Conquista de Darfur
فتح دارفور سنة ١٩١٦م ونبذة من تاريخ سلطانها علي دينار
Géneros
كلمة المؤلف
فتح دارفور
كلمة المؤلف
فتح دارفور
فتح دارفور سنة 1916م ونبذة من تاريخ سلطانها علي دينار
فتح دارفور سنة 1916م ونبذة من تاريخ سلطانها علي دينار
تأليف
حسن قنديل
كلمة المؤلف
مولاي حضرة صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون، إلى سموك بل إلى مقامك الجليل أرفع مذكراتي عن فتح دارفور سنة 1916م على قدر ما وسعت الذاكرة، فإن تفضلت يا مولاي بقبولها كان ذلك حسبي وبغيتي، بل ما تصبو إليه نفس الخاضع.
Página desconocida
بكباشي
حسن قنديل
من ضباط الجيش ورئيس قلم جوازات السفر بميناء الإسكندرية سابقا
25 أغسطس سنة 1937
فتح دارفور
(1) صدور الأمر بتجريد حملة على دارفور
صدر أمر الحكومة من شخص السردار بتأليف وحدات سريعة الانتقال تتحمل هجير الصحراء، ورمالها حينما عزمت على توجيه حملة على السلطان علي دينار «سلطان دارفور»؛ لتقتص منه، وتنزله من شامخ مجده، وسؤدده؛ لامتناعه عن دفع الجزية السنوية، وانضمامه إلى أعداء الحلفاء في الحرب العالمية الكبرى، أي إلى جانب تركيا، وألمانيا، والنمسا والمجر، وذلك في 10 فبراير سنة 1916م.
وكان من بين تلك الوحدات السريعة التحرك: «البطارية المكسيم الجمالي الخصوصية السريعة.» (2) تحركها
بعد التمرن اللازم صدر الأمر بتحركها من الخرطوم بحري يوم 27 فبراير سنة 1916م بقطار الساعة 9 مساء اليوم المذكور، ولم يكن لدينا فسحة من الوقت، حيث صدر الأمر فجأة حوالي الساعة 2 بعد الظهر، وقد كانت وجهتنا الأبيض بالطبع. (3) الضباط الذين انتخبوا من سلاح الطوبجية للبطارية المذكورة
حضرة اليوزباشي «علي إسلام أفندي» نائب قومندان هذه البطارية.
Página desconocida
حضرة الملازم الأول «حسن أفندي حسني الزيدي» قائد 1 جي صنف.
حضرة الملازم الأول «حسن أفندي حلمي» قائد 2 جي صنف.
حضرة الملازم الأول «حسن قنديل أفندي» قائد 3 جي صنف. (3-1) قوة هذه البطارية
ولما كانت هذه البطارية قد أنشئت لغاية خاصة، هي أن تكون خفيفة وسريعة، فقد تألفت مما يأتي:
عدد
6
مدافع مكسيم فكرز سريعة الانطلاق 0,303 من البوصة (أي 8 مليمترات تقريبا).
55
صف ضابط وعسكري من ضمنهم 3 إشارجية، وبروجي، وبيطار، وباشجاويش، وبلوك أمين.
78
Página desconocida
جملا بالمخاليف والسمارات (من ذلك 15 جملا لحملة البطارية).
1
بكباشي إنجليزي «البكباشي هاتون»؛ ليكون قومندانا لها حيث حضر أخيرا وانضم إلينا في بلدة النهود.
1
يوزباشي.
3
ملازمين. (4) الوصول إلى «الأبيض»
وصلنا إلى الأبيض عاصمة كردفان وحاضرته الساعة 8 من صباح يوم 29 فبراير سنة 1916م، وعملنا بها مسقى ومزاود للجمال، حيث أخذنا راحة خفيفة. (5) التحرك من «الأبيض»
قمنا من «الأبيض» الساعة 3 بعد ظهر يوم وصولنا إليها، وواصلنا السير حتى بلدة النهود عاصمة المركز يوم 7 مارس سنة 1916م الساعة 9 صباحا بعد سفر شاق استغرق سبعة أيام بلياليها.
وعسكرنا بالنهود مع باقي القوة من طوبجية وبيادة راكبة وهجانة وبيادة وقسم طبي وبيطري وقسم أشغال وحملة. وهاك بيان تلك القوات ورؤساء الوحدات:
Página desconocida
حضرة صاحب العزة الأميرالاي «كلي بك
Kelly » قومندان عام التجريدة والسواري والبيادة الراكبة.
