والجيش الجائش، والترك والاكادش. والجنود والبنود والأسود السود. والفيالق الفوالق. والبيارق البوارق. وبنات الأغماد قد برزن من خدورها حبا لمعانقة العدا، ظامنات إلى ورود الوريد وما أحسن حلى نجيع الكفر على عرائس الهدى.
والعزم يستنهضه، والعز يحرضه، والدين يستبطيه، والنصر يستعطيه. والقدر يحركه، والظفر يدركه. والكفر قد مات من ذعره، والإسلام قدمت بعذره. وهو ينتظر أمرا من أبيه يأتيه بما يأتيه، ويكتب إليه ويقتضيه، من رأيه بما رأيه يقتضيه.
ولما استمر تأخر الأمر استمر التأخير، وقدم في الإقدام التبكير والتكبير. وانتهز الفرصة وأحرز الحصة. وانتخى وانتخب الأجناد الانجاد، وجرد الجرد واستجاد الجياد. وسرى السرية السرية، وأمرها بالغارة على الغرة بأعمال طبرية. و(عليهم) مظفر الدين بن زين الدين على كوجك المقدم المقدام، والهمام الهمام، والأسد الأسد. والأرشد الأشد. وعلى عسكر دمشق قايماز النجمي. وعلى عسكر حلب دلدرم الياروقي. فساروا مدججين، وسروا مدلجين. وصبحوا صفورية وساء صباح المنذرين.
فخرج إليهم الفرنج في جمع شاك، وجمر ذاك. وقنطاريات طائرات، وسابريات سابغات. وللداوي دوى. وللاسبتارى هوى. والباروني يقدم على البوار، والتركبولي يلقي نفسه على النار.
وقد ثاروا والثار قد وقد، والجو قد عقد. وقد انصدع زجاج الزجاج، وارتجز عجاج العجاج. وانفض الفضاء، وانقض القضاء. وكادوا يفلون الجمع ويجمعون
الفل، ويحلون العقد ويعقدون ما انحل.
فثبت قايماز النجمي في صدورهم، واشرع الأسنة إلى نحورهم. وروى اللهاذم من تامورهم وعطف مظفر الدين يشلهم ويفلهم. لا يكترث بكثرتهم ويستقلهم. ولقيهم دلدرم بالوجه الابيض، والعزم الانهض. والجد الأجد، والحد الأحد. وانجلى الغبار وقد عم الفرنج القتل والإسار، وفجع بقتل مقدمهم الاسبتار. وأفلت مقدم الداوية وله حصاص، ووقع الباقون ولم يكن لهم من الهلك محاص. وأخلفت رنة السراء أنة الإسراء، وكانت هذه النوبة بلا نبوة. والهبة بلا هبوة.
وسكنت القلوب بهذه الحركة، وركنت النفوس إلى هذه البركة. وسارت البشرى وسرت، ودارت النعمى ودرت. وعد ذلك من إقبال الملك الأفضل وفضل الملك المقبل. وحسنت السنة بالنصر وأحسنت الألسنة في الشكر. هذا والعساكر في كل يوم يفدون ويفيدون. وفيما يجدون الطريق إليه من النكاية في العدو يجدون ويجيدون. وجاءتنا البشارة ونحن بالكرك فأيقنت الآمال بالنجح والدرك. وسار سلطاننا الملك الناصر صلاح الدين ووصل السير بالسرى، وخيم بعشترا فغصت بسيول الخيول الوهاد والذرا. واجتمع به ولده، وقر عينا بشبل العرين أسده.
وما رأيت عسكرا أبرك منه ولا أكبر، ولا أكرث للكفر ولا أكثر. وكان يوم عرضه
1 / 43