[الجزء الأول من فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت]
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
Página 1
الحمد لله الذى خلق الإنسان بعد أن لم يكن شيئا مذكورا وهداه إلى ما تهيأ به صلاح معاشه ومعاده كما كان في الكتاب مسطورا وأغرقنا في بحار أفضاله وجوده وأنطق الموجودات بآيات وجوب وجوده لنستدل به على توحيد ذاته وجلالة صفاته ونؤمن به كما هو بأسمائه ونشكره على ما وهبنا من نعمائه ونحمده على ما أعطانا من آلائه ونثنى عليه الخير أعظم ثنائه ونشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله تعالى هاديا وبشيرا ونذيرا وداعيا للخلق إلى الرحمن بدرا منيرا ذلك النبي الذى خرق السبع السموات العلى ووصل إلى مكان سوى وعلم هناك علم اللوح والقلم وجاز مقاما لم يصل إليه لواحد من الأنبياء قدم ودنا إلى ربه الأعلى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فرأى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب نفس تمنت وحاز مكانة عالية على مكانة الأولين والآخرين وكان نبيا وآدم بين الماء والطين فيا ناظم الوجود ويا خالق الخير والجود ويا مالك الملك والملكوت ويا واهب الجبروت والناسوت صل عليه صلاة تغنيه وترضيه وعلى آله الذين وهبوا المنازل الشريفة والمقامات الرفيعة وأصحابه الذين حازوا السبق في نصرة الشريعة الغراء والحنيفية السمحة البيضاء الباذلين أنفسهم في سبيل الله لإعلاء الدين والإيمان وهدم بنيان الكفر والطغيان لا سيما الخلفاء الراشدين إلى الله داعين هم الذين عرجوا معارج الولاية والعرفان وبذلوا جهدهم لإعلاء كلمة الرحمن وعلى من تبعهم بإحسان الباذلين جهدهم في استنباط الأحكام والبالغين ذروة الكمال في تبيان الحلال والحرام وأفض على برحمتك العلوم الدقيقة والأعمال المرضية الشريفة وهب لى أكرم الإيمان ويوم لقائك عاملني بإحسان وصل على حبيبك وآله وأصحابه الكرام وأنزل عليه وعليهم السلام (أما بعد) فيقول العبد الضعيف المفتقر إلى رحمته القوية عبد العلى محمد بن نظام الدين من القبيلة الأنصارية عاملهما الله تعالى بإحسان وتجلى الرب عليهما يوم القيامة باسم الرحمن ان كمال أعيان الإنسان ومن هو أشرف موجودات الاعيان اكتحال عين بصيرته بكحل العلوم الحقيقية والتحلى بسره بالمعارف اليقينية وذا لا يحصل إلا باتباع الشريعة الغراء والإقتداء بالحنيفية السمحة البيضاء ولا يتأتي ذلك إلا بتكميل القوة النظرية بالإيمان والإسلام وتكميل القوة العملية بأعمال تهدى إلى دار السلام وإنما ذلك بمعرفة الأحكام الفرعية واستخراج القواعد الفقهية الشرعية ولا يتيسر السلوك في هذا الوادى إلا بالتزود بالمبادئ ومن بينها علم الأصول الجامع بين المعقول والمنقول أجا الفنون قدرا وأدق العلوم سرا عظيم الشأن باهر البرهان أكثرها للفضائل جمعا وفي تخريج الأحكام الألهية نفعا ويكون الرجل به في الأسرار الربانية بصيرا وعلى حل غوامض القرآن قديرا ولقد تصدى لتعاطيه جم غفير من العلماء ولم يظفر على حل مشكلاته إلا واحد بعد واحد من الأذكياء ولقيت أقدام أذهانهم السافرة نصبا وكلت مطايا عقولهم السارية تعبا ولم يصل إلى كنه أسراره إلا من غرق في بحار
Página 2
(3) فيضه القويم وأتى الله تعالى بقلب سليم ولقد صنف فيها كتب شريفة وصحف أنيقة ودفاتر مبسوطة ومختصرات مضبوطة وكان كتاب المسلم من بينها مختصرا مؤسسا على قواعد المعقول واقعا في معارك الفحول وتلقى من بينها بالقبول حتى طارت به إلى الآفاق والقبول وكان يختلج في صدرى أن أشرحه شرحا يذلل الصعاب ويميز القشر عن اللباب بيد أنه كان يعوقنى عن ذلك ما شاهدت في الطلاب يطلبونه من تكاسل العزائم ومضاء عجزهم كأنه نيطت عليهم التمائم وأن رياض العلوم صارت ناضبة الماء ذاهبة الرواء ولم تبق أزهارها زاهرة وأنوارها باهرة وظهر الأقوام الذين اتخذوا العلم ظهريا وتصدى للرياسة الذين ظنوه شيئا فريا وغلبت الجهلة وهلكت الكملة حتى طارت بالعالمين العنقاء وبقى من ليس للعليل منهم شفاء ثم لما تأملت بإمعان النظر ووجهت عنان الفكر رأيته وسيلة يوم الجزاء عند من يجلس بين العالمين للقضاء فالمرجو من رحمته التى سبقت غضبه أن يدخلنى في بحار كرمه من عقبه والمأمول من الكرامة أن يعفو ما فرطت من الجهالة فأجمعت قصدى وبالغت جهدى إلى أن شرعت في المقصود بحيث لا يتجاوز الطريق المعهود سائلا ومتضرعا إلى الله تعالى أن يعصمنى عن الخطأ وأكون في أنجاز وعدى أصدق من القطا متشبثا بأذيال رسوله الكريم الذي فيضه عميم هو كاسمه محمد ومحمود لولاه لما ظهر من الله الجود بإفاضة الوجود على حقائق كل موجود وآله وأصحابه الذين هم خلفاؤه في إقامة الدين ولخلق إليه داعين وصلاة الله تعالى وسلامه عليه وعليهم أجمعين ومستمدا من الذين حازوا قصبات السبق في التحقيق وعلوا سموات التدقيق وتنوروا بالأنوار الألهية وتخلقوا بالأخلاق الربانية وسافرت أرواحهم فعرجت أفلاك العرفان وحصلت الحكمة الحقة من غير برهان وقاموا كل لحظة بين يدى الرحمن وتجلى الله تعالى عليهم باسم المنان قائلا .
Página 3
فسيروا على سيرى فإنى ضعيفكم **...وراحلتى بين الرواحل طالع لا سيما من هو بحر المعارف والأسرار وعن وجه المسائل كاشف الاستار جل سعيه تنفيذ الأحاديث النبوية وتعليم ما جاء من الحضرة المصطفوية الذي عرج معارج الارتقاء في تقويم علوم الاهتداء الذي كاسمه حماد بن سليمان عليه الرحمة ...
