123

Fath Qadir

فتح القدير

Editorial

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٤ هـ

Ubicación del editor

بيروت

وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ حُسُنًا بِضَمَّتَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَسَنٌ شَرْعًا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَقِيلَ: الصِّدْقُ، وَقِيلَ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، وَهُوَ خِطَابٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا، وَالزَّكَاةُ الَّتِي كَانُوا يُخْرِجُونَهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَزَكَاتُهُمْ هِيَ الَّتِي كَانُوا يَضَعُونَهَا فَتَنْزِلُ النَّارُ عَلَى مَا يُقْبَلُ، وَلَا تَنْزِلُ عَلَى مَا لَا يُقْبَلُ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ قِيلَ: الْخِطَابُ لِلْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ ﷺ لِأَنَّهُمْ مِثْلُ سَلَفِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا مَنْصُوبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ. وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَالْإِعْرَاضُ وَالتَّوَلِّي بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: التَّوَلِّي بِالْجِسْمِ، وَالْإِعْرَاضُ بِالْقَلْبِ. وَقَوْلُهُ: لَا تَسْفِكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي: لَا تَعْبُدُونَ، وَقَدْ سَبَقَ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ. وَقَرَأَ أَبُو نَهِيكٍ بضم التاء وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ. وَالسَّفْكُ: الصَّبُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ. وَالدَّارُ: الْمَنْزِلُ الَّذِي فِيهِ أَبْنِيَةُ الْمُقَامِ، بِخِلَافِ مَنْزِلِ الِارْتِحَالِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: كُلُّ مَوْضِعٍ حَلَّهُ قَوْمٌ فَهُوَ دَارٌ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَبْنِيَةٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ دَارًا لِدَوْرِهَا عَلَى سُكَّانِهَا، كَمَا يُسَمَّى الْحَائِطُ حَائِطًا لِإِحَاطَتِهِ عَلَى مَا يَحْوِيهِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ مِنَ الْإِقْرَارِ: أَيْ حَصَلَ مِنْكُمُ الِاعْتِرَافُ بِهَذَا الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْكُمْ فِي حَالِ شَهَادَتِكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِذَلِكَ قِيلَ: الشَّهَادَةُ هُنَا بِالْقُلُوبِ وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى الْحُضُورِ. أَيْ أَنَّكُمُ الْآنَ تَشْهَدُونَ عَلَى أَسْلَافِكُمْ بِذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخَذَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يَنْفِيَهِ وَلَا يَسْتَرِقَّهُ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ أَيْ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشَاهَدُونَ الْحَاضِرُونَ تُخَالِفُونَ مَا أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاةِ فَتَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَقِيلَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَيُمْكِنُ أن يقال: منصوب بالذم أو الاختصاص: أذمّ أو أخص. وقال القتبي: إِنَّ التَّقْدِيرَ يَا هَؤُلَاءِ. قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا خَطَأٌ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَؤُلَاءِ بِمَعْنَى الَّذِينَ، أَيْ ثُمَّ أَنْتُمُ الذين تقتلون. وقيل: هؤلاء مبتدأ وأنتم: خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ: (تُقَتِّلُونَ) مُشَدَّدًا، فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ: أَنْتُمْ هؤُلاءِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا جَعَلَ قَوْلَهَ: تَقْتُلُونَ بَيَانًا لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنْتُمْ هؤُلاءِ أَنَّهُمْ عَلَى حَالَةٍ كَحَالَةِ أَسْلَافِهِمْ مِنْ نَقْضِ الْمِيثَاقِ. وَمَنْ جَعَلَ هَؤُلَاءِ مُنَادًى أَوْ مَنْصُوبًا بِمَا ذَكَرْنَا جَعَلَ الْخَبَرَ تَقْتُلُونَ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: تَظَّاهَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَصْلُهُ تَتَظَاهَرُونَ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا فِي الْمَخْرَجِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: تَظاهَرُونَ مُخَفَّفًا بِحَذْفِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ، لِدَلَالَةِ الْأُولَى عَلَيْهَا. وَأَصِلُ الْمُظَاهَرَةِ: الْمُعَاوَنَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الظَّهْرِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَوِّي بَعْضًا فَيَكُونُ لَهُ كَالظَّهْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: تَظَاهَرْتُمْ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَوِجْهَةٍ ... عَلَى وَاحِدٍ لَا زِلْتُمْ قِرْنَ وَاحِدِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيرًا «١» وقوله: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ «٢» . وأُسارى حَالٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقُولُ: مَا صَارَ فِي أَيْدِيهِمْ فَهُوَ أُسَارَى، وما جاء مستأسرا

(١) . الفرقان: ٥٥. (٢) . التحريم: ٤.

1 / 127