حضرة صاحب العزة القائمقام «لتل بك
Little » الرئيس الأول لأركان حرب التجريدة.
حضرة الصاغقول أغاسي «محمود أفندي حافظ» مساعد أركان حرب التجريدة.
وهؤلاء كانوا مركز الرياسة.
حضرة صاحب العزة القائمقام «إسبنكس بك
Spinks » قومندان طوبجية التجريدة أو الحدود الغربية.
حضرة صاحب العزة القائمقام «هادلستون بك
Hudleston » قائد عام الهجانة.
Página desconocida
حضرة صاحب العزة القائمقام «كمنس بك
Cammins » حكيمباشي القوة.
حضرة صاحب العزة القائمقام «هني بك» مدير عام الأشغال العسكرية
Henny .
حضرة صاحب العزة القائمقام «جيلز بك» قومندان عموم الحملة 4 بلوكات
Giles .
حضرة صاحب العزة القائمقام «ورسلي بك» مساعد مدير عام التعيينات.
القوة
2
بلوك بيادة راكبة تحت قومندانية البكباشي «كوبدن» الذي ترقى فيما بعد قومندانا لعموم السواري والبيادة الراكبة.
Página desconocida
3
بطاريات طوبجية، منها بطاريتا ميدان تحت قومندانية البكباشي «ثوربورن» وبكباشي إنجليزي آخر، يساعدهما في ذلك حضرتا اليوزباشي «حسن حسني علوي أفندي»، واليوزباشي «محمود زكي رشاد أفندي». والبطارية الثالثة تحت قومندانية البكباشي «محمد أفندي السبكي».
1
بطارية مكسيم جمالي خصوصية أنشئت لهذه التجريدة خاصة.
4
جي أورطة بيادة.
4
بلوكات من 13 أورطة سودانية، من ضباطها البكباشي «أحمد أفندي فهمي».
2
بلوكان من 14 أورطة بيادة تحت قومندانية بكباشي إنجليزي.
Página desconocida
2
إدارة من أورطة العرب الشرقية تحت قومندانية القائمقام «مكاون بك» نائب قومندانها.
5
بلوكات هجانة. والهجانة بأجمعها تحت قومندانية القائمقام «هادلستون بك».
قسم الأشغال العسكرية
مستشفى ميدان مؤلف من 10 أطباء و42 صف ضابط وعسكري.
التعيينات
3
بلوكات حملة ، وأخيرا صاروا خمسة.
قسم من المهمات مركزه النهود تحت قومندانية حضرة الملازم الأول «عبد الرحمن محمود أفندي». (6) التحرك من النهود
Página desconocida
تحركنا من النهود يوم 16 مارس 1916م الساعة 3 بعد الظهر، ووجهتنا بلدة «واد بنده». ومما يجدر ذكره هنا أننا قبل وصولنا إلى النهود بيومين سمعنا بفرار الملازم الأول المدعو «عبد الموجود» من الهجانة للمعاملة السيئة التي كان يعامله بها البكباشي «ماكلين» قومندان البلوك وهو إنجليزي، وانضمامه إلى السلطان علي دينار، وبعد أربعة أيام علمنا بنزول اليوزباشي «محمود أفندي رياض»، وهو من أورطة العرب إلى الخرطوم ثم إلى مصر، وكذلك الملازم أول «عبد الرحمن أفندي الصيرفي» نائب مأمور مركز النهود مع الملازم الثاني «محمد أفندي أبو المجد» وهو من الطوبجية واعتقال الجميع لأسباب سياسية.
ثم واصلنا السير إلى أن وصلنا إلى حلة «واد بنده» الساعة 10 مساء يوم 19 مارس، ومنها مررنا بحلة تدعى «دم جمد»، وهي آخر حدود السودان الإنجليزي المصري
Anglo-Egyptian Sudan
والحد الفاصل بينه وبين حدود السلطان علي دينار سلطان دارفور. (7) القصد من تحرك القوة
في حلة «دم جمد»
1
وزع مركز رياسة التجريدة على جميع الوحدات منشورا خلاصته:
أن القصد من تحرك القوة هو ضرب السلطان علي دينار؛ حيث إنه تمرد على الحكومة بامتناعه عن دفع الضريبة - الجزية المعتادة - وانضم إلى أعداء الحلفاء مع أنه تابع للحكومة، وبلاده جزء متمم للسودان الإنجليزي المصري.