(4)
Página 4
والغفران وجعل الله مسكنه بحبوحة الجنان استاذ أمام العصر وحيد زهاد الدهر الذى كان رأيه صدقا وهدى وجل سعيه الورع والتقى مؤيدا من الله تعالى بأنواع المنن مميز البدع من السنن ناصر السنة (1) الشرفاء مقيما لقواعد الشريعة البيضاء ممهد مبانى المسائل مؤسس القواعد بالدلائل لما أيد الدين بالحجج الشريفة صار بين الناس أبا حنيفة الأمام الأعظم أمام الأئمة ناصر الطريقة نعمان بن ثابت الكوفى الواصل الحقيقة قدس الله سره وأذاقنا بمنه بره وقد كان فيما مضى شرحه من جمع بين العلوم الخفية والحلسة وفاز بالكمالات الدينية ووصل فيما بين المتأخرين إلى كمال السابقين وحاز تحقيقات قويمة وتدقيقات أنيقة صاحب التصانيف المبسوطة المشتملة على الحجج المضبوطة وهو والدى نسبا وعلما جزاه الله تعالى عنى أحسن الجزاء وأوصله مقاما لا يبلغه واحد من العرفاء فجعلت شرحى محتويا على زبدة ما فيه وخلاصة ما هواياه حاوية وأضفت إليه ما استفدت من أشارات المحققين وتلويحات المدققين وما من الله تعالى على هذا العبد من الفوائد وما ألقى على قلبى من الفرائد وأسست أصول المسائل والمبانى وتركت طريقة المجادلين الذين يخدمون ظواهر الألفاظ ولا يرومون بواطن المعانى وأوردت حل بعض عبارات الأمام الأجل والشيخ الأكمل رئيس الأئمة والعالمين فخر الإسلام والمسلمين لقبه أغر من الصبح الصادق واسمه يخبر عن علوه على كل حاذق ذلك الأمام الألمعى فخر الإسلام والمسلمين على البزدوى برد الله مضجعه ونور مرقده وتلك العبارات كأنها صخور مركوزة فيها الجواهر وأوراق مستورة فيها الزواهر تحيرت أصحاب الأذهان الثاقبة في أخذ معانيها وقنع الغائصون في بحارها بالأصداف عن لآليها ولا أستحيى من الحق وأقول قول الصدق أن جل كلامه العظيم لا يقدر على حله إلا من نال فضله تعالى الجسيم وأتى الله وله قلب سليم وأنا أسأل الله مجيب الدعوات مفيض الخير والبركات أن يعصمنى من الخطأ والخلل وعن القصور والزلل وأن يرينى ما فيه كما هو عليه وأن يغرقنى في بحار رحمة من لديه وأن يسهل على صعابه ويميز عن قشرة لبابه وأن يجعل لى الثناء الجميل ويعقب ذلك الثواب الجزيل اللهم رب اشرح لى صدرى واحلل عقدة من لسانى ليفقه قولى أنك أنت الولى
Página 5
(5) وأنت النصير وأنت حسبى ونعم الوكيل * (بسم الله الرحمن الرحيم) أبتدئ (الحمد لله الذى أنزل) * على ما تقتضيه الحكمة (الآيات) وهى قطعة من كلام الله تعالى (وأرسل البينات) أى الكلمات البينة الواضحة وهى الآيات المحكمة والسنن الجلية والمعجزات البينة الظاهرة لا تحتمل الريب والارتياب (فطلع) من الطلوع أو التطليع (الدين) بالرفع أو النصب (وطبع اليقين) يحتمل الوجهين (ربنا لك الحقيقة) أى الواقعية (حقا) لأنك الكائن بنفسك (وكل) ممن سواك (مجاز) في الواقعية إذ لا وجود لهم إلا بوجودك ولا حقيقة لهم إلا بحقيقتك فهم الباطلون في حدود أنفسهم (ولك الأمر) لا غيرك (تحقيقا) فإنك مالك كل شئ (وكل) من العالم (مجاز) في تملك بعض الأمور ويحتمل أن يراد بالأمر القول المخصوص والمعنى أنك الآمر حقيقة لأن العلو والمجد لك وكل من سواك من أولى الآمر آمرون من إجازتك بل علوهم من علوك لأنهم عالون بإعلائك فأمرهم أمرك (أعنة المبادي بيديك) فإنك مسبب الأسباب (ونواصى المقاصد مقبوضة إليك) فإنك لا غيرك معطى المقاصد ولا يخفى ما في هذه القرينة من الإستعارة بالكناية والتخييلية (فأنت المستعان) لا غيرك في كل الأمور (وعليك التكلان) لا على غيرك فإنك الكافى مهمات أمورنا (والصلاة والسلام على سيدنا محمد المتمم للحكم) كما روى أنه عليه وآله الصلاة والسلام قال بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (بالطريق الأمم) أى الوسط فإن شريعته عليه الصلاة والسلام متوسطة بين الأفراط والتفريط (المبعوث بجوامع الكلم إلى أفهام الأمم) اختلفوا في تفسير جوامع الكلم التي خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض المحققين الكلمات الجامعة لصفات الله تعالى أجمع لتقع دعوته إلى جميع أسمائه وصفاته ابتداء وتفصيله في فصوص الحكم والمشهور بين الفقهاء وأهل الأصول الكلام الجامع لأنواع الأحكام (وعلى آله وأصحابه الذين هم أدلة العقول) فإنهم الهادون (سيما الأربعة الأصول) في دلالة العقول إلى سبيل الله تعالى وهم الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم وأبقنا على محبتهم (أما بعد فيقول الشكور) لا يخفى ما فيه فإنه تعالى قال مخاطبا لسليمان أعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور ولعله أراد به الذاكر مجازا واختار هذا المجاز ليحصل به التجنيس مع الشكور الثانى وكذا لا يخفى ما في قوله (الصور) ولعله أراد الصابر وإنما اختاره رعاية للسجع
(6)
Página 7
(محب الله بن عبد الشكور) مات سنة ألف ومائة وتسع عشرة من الهجرة كذا في الشرح (بلغه) بالتشديد (الله) تعالى (إلى ذروة الكمال) الذروة العالى من الجبل أو من كل شئ استعاره للمنزلة العالية أو مثل علو المنزلة بعلو الجبل أو شبه الكمال بالجبل وأثبت الذروة له على سبيل الاستعارة بالكناية والتخييلية (ورقاه عن حضيض القال إلى قلة الحال) القلة بالضم العالى من الجبل وقس هذه الفقرة على الفقرة السابقة (أن السعادة) عند الله تعالى للإنسان (باستكمال النفس والمادة وذلك) الاستكمال (بالتحقق) أى الصيرورة على اليقين وبه تستكمل النفس (والتخلق) بالأعمال وبه استكمال المادة (وهما بالتفقه في الدين والتبحر) أى التعمق (بمواقف الحق واليقين والسلوك في هذا الوادى) الذى هو التفقه (إنما يتأتى بتحصيل المبادئ ومنها علم أصول الأحكام فهو من أجل علوم الإسلام) فإن أجل العلوم الإسلامية الكلام والفقه ومباديهما والأصول من بعضها البتة (ألف في مدحه خطب وصنف في قواعده كتب وكنت صرفت بعض عمرى في تحصيل مطالبه ووكلت نظرى على تحقيق مآربه فلم تحتجب