Fawaid
فوائد ابن الباغبان (مطبوع ضمن كتاب جمهرة الأجزاء الحديثية)
Editorial
مكتبة العبيكان
Edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
Ubicación del editor
الرياض
Géneros
moderno
كُنْتُ أُقرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، أَتَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَنَحْنُ بِمِنًى، فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ رِجَالا، يَقُولُونَ لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ بَايَعْنَا فُلانًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي قَائِمٌ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوا النَّاسَ بَيْعَتَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْحَجَّ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ، وَغَوْغَاءَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، وَإِنَّكَ إِنْ قُلْتَ فِيهِمُ الْيَوْمَ مَقَالَةً لَمْ يَحْفَظُوا، وَلَمْ يَعُوهَا، وَلَمْ يَضَعُوها مَوَاضِعَهَا، فَيَطَّيَّرُونَ بِكَ كُلَّ مُطَيَّرٍ، فَلَوْ أَمْهَلْتَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَقُومُ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، كَانَ أَجْدَرَ أَنْ يَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ، وَأَنْ يَعُوهَا وَيَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا.
فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَئِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، لَأَقُومَنَّ بِهَا فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْجُمُعَةُ، هَجَّرْتُ للذي حَدَّثَنِي ابْنُ عَوْفٍ، وَلا أَدْرِي أَنَّ أَحَدًا يَسْبِقُنِي، فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ تَحُكُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَيَقُولَنَّ الْيَوْمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَغَضِبَ سَعِيدٌ، وَقَالَ لِي: أَيُّ مَقَالَةٍ عَسَى أَنْ يَقُولَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ؟ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ، خَرَجَ عُمَرُ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ " أَمَّا بَعْدُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، وَلا
1 / 307