وقد بقينا في الحلة المذكورة فترة؛ لنستريح قليلا. (8) التحرك من حلة «دم جمد»
قمنا من «دم جمد» الساعة 6 صباحا، فدخلنا في أرض السلطان علي دينار، ووصلنا بمسيرنا إلى بلدة تدعى «أم شنقا» الساعة 12 ظهر يوم 20 مارس سنة 1916م. وقبل أن نصل إليها بساعتين ظهرت سواري كشافة للعدو، وعددهم يقرب من الخمسة والأربعين فارسا إلا أن كشافتنا كانت متيقظة، فلمحتهم من بعد، وأعدت للأمر عدته، وقابلتهم بنار حامية جعلتهم يولون الأدبار. (9) الوصول إلى «أم شنقا»
Página desconocida
وصلنا إلى «أم شنقا»، وعسكرنا فيها بشكل قلعة محمية من جميع جهاتها بالمدافع المعدة لضرب أي مهاجم، أو مفاجئ.
ومما يجدر بالذكرى، والاعتبار أن معسكرنا هذا قد وقع في قطعة أرض مرتفعة، ومحاطة بخندق صنع بدقة، وإحكام، وحاكم على كل الجهات المطلة عليه. وبالتحري علمت أنها كانت محل معسكر الجيش المصري القديم عند سقوط سلطنة دارفور في عهد الخديو إسماعيل، فقلت في نفسي: يا الله! ما أجمل الذكرى! وما أحبها إلى القلب!
وقد عسكرنا تلك الليلة وبتنا، وكنا على أتم الحذر، والاستعداد لسحق كل مهاجم. وفي مساء ذلك اليوم أجرى قومندان البطارية الجديد الذي رافقنا من النهود تجربة المدافع أمام نظره، وتأكد من حسن حالتها. (10) القيام من «أم شنقا»
قمنا من «أم شنقا» أي جميع الطوبجية، والبيادة، والهجانة، والبيادة الراكبة ما عدا 2 جي بطارية، وبعضا من الهجانة؛ لتكون مع الحملة، ولحفظ خط الرجعة أيضا.
وفي الساعة 10 صباحا ظهرت كشافة العدو، ولكنهم طوردوا، فطردوا، وفروا مرتدين على الأعقاب، وما وافت الساعة 11 صباحا حتى ظهرت ثانية تعززها أورطة بيادة للعدو أيضا، ومعها بيرقها. (11) أول موقعة
ولما رأتهم كشافتنا أصدرت القيادة العامة الأمر بأن تتألف القوة بشكل قلعة تحميها المدافع من أركانها الأربعة، فحصل ذلك بغاية ما يمكن من السرعة، ووقع في تلك اللحظة تبادل النيران بين الطرفين، وقد كان شديدا لفترة صغيرة لا تجاوز نصف الساعة.