عنى حقيقة) من حقائق هذا العلم (ولم يخف على دقيقة) من دقائق هذا العلم وقد جاوز الحد في العجب بنفسه ولعمرى أن العبور على هذا العلم بحيث تنكشف حقيقة الحال حق الانكشاف صعب جدا لا لبعض المجتهدين الذين هم آيات من آيات الرحمن (ثم لأمرنا) أى عظيم (أردت أن أحرر فيه سفرا) أى دفترا (وافيا) لمسائل هذا الفن (وكتابا كافيا) لطالب هذا العلم (يجمع) ذلك الكتاب (إلى الفروع أصولا وإلى المشروع معقولا) أى كتابا جامعا للأصول العقلية والنقلية ومشتملا على الفروع الفقهية (ويحتوى) ذلك الكتاب (على طريقتى الحنفية والشافعية ولا يميل ميلاما) قليلا (عن الواقعية) فأظنك بالميل الكثير وفي هذا أيضا تجاوز عن الحد إنما هذه المعرفة شأن خالق القوى والقدر وخلفائه من الرسل الكرام وأوليائه العظام (فجاء) ذلك الكتاب (بفضل الله) تعالى (وتوفيقه كما ترى) في الحسن والاحتواء أهو (معدن) للمسائل (أم بحر) لها (بل سحر لا يدرى) فإنه عديم المثل (وسميته بالمسلم سلمه الله عن الطرح والجرح وجعله موجبا للسرور والفرح ثم ألهمنى مالك الملكوت) هو اسم لملك ينسب إليه إيصال النعم (أن تاريخه مسلم الثبوت) أى تاريخ تصنيفه سنة ألف ومائة وتسع (ألا الكتاب مرتب
Página 8
(7) على مقدمة فيما يفيد البصيرة) من رسم العلم وموضوعه وغايته وفيه إشارة إلى أن هذه الأشياء مما يتوقف عليه الشروع حقيقة (ومقالات) ثلاث (في المبادئ) الكلامية والأحكامية واللغوية (وأصول في المقاصد) ظاهره يشعر بأن الأصول طائفة من الكلام كالمقالات والمقاصد الكتاب والسنة والاجماع والقياس وما سيأتى من قوله أما الأصول فأربعة يأبى عنه فأما أن يؤول ههنا بأن فيه حذفا أى كلام في أصول حال كونها ثابتة في المقاصد أو يؤول هناك بأن المقصود أن الطائفة من الكلام أربعة أقسام فإن المقاصد أربعة فحذف وأقام دليله مقامه وحمل على الأصل الأول الكتاب مسامحة (وخاتمة في الاجتهاد ونحوه) من التقليد (أما المقدمة ففى حد أصول الفقه) أى المعترف الجامع المانع ويمكن أن يترك على حقيقته بناء على تجويز كون المذكور جدا حقيقيا (وموضوعه) الذى يبحث عن عوارضه الذاتية العارضة للشئ لذاته أو لما يساويه (وغايته) المترتبة على تحصيله ثم إن لهذا الاسم مفهوما لغويا واصطلاحيا فأشار إلى تفسيرية بكلا الاعتبارين فقال (أما حدة مضافا) فيتوقف على معرفة حد الأصل الذى هو المضاف والفقه الذى هو المضاف إليه (فالأصل لغة ما يبتنى عليه غيره) بأن يكون مادة له حقيقة كالطين أصل الكوز أو بحسب النظر العامى كالحقيقة يقال لها أصل المجاز (و) الأصل (اصطلاحا الراجح) كما يقال الكتاب أصل بالنسبة إلى القياس أى راجح (والمستصحب) كما يقال طهارة الماء أصل (والقاعدة) كما يقال الفاعل مرفوع أصل من أصول النحو (والدليل) كما يقال أقيموا الصلاة أصل وجوب الصلاة فلفظ الأصل مشترك اصطلاحى في الأربعة وثبوت الوضع لا بدله من دليل بل ربما ادعى المجازية في بعض هذه المعانى لانفهامها بحسب القرينة (أفيد) في شرح المختصرة (أنه إذا أضيف) الأصل (إلى العلم فالمراد دليله) لاشك فيه لكن ليس لأنه يستعمل لفظ الأصل بمعنى الدليل كيف ولو كان كذلك لزم النقل مرتين بل لفظ الأصل مستعمل في معناه اللغوى وإذا أضيف إلى العلم صار المعنى مبنى العلم وليس مبناه إلا الدليل فبهذا الوجه يراد به الدليل لا بالوجه الأول كما هو الظاهر من كلام المفيد والمصنف في الحاشية (فمن حمل) الأصول ههنا (على القاعدة فقد غفل عن هذا الأصل على أن قواعد العلم مسائلة لا بمادية) فلو كان الأصل ههنا بمعنى القاعدة كان المعنى مسائل الفقه هذا خلف واعلم أنه لا شك في بعد حمل
(8)
Página 10
الأصل على القاعدة لكن له نوع صحة بجعل الأضافة لادنى ملابسه أى مسائل لها تعلق بالفقه وحينئذ لا ترد العلاوة (ثم هذا العلم) أى علم الأصول (أدلة إجمالية للفقه إليها عند تطبيق الأدلة التفصيلية) المختصة بمسألة مسألة (على أحكامها) لأنه إذا حرر الدليل على نظم الشكل الأول تكون كبراه مأخوذة من الأصول سواء كانت عين مسألة أصولية معينة أو مندمجة فيها أو مأخوذة من عدة مسائل وإذا حرر الدليل على نظم القياس الاستثنائى تكون الملازمة مأخوذة منها (كقولنا الزكاة واجبة لقوله تعالى وآتوا الزكاة) فإذا أرادنا أن نطبقها على حكمها قلنا الزكاة مأمورة من الله تعالى وكل ما هو مأمور منه تعالى فهو واجب (لأن الأمر للوجوب) فهذه الكبرى مأخوذة من مسألة أصولية ثم أنه لابد في صحة كلية تلك الكبرى من قيود وهى كل مأمور به بأمر غير منسوخ ولا معارض براجح أو مساو ولا مؤول فهو واجب فلابد لإتمام هذه القضية من معرفة مسائل النسخ والتعارض والتأويل فهذه الكبرى مأخوذة من عدة تلك المسائل وكذا أن حرر بالقياس الاستثنائى لو كانت الزكاة مأمورة لكانت واجبة والمقدم حق فالزكاة واجبة فالملازمة مأخوذة من قولنا الأمر للوجوب فقد بان بهذا أن لعلم الأصول خصوصية بالفقه ليس له تلك الخصوصية بغيره أما المنطق فنسبته إلى الفلسفة والأصول والفقه نسبة واحدة ولا يحتاج إليه إلا في معرفة كيفية الانتاج ولا توجد مقدمة دليلها من مسألة منطقية وربما يشكل بمباحث القياس فإنها لا يحتاج إليها إلا في كيفية إنتاجه كيف وأن القياس مفيد للحكم بنفسه من غير ضم أمر آخر معه لكن ليس لك أن تتخبط فإن القياس لا يفيد حكما شرعيا إلا باعتبار أن الشارع اعتبر غلبة الظن الحاصل به فحينئذ لا يثبت حكم شرعى إلا بأن هذا الحكم أدى إليه القياس وكل ما أدى إليه القياس فهو من الله ثابت فالقضية الثانية مأخوذة من الأصول وأما القياس المجرد بدون هذه القضية فلا يفيد أن هذا الحكم من الله تعالى حتى يجب العمل به لكن لابد لصحة هذه القضية من قيود فلا بد من معرفة أن القياس هل يكون منسوخا أولا وغير ذلك وبما ذكرنا اندفع ما يتراءى وروده من أن بعض مسائل الأصول لا يصلح للكبروية كقولنا القياس لا يكون ناسخا ولا منسوخا