Fath Qadir
فتح القدير
Editorial
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤١٤ هـ
Ubicación del editor
بيروت
عَفَّانَ: مَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ: أَيْ مَا كَذَبْتُ، حَكَاهُ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الْأَمَانِيُّ: التِّلَاوَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ «١» أَيْ إِذَا تَلَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَتِهِ، أَيْ لَا عِلْمَ لَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ مِنْ دُونِ تَفَهُّمٍ وَتَدَبُّرٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ ... وَآخِرَهُ لَاقَى حِمَامَ الْمَقَادِرِ
وَقَالَ آخَرُ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ آخِرَ لَيْلَةٍ ... تَمَنِّي دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رُسْلِ
وَقِيلَ: الْأَمَانِيُّ: التَّقْدِيرُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ: مُنِّيَ لَهُ: أَيْ قُدِّرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَا تَأْمَنَنَّ وَإِنْ أَمْسَيْتَ فِي حَرَمٍ ... حَتَّى تُلَاقِيَ مَا يُمَنِّي لَكَ الْمَانِي
أَيْ يُقَدِّرُ لَكَ الْمُقَدِّرُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَالِاشْتِقَاقُ مِنْ مُنِّيَ إِذَا قُدِّرَ، لِأَنَّ الْمُتَمَنِّيَ يُقَدِّرُ فِي نَفْسِهِ ويجوّز ما يتمناه، وكذلك المختلق والقارئ يقدران كلمة كذا بعد كذا. انتهى. وَإِنْ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ نَافِيَةٌ: أَيْ مَا هُمْ، وَالظَّنُّ: هُوَ التَّرَدُّدُ الرَّاجِحُ بَيْنَ طَرَفَيِ الِاعْتِقَادِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ، كَذَا فِي الْقَامُوسِ، أَيْ مَا هُمْ إِلَّا يَتَرَدَّدُونَ بِغَيْرِ جَزْمٍ وَلَا يَقِينٍ وَقِيلَ: الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْكَذِبِ وَقِيلَ: هُوَ مُجَرَّدُ الْحَدْسِ. لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ عَامِلِينَ بَلْ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ذَكَرَ أَهْلَ الْجَهْلِ منهم بأنهم يتكلمون عَلَى الْأَمَانِيِّ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى الظَّنِّ الَّذِي لَا يَقِفُونَ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَظْفَرُونَ بِسِوَاهُ. وَالْوَيْلُ: الْهَلَاكُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَصْلُ فِي الْوَيْلِ وَيْ: أَيْ حُزْنٌ، كَمَا تَقُولُ: وَيْ لِفُلَانٍ:
أَيْ حُزْنٌ لَهُ، فَوَصَلَتْهُ الْعَرَبُ بِاللَّامِ، قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَمْ نَسْمَعْ عَلَى بِنَائِهِ إِلَّا وَيْحَ، وَوَيْسَ، ووَيْهَ، وَوَيْكَ، وَوَيْبَ، وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهَا قَوْمٌ وَهِيَ مَصَادِرُ لَمْ يَنْطِقِ الْعَرَبُ بِأَفْعَالِهَا، وَجَازَ الِابْتِدَاءُ به وإن كان نكرة لأن فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ. وَالْكِتَابَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ الْمُحَرَّفَ وَلَا يُبَيِّنُونَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ عَلَى فَاعِلِهِ. وَقَوْلُهُ: بِأَيْدِيهِمْ تَأْكِيدٌ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْيَدِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ «٢» قوله: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ وقال ابن السراج: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّهُ مِنْ تِلْقَائِهِمْ دُونَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ. وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تِلْقَائِهِمْ قَوْلُهُ: يَكْتُبُونَ الْكِتابَ فَإِسْنَادُ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ يُفِيدُ ذَلِكَ. وَالِاشْتِرَاءُ: الِاسْتِبْدَالُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَوَصَفَهُ بِالْقِلَّةِ لِكَوْنِهِ فَانِيًا لَا ثَوَابَ فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ حَرَامًا لَا تَحِلُّ بِهِ الْبَرَكَةُ، فَهَؤُلَاءِ الْكَتَبَةُ لَمْ يَكْتَفُوا بِالتَّحْرِيفِ وَلَا بِالْكِتَابَةِ لِذَلِكَ الْمُحَرَّفِ حَتَّى نَادَوْا فِي الْمَحَافِلِ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لينالوا بهذه المعاصي المتكرّرة هذا الغرض النَّزِيرَ وَالْعِوَضَ الْحَقِيرَ. وَقَوْلُهُ: مِمَّا يَكْسِبُونَ قِيلَ: مِنَ الرِّشَا وَنَحْوِهَا وَقِيلَ: مِنَ الْمَعَاصِي، وَكَرَّرَ الْوَيْلَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ وَتَعْظِيمًا لِفِعْلِهِمْ وَهَتْكًا لِأَسْتَارِهِمْ وَقالُوا أَيِ الْيَهُودُ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الْآيَةَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ لِمَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ أَنَّهَا لَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً: أَيْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكُمْ مَعَ اللَّهِ عَهْدٌ بِهَذَا، وَلَا أَسْلَفْتُمْ من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه
(١) . الحج: ٥٢. (٢) . الأنعام: ٣٨.
1 / 123