El filósofo de los árabes y el segundo maestro
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
Géneros
بقيت ناحية تستحق النظر من نواحي ابن الهيثم: هي الناحية الأخلاقية والسياسية. ولابن الهيثم كتاب في السياسة ذكره ابن أبي أصيبعة في مؤلفاته في أخريات حياته بعد سنة 419ه، وله في الأخلاق رسالة لطيفة ما سبقه بها أحد على ما جاء في تتمة صيوان الحكمة، وفي كتاب نزهة الأرواح للشهرزوري.
وأساس الأخلاق عند ابن الهيثم إيثار الحق وطلب العلم، والحق ليس هو بأن يدركه الكثير من الناس؛ لكن هو بأن يدركه الفهم الفاضل منهم؛ ولذلك يقول ابن الهيثم على ما نقله من خطه ابن أبي أصيبعة: «فكنت كما قال جالينوس في المقالة السابعة من كتابه في حيلة البرء يخاطب تلميذه: لست أعلم كيف تهيأ لي منذ صباي، إن شئت قلت: باتفاق عجيب، وإن شئت قلت: بإلهام من الله، وإن شئت قلت: بالجنون أو كيف شئت أن تنسب ذلك، إني ازدريت عوام الناس واستخففت بهم ولم ألتفت إليهم، واشتهيت إيثار الحق وطلب العلم، واستقر عندي أنه ليس ينال الناس من الدنيا شيئا أجود ولا أشد قربة إلى الله من هذين الأمرين». ويكرر ابن الهيثم هذه المعاني في كلامه، ويشير إلى أنه إنما يبتغي من إيثار الحق وطلب إدراك العلم والمعارف النفسية أن يتحقق بفعل ما فرضته عليه هذه العلوم من ملابسة الأمور الدنيوية وكلية الخير ومجانبة كلية الشر فيها؛ ليعتاض عن صعوبة ما يلقاه بذلك مدة البقاء المنقطع في دار الدنيا دوام الحياة منعما في الدار الآخرة.
ونجد في بعض ما روى المؤرخون ما يدل على حرص ابن الهيثم على الحق والعدل. وذكر البيهقي أن أميرا من الأمراء جاء ابن الهيثم متعلما فقال له أبو علي: أطلب منك للتعليم أجرة وهي مائة دينار في كل شهر. فبذل ذلك الأمير مطلوبه وما قصر فيه وأقام عنده ثلاث سنين، فلما عزم الأمير على الانصراف قال له أبو علي: خذ أموالك بأسرها فلا حاجة لي إليها، وأنت أحوج إليها مني عند عودك إلى مقر ملكك ومسقط رأسك، وإني قد جربتك بهذه الأجرة؛ فلما علمت أنه لا خطر ولا موقع للمال عندك في طلب العلم بذلت مجهودي في تعليمك وإرشادك. واعلم أن لا أجرة ولا رشوة ولا هدية في إقامة الخير. ثم ودعه وانصرف. وفي ذلك كله ما يشعر بأن ابن الهيثم في مبادئه السياسية والأخلاقية ينزع إلى نوع من الأرستقراطية، يجاوز به تقسيم طبقات الناس بحسب ما يصلحون له من الأعمال في الحياة الاجتماعية إلى الاستخفاف بالعامة وازدرائها. وابن الهيثم يريد بالعامة الذين يزدريهم من ليس همهم الحق والخير فهم يؤثرون على طلب الحق والعدل، ومن أجل ذلك لم يبذل علمه للأمير إلا بعد ما وثق من استهانته بالمال في سبيل طلب المعارف النفسية والعمل بالعدل الذي هو محض الخير. ولابن الهيثم كلمات مأثورة ذكرها البيهقي تدل على نزعاته الأخلاقية منها قوله: «ابذل لمعارفك معروفك وللمستعد علمك واحرس عرضك ودينك»؛ ومنها «إذا وجدت كلاما حسنا لغيرك فلا تنسبه إلى نفسك واكتف باستفادتك منه، فإن الولد يلحق بأبيه والكلام بصاحبه، وإن نسبت الكلام الحسن الذي لغيرك إلى نفسك نسب غيرك نقصانه ورذائله إليك.»
وإذا كان الذي أسلفنا من البيان لا يعطي صورة كاملة للمذاهب الأخلاقية والسياسية المدونة في كتابي ابن الهيثم اللذين لم يصلا إلينا، فإن الذي أسلفنا يدل على مبلغ الكمال الخلقي في نفس رجل لا يرى في الحياة غير إيثار الحق والعدل، ولا جرم فقد عاش ابن الهيثم ما عاش جاهدا في طلب الحق والعمل بالعدل، وإحياء ذكره بعد وفاته بمئات السنين تكريم للمثل الإنسانية العليا في العلم والأخلاق.
هوامش
شيخ المجددين في الإسلام ابن تيمية الفيلسوف
سجين القلعة
في أواخر سنة 728ه كان في قلعة دمشق إمام من أئمة المسلمين، شيخ جاوز السابعة والستين من عمره، يعاني ألم الاعتقال والسجن، وحيدا ليس معه إلا أخ له يقوم بخدمته، وكان الشيخ يقاسي فوق ألم السجن ألما آخر هو على نفسه أشد وقعا: فقد منع من الكتابة والمطالعة، وأخرجوا ما عنده من الكتب، ولم يتركوا له دواة ولا قلما ولا ورقا. وكتب عقيب ذلك بفحم، يقول: إن إخراج الكتب من عنده من أعظم النقم، وبقي أشهرا على ذلك مقبلا على التلاوة والعبادة، وذكر أخوه أنه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة، وشرعا في الحادية والثمانين، وانتهيا إلى قوله تعالى:
إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر . ثم مرض الشيخ بضعة وعشرين يوما، ولم يعلم أكثر الناس بمرضه فلم يفجأهم إلا موته، ذكره مؤذن القلعة على منارة الجامع، وتكلم به الحرس على الأبرجة، فأسف الخلق عليه، وحضر جمع كثير إلى القلعة، فأذن لهم في الدخول، وجلس جماعة عنده قبل الغسل، وقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله، ثم انصرفوا وحضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن.
توفي الشيخ سحر ليلة عشرين من ذي القعدة، ودفن وقت العصر أو قبله بيسير، وصلي عليه بجامع دمشق، وصار يضرب بكثرة من حضر جنازته المثل، وأقل ما قيل في عددهم أنهم خمسون ألفا، وفي كتاب فوات الوفيات:
Página desconocida