لأنا لا ندعى وقوعها بعينها بل أعم منه ومن المأخوذ به انفراد أو منها ومن غيرها اجتماعا فقد ظهر لك أن حاجة الفقه إلى الأصول أشد (وليس نسبته إلى الفقه كنسبة الميزان إلى الفلسفة كما وهم) وذلك ظاهر وأما ما ذكره المصنف بقوله (فإن الدلائل التفصيلية) الفقهية المخصوصة بمسألة مسألة (بموادها وصورها من أفراد موضوع مسائل الأصول) فإن الدليل التفصيلى لوجوب الزكاة آتوا الزكاة من أفراد الأمر ولحرمة الربا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة من أفراد النهى (بخلاف المنطق الباحث عن المعقولات الثانية) فإن الدلائل الفلسفية ليست بموادها معروضة للمعقولات الثانية التى لا تعرض إلا لما في الذهن ومواد الدلائل الفلسفية ربما تكون موجودة في الخارج ففيه شئ لأن مسألتنا القائلة أن الأمر للوجوب يراد بها أن صيغة الأمر للوجوب فليس آتوا الزكاة فرد الموضوع هذه المسألة إلا باعتبار صورتها وكذا النهى للتحريم لا يراد بها إلا صيغة النهى هذا والحق ما قررنا سابقا (والفقه حكمة) أى أمر واقعى (فرعية) متفرعة على الإيمان بالذات والصفات والثواب والمعاد (شرعية) ثابتة بأدلة شرعية (فلا يقال على) فقه (المقلد لتقصيره عن الطاقة) فلا يكون في تقليده مستحقا للمدح والفقه قد مدح في كلام الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فإذا ما حصل له تقليد لا يسمى فقها وحينئذ سقط ما يظن في بادئ الرأى أنه لا دخل لحديث التقصير وأنه أن أخذ في مفهومة العلم من الأدلة فيخرج وإلا لا (والتخصيص بالحسيات) التى هى العمليات المتعلقة بالجوارح (احترازا عن التصوف) الباحث عن أفعال القلوب كوجوب التوبة وحرمة البخل والكبر ووجوب الرضا بقضاء الله تعالى وتقديره (حديث محدث) لم يكن هذا في عصر الصحابة والتابعين ولا غاية في تغيير الاصطلاح أيضا فالأليق أن يكون الفقه عاما لأعمال الجوارح والقلب (نعم الاحتراز عن الكلام) وأن كان حديثا محدثا أيضا ولم يكن بين الصحابة والتابعين ولهذا سماه الأمام فقها أكبر وعرف الفقه بما يعمه أيضا وهو معرفة النفس ما لها وما عليها لكنه (عرف معروف) بين المتأخرين فلا بأس بإخراجه (وعرفوه) أى الفقه (بأنه العلم بالأحكام الشرعية) الظاهر أنه أريد به وقوع النسبة أولا وقوعها فحينئذ الأحكام احتراز
Página 12
(10) عن التصورات الساذجة والشرعية أى ما ثبت به احتراز عن نحو السماء كرة والنار محرقة وغير ذلك الكلام ويمكن أن يراد به الحمم الشرعى الذى هو الذى أثر الخطاب لا نفس الخطاب كما لا يخفى ولا يكون لفظ الشرعية زائدا فإن الحكم الشرعى المركب معناه ذلك (عن أدلتها التفصيلية) أى العلم الحاصل عن أدلتها التفصيلية المخصوصة بمسألة مسألة احترز به عن علم المقلد وعلم جبريل وعلم الله عز وجل فلا يحتاج إلى زيادة قيد الاستدلال إلا لزيادة الكشف والإيضاح تم الرسم جمعا ومنعا (وأورد) على الرسم المذكور (أن كان المراد) بالأحكام الشرعية (الجميع فلا ينعكس) لخروج فقه الفقهاء الذين فقاهتهم كالشمس على نصف النهار كالأمام أبى حنيفة والأمام ملك (لثبوت لا أدرى) عن الأمام في الدهر منكرا والأمام مالك في ست وثلاثين مسألة (أو) كان المراد بالأحكام الشرعية (المطلق) أى مطلق الأحكام وأن قتل (فلا يطرد) الرسم (لدخول) معرفة (المقلد العالم) بعض المسائل بالدليل (وأجيب) باختيار الشق الأول و(بأنه) بمعنى الملكة لتحصيل معرفة جميع الأحكام و(لا يضر لا أدرى لأن المراد الملكة) كما عرفت وهى لا تستلزم الحصول بالفعل (فيجوز التخلف) لمانع وربما يقرر باختيار الضق الثاني والتزام أن معرفة المقلد بعض الأحكام عن الدليل فقه ومنع كونه فقيها فإن الفقيه من يكون الفقه ملكة له فتأمل وما قال صدر الشريعة التهيؤ البعيد حاصل لكل أحد حتى للمقلد بل العامى والقريب غير مضبوط ففيه أنها مفسرة بالقوة التى بها يتمكن الإنسان أن يحصل معرفة كل حكم أراد وهذا القدر مضبوط فتدبر (و ) أجيب أيضا باختيار الشق الثاني والقول (بأن المراد بالأدلة الأمارات) والمراد من العلم بالأحكام العلم بوجوب العلم بالأحكام الشرعية الحاصلة عن الأمارات وههنا العلم بوجوب العمل بتوسط الظن الحاصل في الطريق لأن مظنون المجتهد واجب العمل بالإجماع القاطع (وتحصيل العلم بوجوب العمل بتوسط الظن من خواص المجتهد إجماعا) لاحظ للمقلد فيه (وأما المقلد فمستنده قول مجتهده) فما يفتى به المجتهد يعمل به (لا ظنه) أى ظن المقلد مستندا (ولا ظنه) أى ظن المجتهد فحينئذ لا يختل الطرد لأنه يخرج معرفة المقلد حينئذ إذ ليس له علم بوجوب العمل هذا وظنى أنه لا يندفع به الاشكال فإنه سيجئ أن الاجتهاد متجزئ والكلام في المقلد الذى حصل بعض المسائل عن دلائلها فيصدق على معرفتها علم بوجوب العمل بتوسط الظن الحاصل عن أمارته فإن العمل عليه بمقتضى ظنه واجب
Página 14
(11) أيضا (فاعرف الفرق) بين المجتهد ومقلده (حتى لا تقل مثل) قول (من قال كما أن مظنون المجتهد واجب العمل عليه كذلك على مقلده) فوجب العمل عليهما بتوسط الظن الحاصل من الأمارة (فهما سيان)فلا يخرج المقلد وفيه مثل ما مر أن الكلام في المقلد المميز لا العامى وهو الذى يقول أن ظن مجتهدى الذى حصل له من الدليل الفلانى واجب على فالمقلد المميز والمجتهد سيان فالأولى أن يجاب بأن المراد ظن يوجب عليه العمل وليس ظنه الحاصل بالأمارة موجب للعمل فإنه شأن المجتهد والحق أنه لا يسقط مجتهد البعض بهذا الجواب أصلا (نعم) يرد عليه أنه (يلزم أن يكون) الفقه حينئذ (عبارة عن العلم بوجوب العمل بالأحكام لا العلم بها) وبطلانه ضرورى (إلا أن يقال أنه رسم فيجوز باللوازم) كما هو شأن الرسول (وفيه ما فيه) فإن العلم بوجوب العلم وأن كان لازما للعلم بالأحكام في الوجود لكنه غير محمول عليه فلا يجوز الرسم به أيضا اللهم إلا أن يجوز الرسم بالمباين (ومن ههنا) أى مما بين من الحاصل الرسم (علمت اندفاع ما