وقد قيل إن نار مدافعنا أصابت عشرة من سواري العدو فجندلتهم، أما أغلب رصاص العدو فقد كان جميعه طائشا، ولم يفوزوا إلا بخرق جبة أحد عساكر الهجانة، وخدش فخذ أحد عساكر البيادة الراكبة، وقد استمرت هذه الموقعة الصغيرة ما يقرب من ساعة ونصف، وقد كنت ترى مدافع المكسيم السريعة الانطلاق ترد العدو من بعد على أعقابه حائرا دهشا من تلك النيران السريعة الجهنمية التي كانت تلفظها من أفواهها. (12) التقدم إلى جبل الحلة
تقدمنا بعد ذلك إلى جبل الحلة، فوجدنا العدو قد أعمل النار في معسكره، وتركه وهو لا يلوي على شيء، واللهب قد بلغ أشده، وسحب الدخان تكاد تسد الجو. (13) الوصول إلى جبل الحلة واحتلاله
وما وافت الساعة 3 بعد ظهر ذلك اليوم حتى وقفنا أمام قشلاقات العدو، وأطفأنا تلك النيران الملتهبة المحرقة، ثم احتلت بعض مدافع الطوبجية الجبل، والمواقع الحاكمة فيه. (13-1) ما هو جبل الحلة؟
جبل الحلة هو جبل منيع به سكان عديدون، وحلل كثيرة متقاربة، ولا تسل عن فرح الأهالي، وغبطتهم عند وصولنا إليهم، فقد انتشلناهم من وهدة ظلم ابن دينار الذي أرهقهم بجبروته، واستبداده. وهواء هذا الجبل حسن جدا. (13-2) مبارحة جبل الحلة
Página desconocida
تركنا أربعة مدافع ميدان بجبل الحلة، وتقدمنا مسافة على بعد ساعة منه، واحتللنا الآبار التي في بلدة «اللجود» فوجدناها سليمة، ووجدنا ماءها غزيرا، فملأنا الأوعية، وسقينا الجمال، والخيل، والبغال، وبتنا بها تلك الليلة. (13-3) العودة المعجلة إليه ثانية
وفي ظهر يوم 23 مارس سنة 1916م جاءتنا إشارة تلفونية بواسطة «الهيلوجراف» وهي الإشارة بالمرآه، باحتمال هجوم العدو على القوة المرابطة بجبل الحلة نظرا لقلتها، وحينئذ صدر الأمر بالعودة المعجلة إلى هذا الجبل.
وفعلا كان ذلك، فوصلنا إليه الساعة 4 بعد الظهر، وعسكرنا به، واستعددنا لكل أمر مفاجئ وإصلاء العدو وابلا من الرصاص. (13-4) رحيل الأهالي من جبل الحلة
وقد صدر أمر القيادة العامة برحيل الأهالي من جبل الحلة خيفة الهجوم عليه حتى لا يتحملوا أي خسارة، وفعلا نفذ ذلك ورحل أغلبهم إلى بلدة «اللجود».
وفي يوم 26 مارس 1916م صدر الأمر إلى صنفي أن يقوم إلى بلدة اللجود مع البطارية حرف
A
أي مع صنفين منها، وهما: صنف المكسيم السريع الذي تحت حكمدارية حضرة الملازم الأول «محفوظ أفندي ندا»، وصنف الميدان الذي تحت حكمدارية حضرة اليوزباشي «محمود أفندي زكي رشاد»، وكنا جميعا تحت حكمدارية البكباشي «ثوربورن» من الطوبجية، وكان الغرض من قيامنا إلى البلدة المذكورة أن نعسكر بها مع بلوكين من الهجانة، وبلوك بيادة راكبة لحمايتها من الهجوم المنتظر عليها، ثم المحافظة على الآبار التي بها، فوصلنا إليها الساعة 1 والدقيقة 30 بعد الظهر، وعسكرنا في المكان المخصص لنا. (14) عودتي إلى «أم شنقا» ثانية مع بلوك هجانة
صدر لي الأمر أن أقوم بصنفي مع بلوك هجانة إلى «أم شنقا»، ومعنا بلوك حملة، فقمنا من بلدة اللجود الساعة 4 والدقيقة 30 صباح يوم 30 مارس سنة 1916م، فوصلنا إليها الساعة 12 ظهر اليوم المذكور، فقابلت قومندان المعسكر القائمقام «مكاون بك» القومندان الثاني لأورطة العرب الشرقية، فعين لي المكان الذي سأعسكر فيه، وكانت المسافة من بلدة اللجود إلى «أم شنقا» 22 ميلا تقريبا. (14-1) أهمية «أم شنقا» في ذلك الوقت
لقد كانت «أم شنقا» محل التعيينات العام للتجريدة؛ لورود المئونة إليها، ثم صدورها منها إلى مركز النهود. أضف إلى ذلك أن بها بلوكين من أورطة العرب الشرقية، وبلوك الهجانة، وصنفي أنا المزود بمدافع المكسيم السريعة الانطلاق، وقوة من قسم الأشغال، والقسم الطبي، فالقسم البيطري. وقد كان الحصول على المياه بها من الصعوبة بمكان لقلة الآبار، وعمقها السحيق.
والخلاصة أن التعب كان ناشئا عن قلة الماء، فالعسكري كان مرتبه جالونا واحدا من الماء في الأربع والعشرين ساعة، والضابط جالونا ونصف جالون في هذه المدة أيضا.
