حلول الرزايا في مصيف ولا مشتى •••
إن تفظيع الموت يدعو إلى نوع من الحياة لا هو حياة ولا هو موت. ولعل كثيرا من رذائل الشرق سببه ما اعتاده قادتهم من تهويل الموت وتفظيع شأنه؛ وإلا فما الذي يجعلنا نرضى بالعيش الذليل بين أحضان آبائنا وأمهاتنا، ولا نتطلب العيش السعيد بالهجرة والارتحال؟ وما الذي يدعونا إلى الفرار من المغامرة في شئون الحياة، والركون إلى عيش الدعة والاطمئنان، إلى كثير من أمثال ذلك؟ لا شيء إلا المغالاة في الخوف من الموت، للمغالاة في تهويل الموت.
لقد جل خطب الحياة إن كان كلما مات قريب أو صديق ذابت النفس حسرات، وأظلمت في وجوهما الدنيا، وتطرق إلينا اليأس؟
لا.لا. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وتبا لهؤلاء الذين يخلعون قلوبنا بالموت فنكون طعمة لمن يحبون الحياة.
ولنبدأ دعوة جديدة قوامها العمل للحياة «ولا بأس بالموت إذا الموت نزل».
الضحك
ما أحوجني إلى ضحكة تخرج من أعماق صدري فيدوي بها جوي ضحكة حية صافية عالية، ليست من جنس التبسم، ولا من قبيل السخرية والاستهزاء، ولا هي ضحكة صفراء لا تعبر عما في القلب؛ وإنما تعبر عما في القلب؛ وإنما أريدها ضحكة أمسك منها صدري، وأفحص منها الأرض برجلي، ضحكة تملأ شدقي، وتبدي ناجذي، وتفرج كربي، وتكشف همي.
ولست أدري: لماذا تجيبني الدمعة، وتستعصي على الضحكة، ويسرع إلي الحزن، ويبطئ عني السرور، حتى لئن كان تسعة وتسعون سببا تدعو إلى الضحكة وسبب واحد يدعو إلى الدمعة، غلب الدمع وانهزم الضحك، وأطاع القلب داعي الحزن ولم يطع دواعي السرور!
ولي نفس قد مهرت في خلق أسباب الحزن، ونبغت في اقتناص دواعيه، تخلقها من الكثير، ومن القليل، ومن لا شيء، بل وتخلقها من دواعي الفرح أيضا؛ وليست لها هذه المهارة ولا بعضها في خلق أسباب السرور، كأن في نفسي مستودعا كبيرا من اللون الأسود ، لا يظهر مظهر أمام العين حتى تسرع النفس فتغترف منه غرفة تسود بها كل المناظر التي تعرض لها؛ ثم ليس لها مثل هذا المستودع من اللون الأحمر أو اللون الأبيض!
يقولون لي: اضحك يدخل على قلبك السرور. وأنا أقول لهم: أدخلوا السرور على قلبي أضحك. ففي المسألة «دور»، كما يقول علماء الكلام، وكما يقول الشاعر:
Página desconocida