قيل الفقه من باب الظنون) أى أكثره (فكيف يكون علما) فلا يصدق التعريف على أكثر أفراد المعرف وجه الاندفاع أن الفقه عبارة عن العلم بوجوب العمل وهو قطعى لا ريب فيه ثابت بالإجماع القاطع بل ضرورى في الدين وأن كان معرفة الأحكام على سبيل الظن ولا يعبأ بالمخالف لأنه نشأ بعد الإجماع وإنما لا يكفر لأنه لا يسلم الإجماع ومنكر الإجماع إنما يكفر إذا أنكر بعد تسليم تحقق الإجماع والقطع يختلف باختلاف الاشخاص كما سيجئ في بحث الأمر إن شاء الله تعالى فخلاف المخالف لا يضر القطع وللجواب تحرير آخر هو أن الفقه عبارة عن العلم بالأحكام الحاصل بالأمارات لأجل وجوب العمل بحسبه والمقلد وأن حصل له العلم من الأمارة لكن لا يجب عليه العمل بهذا العلم فإن قلت المقلد يعلم وجوب العمل بقول المجتهد وهذا حكم أيضا فقد علم بعض الأحكام لأجل العمل قلت لا يعلم هذا الحكم عن دليله التفصيلى بل أما يعلمه ضرورة من الدين أو بالتقليد المحض وعلى هذا التحرير لا يرد عليه ما أوردبقوله نعم يرد لكن لا يندفع به إيراد ظنية الفقه بل يحتاج في دفعه إلى العلاوة التى أشار إليها بقوله (على أن العلم حقيقة فيما ليس بتصور أيضا) فيتناول الظن واليقين وهو المراد في تعريف الفقه فلا إيراد ثم إن دعوى كون العلم حقيقة فيما يتناول
(12)
Página 16
الظن أيضا لا يخلو عن كدر لأنه مخالف لكتب اللغة والاحرى أن يقول مستعمل فيه استعمالا شائعا فلا بأس بإرادة هذا المعنى (وبعضهم) وهو الإمام صدر الشريعة (جعل الفقه عبارة عن الأحكام القطعية مع ملكة الاستنباط) وعلى هذا يندفع الإيرادان أما الأول فلانا نختار رشقا ثالثا وهو أن المراد البعض المعين الذى هو القطعيات فلا إيراد وأما الثانى فلأن الفقه حينئذ علم قطعى (ويلزم عليه خروج المسائل الثابتة بالأدلة الظنية) كالقياس وخبر الواحد (وهى كثيرة ألا ترى أن السنة المتواترة قليلة جدا) وكذا الإجماعات فالقطعيات أقل القليل فإن قلت أنه يلتزم خروجها قال (والتزام ذلك التزام بلا لزوم) من حجة ولعل حجته أن الظن مذموم من الشارع لا كمال فيه وأقله أنه لا يصلح للمدح عليه وإنما اعتبر ضرورة العمل وإذ قد ثبت من الشارع والصحابة مدح الفقهاء علم أنه علم قطعى ثم أنهم إذ لم يطلقوا الفقيه إلا على من له ملكة الاستنباط علم أن مقارنتها أيضا معتبرة في الفقه الممدوح الكلام فيه (وجعل العمل داخلا في تحديد هذا العلم) أى الفقه (كما ذهب إليه بعض مشايخنا) وهو الإمام فخر الدين الإسلام رحمه الله تعالى (بعيد جدا) عن الصواب لأن الفقه أحد أنواع العلوم المدونة وأيضا يلزم أن لا يكون الفقيه الفاسق فقيها هذا واعلم أنه ليس الكلام في أن الفقه في الاصطلاح ما هو فإنه قليل الجدوى ولكل مصطلح أن يصطلح على ما شاء فلا كلام على أحد بل الكلام في أن الفقه الذى مدح في كلام الشارع والصحابة والتابعين ما هو وحينئذ الحق مع الإمام فخر الإسلام فإن المدح لا يستحقه الفاسق فلابد من اعتبار العمل ولا شناعة في التزام كون الفاسق العارف بالأحكام بالأدلة غير فقيه كيف ولم يعد أحد الحجاج فقيها مع كونه عارفا للأحكام هذا واعلم أنه رضى الله تعالى عنه قال والنوع الثاني علم الفروع وهو الفقه وأنه ثلاثة أقسام علم المشروع بنفسه والقسم الثاني إتقان المعرفة به وهو معرفة النصوص بمعانيها وضبط الأصول بفروعها والقسم الثالث هو العمل به حتى لا يصير نفس العلم مقصود فإذا تمت هذه الأوجه كان فقيها مطلقا وإلا فهو فقيه من وجه دون وجه فتحير المحصلون في فهمه فإن أول كلامه يدل على أن الفقه المجموع وآخره يدل على أن العلم فقط أيضا فقه بل العمل وحده وحرر صاحب الكشف أن الفقه هو المجموع والعلم والعمل كل جزء له فالفقه المستعمل فيه حقيقة قاصرة فهو فقه من وجه دون وجه ويمكن أن يكون مراده أن الفقه عبارة عن القدر المشترك بين المجموع
Página 17
(13) والعلم فالعلم المقارن للعمل على سبيل اليقين أو أعم فقه مطلق أى فرد كامل وإلا أى وأن لم يكن مقارنا له بل يكون علما فقط ولم يكن العالم عاملا به فهو فقه من وجه دون وجه أى فرد ناقص وحينئذ لا يرد خروج فقه الفاسق الفقيه من الفقه ولم يحتج إلى الالتزام المذكور ومعرفة أمثال الحجاج الأحكام من الأدلة غير ظاهرة فلا يقوم دليلا ولا بعد في ممدوحية الفاسق من جهة العلم فإنه مدح من وجه فتأمل ولما فرع عن الحد باعتبار المعنى الاضافى أراد أن يشرع في حد المعنى اللقبى فقال (وأما) حده (لقبا فهو علم بقواعد) أى قضايا كلية يتعرف بها أحوال أفراد الموضوعات (يتوصل بهذا إلى استنباط المسائل الفقهية عن دلائلها) توصلا قريبا كما يتبادر من الباء فخرج الصرف والنحو ومعنى التوصل القريب أن يكون الواقع كبرى أو ملازمة عند تطبيق الأدلة مأخوذة من تلك القواعد كما مر وعلمت أيضا أن أمثال الإجماع لا ينسخ والقياس لا يخصص العام لغير المخصوص لها دخل في أخذ تلك الكبرى أو الملازمة فلا تخرج عنه (قيل حقائق العلوم المدونة مسائلها المخصوصة أو إدراكاتها) فإن أخذت المسائل المناسبة بوجه تسمى بعلم وبوجه آخر تسمى بعلم آخر وربما تسمى إدراكاتها بذلك العلم والمسائل غير محمول بعضها على بعض ولا على المجموع فالعلوم مركبة من أجزاء غير محمولة (فالمفهومات الكلية التى تذكر في المقدمات لأجل البصيرة رسوم) لا حدود (بناء على أن المركب من أجزاء غير محمولة كالعشرة لا جنس له ولا فصل وإلا لزم تعدد الذاتى) بل تعدد حقيقة المركب وفي المشهور أنه لا يلتئم الحد إلا من الأجزاء المحمولة وبعض المحققين قرر الكلام بأن حد العلم لا يصلح أن يكون مقدمة لأن حد عبارة عن العلم بالمسائل فلو كان مقدمة لزم خروجه ودخوله وتوقف الشئ على نفسه وهذا أيضا موقوف على عدم كونه مركبا من الجنس والفصل ثم لقائل أن يقول للمسائل إدراكان تصورى فإن التصور يتعلق بكل شئ وتصديقى فيجوز أن يكون باعتبار العلم التصديقى مقصودا متوقفا فلا إشكال (وفيه) في هذا المبنى عليه (نظر أشرت إليه في السلم) من أن الأجزاء المحمولة مغايرة بالاعتبار لغير الحمولة فلا تعدد في الحقيقة وتفصيله فيه واعلم أن هذا المبنى عليه وإن كان فاسدا لكن العلوم لكونها حقائق اعتبارية لا تركيب فيها إلا من المسائل الغير المحمولة وليس لها جنس ولا فصل بالضرورة الوجدانية ثم المفهومات المذكورة في المقدمة ليست مأخوذة من المسائل بأن