Página desconocida
وبالجملة لم يكن لدينا طرق مواصلات منتظمة كسكة حديد، أو خط ضيق على الأقل، أو ما يماثل ذلك. كلا لم يكن لدينا شيء من ذلك مطلقا. يضاف إلى ذلك قلة الماء الذي هو الشريان المهم، والأداة القوية لكل جيش محارب، فالعطش وحده هو عدونا الهائل المخيف الذي يهددنا من وقت لآخر، ويرينا خيال الموت، ويصور لنا ما فعله بحملة هكس باشا، ورجاله الذين ضلوا الدروب في قلب الصحراء، فماتوا عطشا، وهم على قيد أمتار من الآبار. وإنما جهل الطريق قد أضلهم فأعماهم، فذهبوا ضحية المفاوز النائبة المترامية.
والغرض المهم من وجودنا ب «أم شنقا» هو أنها المركز العام لجميع التعيينات والعلائف «العلايق» التي ترد للتجريدة مبدئيا كما أسلفت، وأنها النقطة الوحيدة التي بها آبار ماء بعد ذلك السفر الطويل الذي استغرق خمسة أيام بلياليها من النهود. أضف إلى ذلك الخوف الشديد من مهاجمتها، وأخذها على غرة؛ حيث كان العدو على بعد خمسة عشر ميلا منها، وحينئذ كان الجيش يضرب ضربة شديدة في مقتل مميت، وما ظنك بجيش ضاعت مئونته، وعلائفه، فماؤه؟!
لذلك كانت مدافعي متقابلة في طرفي ضلعي المعسكر مستعدة في كل لحظة للضرب، ومن ذلك كنت ترى الأهمية العظيمة للقوة المرابطة ب «أم شنقا»، والمسئولية الكبرى الملقاة على عواتقنا.
وفي تلك المدة - أي مدة وجودي ب «أم شنقا» - احتلت القوة الأمامية بلاد «بروش»، و«أم كدادة»، و«أبيض» بعد قتال خفيف سبقته مناوشات بسيطة، اللهم إلا في «أم كدادة»، فإن رجال الملك محمود الدادنجاوي قاوموا مقاومة تذكر، وقد بقيت في «أم شنقا» إلى يوم 28 أبريل سنة 1916م. (15) القيام من «أم شنقا» إلى جبل الحلة
صدر الأمر يوم 28 أبريل سنة 1916م أن أقوم إلى جبل الحلة بحملة كبيرة تحت قومندانيتي، فبارحتها الساعة 5 مساء فرحا مسرورا؛ حيث أصبح المقام فيها ثقيلا على النفس؛ إذ من شأنها أن تسأم الإقامة في مكان واحد، وما لذة العيش إلا في التنقل، فوصلنا إلى جبل الحلة الساعة 8 من صباح يوم 29 أبريل سنة 1916م. (16) مبارحة جبل الحلة
وبعد ذلك صدر الأمر لصنفي، وصنف حضرة الملازم الأول «محمد أفندي يسري»، ومعنا حملة الجبة خانة الاحتياطية، وحملة من التعيينات، وإداراتان من أورطة العرب، والجميع تحت حكمدارية سعادة القائمقام «مكاون بك»، فتحركنا من جبل الحلة الساعة 4 من صباح اليوم المذكور، وعملنا بها مسقى للجمال، وباقي الحيوان، والمسافة من جبل الحلة إليها تقرب من ال 15 ميلا. (17) مبارحة «بروش»
قمنا من بروش الساعة 4 من صباح يوم 11 مايو سنة 1916م فوصلنا إلى بلدة تسمى «أم رزيقة» الساعة 10 صباحا، وقد استرحنا بها قليلا، ثم بارحناها الساعة 3 بعد الظهر، فوصلنا إلى «أم كدادة» الساعة 5 والدقيقة 30 مساء، وفيها انضممت مع بطاريتي تحت حكمدارية البكباشي «هاتون»، كما انضمت كل وحدة إلى سلاحها الأصلي. (18) مبارحة «أم كدادة»
صدر الأمر إلى البطارية - أي بطاريتي - مع باقي الوحدات تحت قومندانية القائمقام «مكاون بك» يوم 12 مايو سنة 1916م بالقيام الساعة 4 صباحا من يوم 13 منه، فوصلنا إلى بلدة «أبيض» الساعة 9 من صباح يوم 14 منه، والمسافة ما بين «أم كدادة» و«أبيض» هي 25 ميلا تقريبا، وهنا تجمعت جميع القوات، وانضمت إلى وحداتها الأصلية. (19) مبارحة «أبيض»
قامت القوة كلها من «أبيض» الساعة 6 من صباح يوم 25 مايو سنة 1916م تحت قومندانية الأميرالاي «كلي بك
Kelly Bey » قومندان التجريدة العام. وما وافت الساعة
Página desconocida
حتى ظهرت كشافة العدو فطوردوا بشدة ، وقتل منهم اثنان وجرح اثنان، وأسر مثلهما ومعهم ستة عشر جملا.
