185

Fath Qadir

فتح القدير

Editorial

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٤ هـ

Ubicación del editor

بيروت

وَتَصْرِيفُ الرِّيَاحِ فَإِنَّ مَنْ أَمْعَنَ نَظَرَهُ وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا انْبَهَرَ لَهُ، وَضَاقَ ذِهْنُهُ عَنْ تَصَوُّرِ حَقِيقَتِهِ. وَتَحَتَّمَ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ صَانِعَهُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا جَمَعَ السموات لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، كُلُّ سَمَاءٍ مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ جِنْسِ الْأُخْرَى، وَوَحَّدَ الْأَرْضَ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التُّرَابُ. وَالْمُرَادُ بِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَعَاقُبُهُمَا بِإِقْبَالِ أَحَدِهِمَا وَإِدْبَارِ الْآخَرِ، وَإِضَاءَةِ أَحَدِهِمَا وَإِظْلَامِ الْآخَرِ. وَالنَّهَارُ: مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: أَوَّلُ النَّهَارِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَلَا يُعَدُّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ النَّهَارِ. وَكَذَا قَالَ ثَعْلَبٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ... حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ. وَقَسَّمَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الزَّمَانَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمًا جَعَلَهُ لَيْلًا مَحْضًا، وَهُوَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقِسْمًا جَعَلَهُ نَهَارًا مَحْضًا، وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا. وَقِسْمًا جَعَلَهُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لِبَقَايَا ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَمَبَادِئِ ضَوْءِ النَّهَارِ. هَذَا بِاعْتِبَارِ مُصْطَلَحِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ: فَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ. وَالْفُلْكُ: السُّفُنُ، وَإِفْرَادُهُ وَجَمْعُهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ هَذَا، وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ «١» وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ وَقَالَ: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «٢» وَقِيلَ: وَاحِدُهُ فَلَكٌ بِالتَّحْرِيكِ، مِثْلَ أُسْدٍ وَأَسَدٍ. وَقَوْلُهُ: بِما يَنْفَعُ النَّاسَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا: مَوْصُولَةً أَيْ: بِالَّذِي يَنْفَعُهُمْ، أَوْ مَصْدَرِيَّةً: أَيْ بِنَفْعِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِمَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ: الْمَطَرُ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْعَالَمِ وَإِخْرَاجُ النَّبَاتِ وَالْأَرْزَاقُ. وَالْبَثُّ: النَّشْرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: بَثَّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَأَحْيا لِأَنَّهُمَا أَمْرَانِ مُتَسَبَّبَانِ عَنْ إِنْزَالِ الْمَطَرِ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنَّ الظَّاهِرَ عَطْفُهُ عَلَى أنزل. والمراد بتصريف الرياح: إرسالهما عَقِيمًا، وَمُلَقِّحَةً، وَصِرًّا، وَنَصْرًا، وَهَلَاكًا، وَحَارَّةً، وَبَارِدَةً، وَلَيِّنَةً، وَعَاصِفَةً، وَقِيلَ: تَصْرِيفُهَا: إِرْسَالُهَا جَنُوبًا، وَشَمَالًا، ودبورا، وصبا، ونكباء، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي بَيْنَ مَهَبَّيْ رِيحَيْنِ وَقِيلَ: تَصْرِيفُهَا: أَنْ تَأْتِيَ السُّفُنَ الْكِبَارَ بِقَدْرِ مَا تَحْمِلُهَا وَالصِّغَارَ كَذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ التَّصْرِيفِ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. وَالسَّحَابُ سُمِّيَ سَحَابًا: لِانْسِحَابِهِ فِي الْهَوَاءِ، وَسَحَبْتُ ذَيْلِي سَحْبًا، وَتَسَحَّبَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ: اجْتَرَأَ. وَالْمُسَخَّرُ: الْمُذَلَّلُ، وَسَخَّرَهُ: بَعَثَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَقِيلَ: تَسْخِيرُهُ: ثُبُوتُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ وَلَا عَلَائِقَ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَالْآيَاتُ: الدَّلَالَاتُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ لِمَنْ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَيَتَفَكَّرُ بِعَقْلِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى عَدُوِّنَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي مُعْطِيهِمْ فَأَجْعَلُ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَلَكِنْ إِنْ كَفَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَذَّبْتُهُمْ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ: رَبِّ دَعْنِي وَقَوْمِي فَأَدْعُوهُمْ يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَأَخْرَجَ وَكِيعٌ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَآدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي

(١) . الشعراء: ١١٩ ويس: ٤١. (٢) . يونس: ٢٢.

1 / 189