Página 19
(14) تكون إذا أخذت لا بشرطنئ كانت عين تلك المفهومات بالضرورة الوحدانية الغير المكذوبة (نعم يلزم) على هذا التقدير (اتحاد التصور والتصديق حقيقة) لأن العلم بالحد علم تصورى والإذعان بها تصديقى وقد تعلقا بشئ واحد وهو المسائل (مع أنهما نوعان) متباينان (تحقيقا) عندهم (فتفكر) اعلم أن هذا الإيراد لم ينشأ من هذا بل وارد على كل تقدير مبناه أن التصور يتعلق بكل شئ فيتعلق به التصديق والعلم والعلوم متحدان بالذات فيلزم الاستحالة قطعا ولا يمكن الجواب عن هذا إلا بعد إنكار الاتحاد بين العلم والمعلوم وليس هذا موضع كشف أمثال هذه الإشكالات (ثم اختلف في أسماء العلوم) وكذا في أسماء الكتب أيضا (فقيل) هى (أسماء جنس) موضوعه لمجموع المسائل المعتد بها الصادقة على ما في أذهان كثير من الناس وربما يزيد وينقص وربما يلوح من الشرح أنها موضوعة للقليل والكثير بالوضع العام كوشع هذا (وهو الظاهر) فإن معانى تلك الأسامى كلية فلا عملية والعملية الجنسية تقديرية وما استدل به من أنه يصح دخول اللام والإضافة وهما من علائم كونها أسماء أجناس فليس بشئ لا لما قيل أنه لا يدخل على أصول الفقه ولا تصح إضافته وإن دخل على أحد جزأيه وأضيف فإنه لا كلام في خصوص هذا اللفظ ولا لما قيل أيضا أن دخول اللام في كلام المولدين لأنه وقع في كلام الله عز وجل بل لأن الاعلام التى كان فيها المعنى الوصفى دخول اللام عليه فصيح كالحسن والحسين وكذا الإضافة لأدنى ملابسة مع بقاء معنى العملية كعمرنا أى العمر الذى هو سيدنا ونرجو مدده في كل هول من الأهوال وبعد التجريد تصح الإضافة بلا ريب نعم يصح الاستدلال بوقوع لفظ القرآن منصرفا (وقيل) ليست أسماء جنسية (بل أعلام جنسية قلنا تثبت) الاعلام الجنسية (بالضرورة) فإنه وجد في بعض الألفاظ علائم المعارف ولم يوجد التعريف فقدر العملية الجنسية كالعدل التقديرى (وليست) الضرورة متحققة هناك وما قيل في إثبات العملية الجنسية أن المسائل الحاصلة في الأذهان الكثيرة يقال أنها واحدة فدخل في معناه التعبن والوحدة وإذ ليس شخصيا فهو نوعى ففيه أن غاية ما لزم أنه عرض لمعناه نوع وحدة وهو مسلم بل لمعنى كل اسم جنس لكن ما يلزم أنه داخل في الموضوع له حتى يكون معرفة وعلما (وقيل) ليست أسماء جنسية ولا أعلاما كذلك (بل) أعلام (شخصية) لكون معانيها متشخصة إذ لو كان كليا لكان له أفراد ولا يصلح
(15)
Página 21
للفردية ههنا غير المسائل ولا يصدق عليها (إذ لا يصدق الفقه مثلا على مسألة مسألة أقول وفيه أنه منقوض بالبيت) إذ تجرى فيه مقدمات الدليل إذ لو كان له أفراد لكان الجدار والسقف ولا يصدق البيت عليه فلزم العملية وليس علما (والحل) أى حل كلام القائل (أن المعنى الكلى قد يكون مركبا من أجزاء متفقة) في أنفسها كما ينادى عليه قوله (نحو الأربعة) وعلى هذا لا يظهر لذكر هذا التعميم فائدة والأولى أن يعمم هكذا سواء كانت تلك الأجزاء موافقة للكل في الحقيقة كالأجزاء المقدارية كما في الماء (أو مختلفة) كأجزاء الماهية (كالسكنجبين فلا يلزم من عدم الصدق على البعض الشخصية) ولا نسلم أنه لو كان لهذه المفايهم أفراد لكانت هى كل مسألة بل مجموع المسائل متشخصة بتشخصات في أذهان كثيرة فحينئذ لا شخصية فأنصف * ولما فرغ عن رسم العلم شرع في بيان الموضوع فقال (وموضوعه الأدلة الأربعة إجمالا) لا مطلقا بل حال كونها (مشتركة في الإيصال إلى حكم شرعى) ولأجل هذا الاشتراك لم يتعدد علم الأصول بتعدد الموضوع ثم لما كان موضوع الأصول الأدلة لم تكن حجية هذه الحجج من الأصول لكن من أى علم هو فيه خلاف فمن زاعم زعم أنه من الفقه وأشار إليه المصنف بقوله (وما قيل أن البحث عن حجية الإجماع والقياس من الفقه إذ المعنى) من حجيتهما (أنه يجب العمل بمقتضاهما) فقد أثبت الوجوب للعمل الذى هو فعل المكلف فدخلت في الفقه (ففيه أن هذا) أى وجوب العمل (فرع الحجية) لا نفسها وكان الكلام في أن إثبات الحجية من أى علم هو وليس من الفقه البتة (على أن جواز العمل أيضا من ثمرات الحجية فلا يصح دعوى وجوب العمل عموما ولعله أنما ذكر وجوب العمل مثلا ولا يضر هذا أصل المقصود وللقائل كما لا يخفى ومن زاعم زعم أنها ليست من علم وإليه أشار بقوله (ومن قال ليست مسألة أصلا لأنها ضرورية وبينة) والضروريات لا تثبت في علم أصلا (فقد بعد) عن الحق (لأنه وأن سلم) أنها ضرورية (إنا فلا يسلم) أنها ضرورية (لما) فلابد من البحث عن لميتها قال واقف أسرار الأصول والفروع أن في نقل المصنف اضطرابا فإنه نقل في كتاب آخر له أن القياس على تقدير كونه فعلا فمن الفقه وأما أن كان عبارة عن المساواة المعتبرة شرعا فحجيته ضرورية وبينة كما سيصرح في السنة أن حجيتها ضرورية
(16)
(ومنها) المبادئ (المنطقية لأنهم) أى المتأخرين منهم (جعلوه جزأ من الكلام) وإنما جعلوه جزأ منه لأن المقصود بالذات في الكلام تحصيل اعتقاد الوحدانية والصفات والنبوات والمعاد ونحوها التى تورث الغفلة عنها الشقاوة العظيمة لكن لما كان إثبات هذه بالاستدلال العقلى أو السمعى ولابد للاستدلال من مقدمات عقلية كمباحث الأمور العامة والجواهر والأعراض وكذا لابد من معرفة كيفية أنتاج تلك الاستدلالات للمطالب وهى المباحث المنطقية فجعلوا موضوع الكلام الموجود المطلق أعم الأشياء وبحثوا عن عوارضها من حيث أنها موحية للعقائد الدينية أو وسيلة إليها فدخل المنطق لهذا الوجه (وقد فرغنا عنها) أى المبادئ الكلامية (في السلم والإفادات والآن نذكر طرفا ضروريا) له حاجة شديدة وهى عدة مسائل منها (النظر وهو ترتيب أمور معلومة ليتأدى إلى مجهول واجب) كونها من الكلام غير ظاهر بل الموضوع الفعل النفسى للمكلف والمحمول الوجوب فهو من الفقه أن عمم وإلا فمن التصوف إلا أن يقال لا تنافى بين هذا وبين
