El filósofo de los árabes y el segundo maestro
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
Géneros
هذا مصداق الحكمة المأثورة عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه: «فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة». وكان ابن الهيثم يفر من شرف الدنيا وجاهها؛ حتى ليروي بعض المؤرخين أن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي ولي الخلافة سنة 386ه / 996م وتوفي سنة 411ه / 1021م ولاه بعض الدواوين، فضاق بذلك صدره ولم يجد سبيلا للخلاص من فتنة الحكم وفتنة الحاكم إلا بإظهار الجنون والخبال، واحتمل الحبس في داره والحجز على ماله عدة سنين، فلما مات الخليفة عاد الفيلسوف إلى الاشتغال بعلمه وفلسفته في عزلة وزهادة وكفاف من العيش.
وابن الهيثم هو أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، وممن ترجموا له من يسميه محمدا، وأبوه في بعض الروايات يسمى الحسين، ويستنتج من كلام ابن أبي أصيبعة أن مولد ابن الهيثم يقع حوالي 354ه / 965م. أما وفاته فيقول القفطي: إنها في حدود عام 430ه / 1039م. ويزيد القفطي بعد ذلك: «ورأيت بخطه جزءا في الهندسة وقد كتبه في سنة 432ه / 1040-1041م.»
ولم نر أحدا ممن ترجموا لابن الهيثم عرض لنشأته الأولى، اللهم إلا أن مولده كان بالبصرة، والظاهر أن ابن الهيثم من أصل عربي؛ واسم جده الأعلى «الهيثم» ليس من الأسماء التي تداولها الأعاجم في الإسلام. وأصل الهيثم فرخ النسر. ولسنا نعرف شيئا عن دراسات ابن الهيثم الأولى ولا عن أساتذته.
وبالجملة فإن الدور الأول من حياة ابن الهيثم، أي: مدة إقامته بالبصرة محاطة بالغموض، ويفهم من كلام بعض المؤرخين أنه أقام بالشام زمنا. ويقول البيهقي في كتاب تتمة صيوان الحكمة: «وأقام بالشام عند أمير من أمراء الشام، فأدر عليه ذلك الأمير وأجرى عليه أموالا كثيرة، فقال له أبو علي: يكفيني قوت يوم وتكفيني جارية وخادم، فما زاد على قوت يومي إن أمسكته كنت خازنك وإن أنفقته كنت قهرمانك
1
ووكيلك، وإذا اشتغلت بهذين الأمرين فمن الذي يشتغل بأمري وعلمي، فما قبل بعد ذلك إلا نفقة احتاج إليها ولباسا متوسطا.»
ولعل سفره إلى مصر كان في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي. ومن المؤلفين من يقول: إن الحاكم بأمر الله هو الذي استدعاه إلى مصر. وكان ابن الهيثم حينئذ يسكن الشام. وفي بعض الروايات أن ابن الهيثم سافر أولا إلى مصر ولقي الحاكم ثم خاف على نفسه منه، فسار إلى الشام وعاد بعد وفاة الحاكم إلى القاهرة، والرواية الأولى أرجح من الرواية الثانية التي انفرد بها الشهرزوري. وفي مصر كانت حياة ابن الهيثم العلمية وفيها ألفت أكثر مصنفاته. ولا نعرف من تلاميذه غير واحد يعد من الفلاسفة هو أبو الوفاء مبشر بن فاتك من أعيان أمراء مصر، كما جاء في كتاب دي بور. ويذكر ابن أبي أصيبعة أن إسحاق بن يونس المتطبب بمصر له تعليق علقه عن ابن الهيثم في كتاب ديوفنطس في مسائل الجبر؛ وعلى ذلك فإسحاق أيضا من تلاميذه، وإذا كان ابن الهيثم بصري المولد فقد انتقل إلى الديار المصرية وأقام بها إلى آخر عمره، فلا غرو أن يلقبه صاعد في طبقات الأمم بالمصري.
كان ابن الهيثم - على ضآلة جسمه وقصر قامته - دائم الاشتغال، قوي الذكاء، كثير التصانيف، وافر الزهد، سامي النفس، محبا للخير.
منزلته الفلسفية وآثاره
ذكر صاعد في طبقات الأمم ابن الهيثم في المشهورين بإحكام بعض أجزاء الفلسفة ممن اشتهر بعلم حركات النجوم وهيئة العالم، وقال القفطي «صاحب التصانيف والتآليف المذكورة في علم الهندسة، كان عالما بهذا الشأن، متقنا له، متفننا فيه، قيما بغوامضه ومعانيه، مشاركا في علوم الأوائل.» أما البيهقي فيقول في ترجمته: «الحكيم بطليموس الثاني أبو علي بن الهيثم، كان تلو بطليموس في العلوم الرياضية والمعقولات؛ وتصانيفه أكثر من أن تحصى.»
Página desconocida