البورجندية بروح التحرر الذهني والحساسية التشكيلية التي كانت تتميز بها الحياة الإيطالية في عصر النهضة. كذلك فإن الموسيقي، في بورجونيا، كان يؤلف ألحانه في جو يشجع على الانفصال القاطع بين موسيقى الكنيسة وبين الموسيقى الدنيوية.
وكانت الموسيقى البورجندية تختلف في نواح كثيرة عن الموسيقى القوطية. صحيح أن جذور المدرسة البورجندية ترجع إلى الموسيقى القوطية التي سبقتها، غير أن الموسيقي البورجندي كان يكتب موسيقاه على أسس وقواعد أدق وينفر من فكرة «الارتجال»، التي كانت سائدة في التفكير الجمالي للقرن الرابع عشر. وهكذا كان الموسيقي البورجندي يؤلف موسيقاه في قالب تقليدي يقتضي من العازف التزاما دقيقا للمدونة الموسيقية. وكان لبحث عصر النهضة عن القوالب الفنية اليونانية تأثير مباشر في الموسيقي، الذي أراد بدوره أن يداري روح العصر. وهكذا أصبح احترام القالب والتصميم الشكلي واضحا في الموسيقى بقدر ما كان واضحا في التصوير والنحت.
Página desconocida