Fath Qadir
فتح القدير
Editorial
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٤ هـ
Ubicación del editor
بيروت
بِأَنَّهَا أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ وَخَالَفُوا مَوْعِدَ نَبِيِّهِمْ ﵇، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أَيْ مِنْ بَعْدِ عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، وَسُمِّيَ الْعِجْلُ عِجْلًا لِاسْتِعْجَالِهِمْ عِبَادَتَهُ كَذَا قِيلَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ هَذَا الِاسْمَ عَلَى وَلَدِ الْبَقَرِ. وَقَدْ كَانَ جَعَلَهُ لَهُمُ السَّامِرِيُّ عَلَى صُورَةِ الْعِجْلِ. وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ لِكَيْ تَشْكُرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَفْوِ عَنْ ذَنْبِكُمُ الْعَظِيمِ الَّذِي وَقَعْتُمْ فِيهِ. وَأَصْلُ الشُّكْرِ فِي اللُّغَةِ: الظُّهُورُ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَابَّةٌ شَكُورٌ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَنِ فَوْقَ مَا تُعْطَى مِنَ الْعَلَفِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشُّكْرُ: الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِمَا أَوْلَاكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، يُقَالُ شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ، وَبِاللَّامِ أَفْصَحُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ، وَالشُّكْرَانُ خِلَافُ الْكُفْرَانِ. وَالْكِتَابُ: التَّوْرَاةُ بِالْإِجْمَاعِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْفُرْقَانِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَقُطْرُبٌ: الْمَعْنَى آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ وَمُحَمَّدًا الْفَرْقَانَ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا غَلَطٌ أَوْقَعَهُمَا فِيهِ أَنَّ الْفَرْقَانَ مختص بالقرآن وليس كذلك، فقد قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ «١» وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْفُرْقَانَ هُوَ الْكِتَابُ أُعِيدَ ذِكْرُهُ تَأْكِيدًا. وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ ... أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الْهَيْثَمِ
وَقِيلَ: إِنَّ الْوَاوَ صِلَةٌ، وَالْمَعْنَى آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ الْفَرْقَانَ، وَالْوَاوُ قَدْ تُزَادُ فِي النُّعُوتِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ
وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ الْمُنَزَّلَ جَامِعٌ بَيْنَ كَوْنِهِ كِتَابًا وَفَارِقًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ «٢» وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، أَنْجَى هَؤُلَاءِ وَأَغْرَقَ هَؤُلَاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْفُرْقَانُ: انْفِرَاقُ الْبَحْرِ وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ: الْفَرَجُ مِنَ الْكَرْبِ وَقِيلَ: إِنَّهُ الْحُجَّةُ وَالْبَيَانُ بِالْآيَاتِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَصَا وَالْيَدِ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا أَوْلَى وَأَرْجَحُ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ عَلَى بَابِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ وَالْآيَاتِ الَّتِي أَرْسَلْنَاهُ بِهَا مُعْجِزَةً لَهُ. قَوْلُهُ: يَا قَوْمِ الْقَوْمُ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ «٣»، ثم قال: وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ «٤»، ومنه: وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ «٥» أَرَادَ الرِّجَالَ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ كَقَوْلِهِ تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ «٦» وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْقَوْمِ عَبَدَةُ الْعِجْلِ. وَالْبَارِئُ: الْخَالِقُ، وقيل إن البارئ هو المبدع المحدث، والخالق هو المقدّر الناقل من حال إلى حال، وفي ذكر الْبَارِئَ هُنَا إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ جُرْمِهِمْ: أَيْ فَتُوبُوا إِلَى الَّذِي خَلَقَكُمْ وَقَدْ عَبَدْتُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَتُوبُوا لِلسَّبَبِيَّةِ: أَيْ لِتَسَبُّبِ التَّوْبَةِ عَنِ الظُّلْمِ، وَفِي قَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا لِلتَّعْقِيبِ: أَيِ اجْعَلُوا الْقَتْلَ مُتَعَقِّبًا لِلتَّوْبَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَبَدَةِ الْعِجْلِ بِأَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ بِيَدِهِ قِيلَ: قَامُوا صَفَّيْنِ وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقِيلَ: وَقَفَ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ وَدَخَلَ الَّذِينَ
(١) . الأنبياء: ٤٨. (٢) . الأنعام: ١٥٤. (٣) . الحجر: ١١. (٤) . الحجر: ١١. (٥) . الأعراف: ٨٠. [.....] (٦) . نوح: ١.
1 / 101