إذا سقط الفتى فأريته أن سقطته قابلة للعلاج، وأخذت بيده لانتشاله، كفر عن سقطته وعاد إلى حاله؛ وإن أنت أريته أن سقطته لا تغتفر، وأنه لم يصبح إنسانا، استمر يسقط أبدا - وكثير من الساقطين والساقطات لو أحسوا في الناس استعدادا لقبولهم، وشعروا أنهم يفسحون لهم في صدورهم، لعدلوا عن سقطتهم، ونهضوا من عثرتهم. •••
وبعد، فليس الشرق بدعا من الخلق، إن اعتز أحد بماض فليس أمجد من ماضيه. وإن كان لكل أمة غريبة محاسن ومساو فللشرق محاسنه ومساويه، وإن كانت مساوي الغرب لم تمنعه من نهوضه فلم تمنع الشرق مساويه من نهوضه؟ ليس أعوق للشرق من هذا الصوت الكريه يصدر من دعاته فيبعث اليأس وينفث السم!
أيها الدعاة: كسروا قيثارتكم هذه التي لا توقع إلا نغمة واحدة بغيضة؛ واستبدلوا بها قيثارة ذات ألحان صنعها طب بأدواء النفوس عليم؛ وأكثروا من ألحان تبعث الأمل، وتدعو إلى العمل، وتزيد الحياة قوة؛ ولا تشهروا برذيلة إلا إذا أشدتم بفضيلة، ولا تسمعونا صوت المعاول إلا إذا أريتمونا حجر البناء.
سيبويه المصري
شخصية غريبة كانت في مصر في عهد الدولة الإخشيدية قبل بناء القاهرة، وكان يدوي اسمها في الفسطاط والقطائع وما بينهما قبيل مجيء الفاطميين؛ كانت شخصية ترهب وتحب، ويضحك منها، ويعتبر بها، إن شئت علما فعالم، أو شعرا فشاعر، أو أدبا فأديب، أو وعظا فواعظ، أو فكاهة ففكه، أو نقدا مقذعا فناقد، أو جنونا فمجنون.
ولد بمصر سنة 284ه، وعاش أربعا وسبعين سنة، وأتقن النحو حتى لقب بسيبويه.
ألطف ما فيه لوثة كانت بعقله؛ هي سر عظمته، فقد جرؤ على ما لم يجرؤ عليه أحد في عصره؛ كان معتزليا يقف في المسجد وفي الشارع فيصرح بآرائه في الاعتزال، ويصيح بأن القرآن مخلوق، فيقولون: مجنون، ويتركونه يقول ما يشاء، حيث لا يقول أحد شيئا من ذلك إلا همسا، أو من وراء حجاب؛ ويتعرض للناس بالقول اللاذع، سواء في ذلك كافور الإخشيد أو وزيره، أو العلماء أو التجار، فيتضاحكون منه ويتقون لسانه ببره والإهداء إليه سرا وجهرا.
كانت نوادره كثيرة، تتلقفها الألسنة، ويتناقلها الرواة، فتشيع في الناس، وتكون سلوتهم ومثار ضحكهم.
وقديما عرف المصريون بالفكاهة الحلوة والنادرة اللطيفة، كما عرفوا بالإعجاب بها والجد في طلبها والإمعان في الضحك منها.
من أجل هذا ألف ابن زولاق المصري كتابه اللطيف في نوادر سيبويه، لم يذكر فيه إلا قليلا عن علمه، ولم يذكر شيئا عن نحوه ولا عن جده، وإنما ملأه كله بفكاهته ولوثته.
Página desconocida