Página 22
(17) كونها من الكلام فإن المقصود ربما يكون من حيث أنه وسيلة إلى معرفة الله تعالى فحينئذ كلامى وأن كان المقصود نفس معرفة حال النظر من الوجوب والحرمة فمن الفقه بل التصوف (لأنه مقدمة للواجب) الذى هو المعرفة الألهية ومقدمة الواجب واجب هذا إنما يقبل الوجوب بالنظر إلى قواصر العقول كأمثالنا وأما من لهم نور من الله فتنكشف عليهم حقيقة الأمر بديهة فلا يحتاجون إلى النظر كما حكى عن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى بكر الصديق أنه آمن بنفس بصيرته ولم يحتج إلى ظهور المعجزة ومنها (البسيط لا يكون كاسبا) لشئ من المركب والبسيط (لأنه لا يقبل العمل) أى الحركة الثانية (ولا) يكون (مكتسبا) بكهنه (لأن العارض لا يفيد الكنه) ولا ذاتى له ومنها (الماهية المطلقة) أى لا بشرط شئ (موجودة) بعين وجود الأشخاص لا فرق بينهما إلا بالاشتراك والتعين (والا) تكن موجودة (لكان كل قطرة من الماء حقيقة على حدة) لانه يلزم على هذا التقدير أن لا يكون في قطرات حقيقة مشتركة (وقد تقرر تماثل الجواهر) فالتالى باطل (وفيه ما فيه) لأنه أن أريد بتماثل الجواهر الاشتراك في الأوصاف والعوارض فمسلم لكم لا ينافى تخالف الحقيقة وأن أريد الاتفاق في الحقيقة فالتماثل لم يثبت بعد ومن ادعى فعليه البيان (أقول) في إثبات التماثل (على طور الحكمة) لا الكلام أن الجزء الذى لا يتجزأ في الجهات باطل لأنه (لو كان الجزء حقا فلتكن) زاوية (قائمة كل ضلع منها جزأن فالوتر لا يكون ثلاثة بالحمارى) القاضى بأ، الوتر أقصر من الضلعين ومقدار الضلعين ههنا ثلاثة أجزاء لكون الواحد مشتركا (ولا) يكون (اثنين) أيضا (بالعروس) الحاكم بأن مربع الوتر مساو لمربعى الضلعين ومربعا الضلعين ههنا ثمانية ومربع الاثنين أربعة وبوجه آخر لو كان الوتر اثنين لكان مساويا لواحد من الضلعين فتكون الزاويتان الموترتان لهما متساويتين بعكس المأمونى فيلزم أن يكون في مثلث زاويتان قائمتان هذا خلف وإذ بطل كون الوتر ثلاثة أجزاء وجزأين تعين الشق الثالث المشار إليه بقوله (بل بينهما) أى بين الثلاثة والاثنين (فبطل الجزء فثبت الاتصال) كما قرر في موضعه من بطلان التركيب من أجزاء غير متناهية وحينئذ فنقول هذا المتصل قابل للقسمة إلى جزأين متماثلين متوافقين في الحقيقة (فلزم الاتحاد حقيقة
(18)
Página 24
لأن المتباينين) في الحقيقة (لا يتصلان) حقيقة (بل يتماسان) لأن الاتصال يقتضى وحدة الوجود والتشخص والاختلاف بالحقيقة يأباهما (كما قال ابن سينا) صاحب كتاب الشفاء في الحكمة (فافهم أن هذا السائح عزيز) ربما يشكل فيه بأن الانفصال يعدم ذات الاتصال ويحدث موجودان آخران من كتم العدم فحينئذ لقائل أن يقول يجوز أن يكون المتصل الواحد هوية واحدة شخصية اتصالية هى حقيقتها وبعد طريان الانفصال يحدث حقيقتان أخريان ومن هذا لا يلزم الاتصال بين الأمور المتخالفة بالحقيقة هذا العلة يكون مكابرة عند الحدس الصائب فإن الانفصال وإن كان إعداما وإيجاد الكن لا يحدث بعد الفصل إلا الأجسام الموافقة للكل في الحقيقة ضرورة وأن كان ذلك مكابرة وأيضا نحن لا نحتاج في تقرير الكلام إلى الانقسام الكلى بل يكفى الوهمى الذى هو غير معدوم كما لا يخفى على ذى بصيرة ثاقبة ومنها (المعرف ما منع الوالج) أى الداخل (من الخروج والخارج من الولوج) وهذا ليس تعريفا للمعرف وإلا يلزم عدم الاطراد لصدقه على كل مساو للشئ بل بيان لحكم المعرف (فيجب الطرد) أى صدق قضية كلية موضوعها المعرف ومحمولها المعرف (والعكس) أى كلما صدق عليه المعرف صدق عليه المعرف واعلم أن التعريف ليس فيه إلا تصوير محض لا يصلح لأن يعترض عليه بنوع من أنواع الاعتراض لكن ههنا دعاوى ضمنية فتتوجه إليها الاعتراضات من المعارضة والنقض والمنع فأما المعارضة فلا تصلح بإقامة الدليل على بطلانه فإنه ما أقام المعرف دليلا على صحته فيئول إلى النقض وإنما تصح بإحداث معرف آخر فهذا لا يصح إلا في التحديد وليس لهذه كثير نفع وأما المنع فإن كان مجردا فلا ينفع وإن كان مع الشاهد فالنافع الشاهد فيؤل إلى النقض ولذا قال (وجميع الإيرادات على التعريف ؟) نقوض و(دعاوى) فلابد للمورد من إقامة الدليل (ويكفى في جوابها المنع وهو) أى المعرف (حقيقى إن كان بالذاتيات) هذا بخلاف الاصطلاح المشهور في المنطق فإن الحقيقى عندهم مقابل للفظى يتناول الحد والرسم وربما يطلق على ما بحسب الحقيقة وهو ما يكون المقصود منه الوصول إلى حقيقة المعرف الموجود (ورسمى أن كان باللوازم) الخارجة عن حقائق الموجودات (ولفظى) إن كان (بلفظ) أشهر (مرادف) ففيه إحضار ما كان
Página 25
(19) حاصلا (وقد أجير) في اللفظى (بالأعم والذاتى ما فهمه) يكون داخلا (في فهم الذات وقيل) الذاتى (ما لا يعلل وينقض بالإمكان) فإنه عرض للممكن مع أنه يصدق عليه أنه لا يعلل (إذ لا إمكان بالغير وأورد) لإبطال الاكتساب بالتعريفات أنتعريف الشئ أما نفس ماهيته أو مؤلف من أجزائها أو من العوارض (تعريف الماهية بنفسها أو أجزائها تحصيل الحاصل) فيكونان باطلين أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلأن نفس الشئ عبارة عن جميع الأجزاء (والعوارض خارجة) عن ماهية الشئ (فلا تتحصل بها الحقيقة) فبطل أقسام التعريف بأسرها فبطل الاكتساب بالتعريفات (والجواب) إنا نختار (أن) المعرف مؤتلف من الأجزاء ونقول (التصورات المتعلقة بالأجزاء تفصيلا إذا رتبت وقيدت فهذا المجموع) المفصل (هو الحد الموصل إلى الصورة الوجدانية المتعلقة بجميع الأجزاء) أيضا لكن (على الإجمال وهو المحدود) فالفرق