El filósofo de los árabes y el segundo maestro
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
Géneros
وكان للكندي ضيعة بالبصرة كما أشرنا إليه آنفا، وكانت له ببغداد دور يستغلها بالأجر كما يؤخذ من كتاب «البخلاء» للجاحظ.
وكان الكندي بعد أن ترك الاشتغال بفنون الأدب، وترك علم الكلام، وانصرف بكليته إلى علوم الفلسفة وما إليها، يعيش عيشة عزلة وانكباب على الدرس، يدل على ذلك ما روي من شعره الذي أسلفناه.
المكتبة الكندية
وكانت له مكتبة زاخرة، كما تدل عليه القصة التي نقلها ابن أبي أصيبعة.
49
إذ يقول: «كان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر في أيام المتوكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم في معرفة، فأشخصا سند بن علي إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل، ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل، ووجها إلى داره، فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها في خزانة سميت «الكندية»، ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة، وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف «بالجعفري»، فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغاني الذي عمل المقياس الجديد بمصر، وكانت معرفته أوفى من توفيقه؛ لأنه ما تم له عمل قط، فغلط في فوهة النهر المعروف «بالجعفري»، وجعلها أخفض من سائره، فصار ما يغمر الفوهة لا يغمر سائر النهر، فدافع محمد وأحمد ابنا موسى في أمره، واقتضاهما المتوكل، فسعى بهما إليه فيه، فأنفذ مستحثا في إحضار سند بن علي من مدينة السلام فوافى، فلما تحقق محمد وأحمد ابنا موسى أن سند بن علي قد شخص أيقنا بالهلكة ويئسا من الحياة، فدعا المتوكل بسند وقال له: ما ترك هذان الرديان شيئا من سوء القول إلا وقد ذكراك عندي به، وقد أتلفا جملة من مالى في هذا النهر، فاخرج إليه حتى تتأمله وتخبرني بالغلط فيه؛ فإني قد آليت على نفسي إن كان الأمر على ما وصف لي أن أصلبهما على شاطئه، وكل هذا بعين محمد وأحمد ابني موسى وسمعهما، فخرج وهما معه فقال محمد بن موسى لسند: يا أبا الطيب إن قدرة الحر تذهب حفيظته، وقد فرغنا إليك في أنفسنا التي هي أعلاقنا، «وما ننكر: إنا أسأنا، والاعتراف يهدم الاقتراف، فتخلصنا كيف شئت، قال لهما: والله إنكما لتعلمان ما بيني وبين الكندي من العداوة والمباعدة؛ ولكن الحق أولى ما اتبع، أكان من الجميل ما أتيتماه إليه من أخذ كتبه؟ والله لا ذكرتكما بصالحة حتى تردا عليه كتبه.
فتقدم محمد بن موسى في الكتب إليه، وأخذ خطه باستيفائها، فوردت رقعة الكندي بتسلمها عن آخرها، فقال: قد وجب لكما علي ذمام برد كتب هذا الرجل ولكما ذمام بالمعرفة التي لم ترعياها في، والخطأ في هذا النهر يستتر أربعة أشهر بزيادة دجلة.
وقد أجمع الحساب على أن أمير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى، وأنا أخبره هذه الساعة أنه لم يقع منكما خطأ في هذا النهر إبقاء على أرواحكما، فإن صدق المنجمون أفلتنا الثلاثة؛ وإن كذبوا وجازت مدته حتى تنقص دجلة وتنضب أوقع بنا ثلاثتنا.
فشكر محمد وأحمد هذا القول منه واسترقهما به، ودخل على المتوكل فقال له: ما غلطا. وزادت دجلة وجرى الماء في النهر فاستتر حاله، وقتل المتوكل بعد شهرين.
وسلم محمد وأحمد بعد شدة الخوف مما توقعا.»
Página desconocida