بينهما بالإجمال والتفصيل (فهناك تحصيل أمر لم يكن حاصلا) قبل الكسب وهو الإجمال (فتدبر) وههنا كلام طويل لا يسعه المقام وإن شئت الاطلاع عليه فارجع إلى شرح السلم وإلى حواشينا على الحواشى الزاهدية المتعلقة بشرح المواقف ولما فرغ عن المعرف شرع في الدليل فقال (ثم الدليل) في اصطلاحنا (ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبرى كالعالم) وهو الأصغر باصطلاح المنطق (وقد يخص بالقطعى) فالدليل على هذا ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبرى قطعى (ويسمى الظنى) أى ما يمكن التوصل فيه إلى خبرى ظنى (أمارة) ثم شرع في بيان طريق النظر فقال (والانتاج مبنى على التثليث إذ لابد) للمطلوب من الطرفين ولا يكفيان بل لابد (من واسطة) بينهما (فوجب المقدمتان ومن ههنا) أى من أجل أن الانتاج موقوف على المقدمتين (قال المنطقى هو) أى الدليل (قولان) أى قضيتان إطلاقا للاعم على الاخص (يكون عنه قول آخر) أى قضية أخرى (وهو يتناول) القياس و(الاستقراء والتمثيل) وقياس المساواة وغيرها مما فيه لزوم بواسطة مقدمة أجنبية (وقد يقال) الدليل قول المؤلف من قولين (يستلزم لذاته قولا آخر فيختص بالقياس) قال أهل المنطق الاستقراء والتمثيل لا يلزم منهما شئ وفيه نظر ظاهر لأن شأن التمثيل والقياس واحد فإن حاصل
(20)
Página 27
التمثيل أن علة هذا الحكم موجودة في مادة أخرى فيلزم قطعا وجوب وجود الحكم لو سلم كما أن القياس لا يلزم منه شئ إلا إذا سلم مقدماته وإنما تجئ الظنية فيه لأجل ظنية المقدمات كما في القياس الخطابى فالأولى أن لا يخرج (وله) أى القياس (خمس صور قريبة) إنتاجا وأما غير القريبة فكثيرة كالشكل الرابع وصور القياس الاقترافى الشرطى ولا يحتاج إليها في الأكثر (الأولى أن يعلم حكم) إيجابا كان أو سلبا (لكل أفراد شئ) موضوع هذا حاصل الكبرى (ثم يعلم ثبوته) أى ثبوت هذا الشئ الموضوع (للآخر) الموضوع (كلا أو بعضا) أى لكل فرد منه أو بعضه هذا حاصل الصغرى (فيلزم) منهما (ثبوت ذلك الحكم للآخر) إيجابا كان أو سلبا (كذلك بالضرورة فلابد من إيجاب الصغرى) وكلية الكبرى (وما في التحرير إلا في مساواة طرفى الكبرى) يكفى سلب الصغرى فإن السلب عن أحد المتساويين يستلزم السلب عن الآخر (فليس بشئ لأنه) أى هذا الانتاج (ليس لذاته) بل بملاحظة أن حكم المتساويين واحد وهذه مقدمة أجنبية وهذا إنما يرد عليه لو كان قيد بقيد لذاته وإلا لا (وأورد) عليه أن القياس المركب من سالبة صغرى وموجبة سالبة الموضوع كبرى منتج مع انتفاء إيجاب الصغرى كقولنا (أليس ب وكل ما ليس ب ج) ينتج أج (والجواب أن السلب من حيث هو هو رفع محض وعقد الوضع في الكبرى لا يخلو عن ملاحظة الثبوت) بالإمكان أو بالإطلاق لأن معنى القضية أن ما صدق عليه العنوان كذا أو ليس كذا (فإن لاحظته) أيها المورد (في الصغرى) أيضا (فلا سلب بل إيجاب سلب) وصارت الصغرى معدولة أو سالبه المحمول (وإلا) لاحظت الثبوت أيها المورد (فلا اندراج) للأصغر تحت الأوسط وليس إلا بملاحظة مقدمة أجنبية فافهم (و) الصورة (الثانية أن يعلم حكم لكل أفراد شئ) هذا حاصل الكبرى (و) يعلم (مقابله) أى مقابل ذلك الحكم إيجابا كان أو سلبا (للآخر كله أو بعضه) هذا حاصل الصغرى (فيعلم منه سلب ذلك الشئ عن الآخر كذلك) كلا أو بعضا (بتأمل ما) فإنه بعكس الكبرى يرتد إلى الأولى والحق أن إنتاج هذه الصورة أيضا ضرورى لأن الحكمين المتقابلين لا يكونان لأمر واحد فلابد من مغايرة ذاتى الأصغر والأكبر فيصدق سلب الأكبر عن ذات
Página 28
(21) الأصغر بالضرورة وموضع إشباع الكلام مقام آخر (وما في المختصر أن لا إنتاج إلا بالأول) لأن الصور الباقية ترتد إليه بالعكس فهى دائرة مع الأول وجودا وعدما (فادعاء) من غير دليل كيف لا والنتيجة لازمة لكليهما (لأن اللزوم لا لمقدمة أجنبية) بل بالذات (يجوز أن يكون مع متعدد والدوران مع الأول) وجودا وعدما (لا ينافيه) أى لا ينافى اللزوم لا لمقدمة أجنبية (و) الصورة (الثالثة أن يعلم ثبوت أمرين لثالث) موضوع (وأحدهما) أى أحد الحكمين (كلى فيعلم التقاؤهما فيه) أى يعلم التقاء ذينك الأمرين الثابتين لثالث في هذا الثالث فيلزم ثبوت واحد من الأمرين لبعض الآخر (أو يعلم ثبوت أمر له) أى لثالث (مع عدم ثبوت الآخر له لذلك) الثالث (فيعلم عدم التقائهما ما فيه) فيلزم صدق سلب هذا الآخر عن بعض الأمر الأول (فلا يكون اللازم إلا جزئيا موجبا أو سالبا) كما يظهر بأدنى تأمل (و) الصورة (الرابعة أن تثبت الملازمة بين أمرين فينتج فيه وضع المقدم وضع التالى وإلا) يلزم وجود المقدم من غير وجود التالى (فلا لزوم) بينهما هذا خلف (ولا عكس) أى لا ينتج وضع التالى وضع المقدم (لجواز أعمية اللازم) فلا يلزم تحققه الملزوم الأخص (والرفع بالعكس) أى ينتج رفع التالى رفع المقدم وإلا لزم تخلف عن اللازم فلا لزوم ولا ينتج رفع المقدم رفع التالى لجواز أخصية الملزوم فلا يلزم من إرتفاعه لازمه الأعم (وأورد منع استلزام الرفع الرافع) أى منع استلزام رفع اللازم رفع الملزوم (لجواز استحالة انتفاء اللازم فإذا وقع) هذا الانتفاء المحال (جاز عدم بقاء اللزوم) وكيف لا والمحال يجوز أن يستلزم محالا (فلا يلزم انتفاء الملزوم) على هذا التقدير (أقول) في الجواب (اللزوم حقيقة امتناع الانفكاك في جميع الأوقات والتقادير) لأن اللزوم هنا كلى (فوقت الانفكاك وهو وقت عدم بقاء اللزوم داخل فيه فيرجع إلى منع) صدق (اللزوم وقد فرض هذا خلف فتدبر) وفيه أنه قد تقرر في المنطق أن المعتبر في كلية الشرطية اللزوم على جميع التقادير الممكنة الاجتماع مع المقدم ويجوز أن يكون هذا التقدير مستحيل الاجتماع فلا يرجع إلى منع صدق الشرطية وأيضا قد بين في زبر المتأخرين الشرطية الجزئية مع الاستثناء الكلى ينتج الرفع الرفع وعلى هذا التقدير لا يتوجه الجواب المذكور فالصواب في الجواب
(22)
Página 30