ثم تقدمنا، وما وافت الساعة
حتى حططنا الرحال للراحة قليلا من عناء حرارة شمس ذلك اليوم التي بلغت من الشدة منتهاها.
وفي الساعة 5 مساء ابتدأنا السير للتقدم إلى «الفاشر» عن طريق مليط، واستمر المسير حتى الساعة 10 مساء ثم عسكرنا للمبيت.
ثم تحركنا الساعة 4 من صباح يوم 16 مايو سنة 1916م، واستمر السير حتى الساعة
من صباح اليوم المذكور، ومن ثم عسكرنا للراحة، وتسريح الجمال، وسقيها، وعليفها.
ثم تحركنا الساعة 5 من مساء ذلك اليوم، واستمر السير حتى الساعة 9 مساء أيضا ثم عسكرنا للمبيت.
ثم قمنا الساعة 4 من صباح يوم 18 منه، فوصلنا الساعة
صباحا إلى حلل كثيرة قبل بلدة «مليط» فعسكرنا بها.
وتحركنا من تلك الحلل الساعة
Página desconocida
بعد ظهر اليوم المذكور لعمل مسقى للحيوانات من آبار تبعد عنها نحو ساعة ونصف سيرا، ثم عدنا إليها ثانية، ومنها واصلنا المسير من الحلل المذكورة، فوصلنا إلى «مليط» نفسها حوالي الساعة
مساء، وقد عسكرت كل وحدة في المكان المعين لها بواسطة أركان حرب القيادة العامة. (20) مليط
مليط بلد هواؤه جميل جدا، وبه حلل كثيرة متفرقة، وفيه زرع، وضرع، وخضرة، وليمون مما أهاج الحنين فينا إلى الخرطوم، ومعيشتها، كما يوجد به آبار عديدة جدا ماؤها عذب زلال، وفي كثرة زائدة، هذا فضلا عن السهولة المتناهية في كيفية استخراجه، وهو أنه مركب على كل بئر شادوف مما يماثل الشواديف التي كانت منتشرة بمصر قبل نظام الري، ووجود الآلات الرافعة، ثم وجدنا به بلحا لا بأس به، ولا تسل عما فيه من أصناف الخضر.
أما العساكر فحدث ولا حرج عن سرورهم، ونسيانهم كل ما مضى من نصب، وتعب وما عانوه في قطع تلك المسافات الشاسعة. (20-1) الطيارة وجيش ابن دينار
لقد أوقعت الطيارة الرعب في ابن دينار، وفي صفوف جيشه، وصفوة مقربيه، وأتباعه ممن يلقبونهم بالأنصار، والمجاهدين، حقا لقد فعلت بهم ما هو أدهى من ذلك عندما ألقت عليهم قنابلها الفتاكة.
وهذه الطيارة وأختها الأخرى فقط هما القوة الإنجليزية التي اشتركت مع القوات المصرية الصميمة في فتوح الفاشر مما يجعل الحكم الثنائي موضعا للنقد، والسخرية؛ إذ إنه يسخر الضعيف لنيل أغراض القوي، ورغباته، فيشبع بطنه، ويسد نهمه على حساب الخزينة المصرية المفتوحة على مصراعيها للمستشار المالي الإنجليزي، والموصدة أبوابها في وجوه الأمة المصرية قاطبة.
وقد غنمت هذه القوة ببلدة مليط ما يربو على الألف جمل، وألف رأس من الضأن. (21) مبارحة «مليط»
قمنا من «مليط» الساعة
صباح يوم 21 مايو من السنة المذكورة، وكان كل السير في مطاردة العدو، وقد قطعنا في ذلك اليوم 18 ميلا فقط، وبتنا في الطريق، واتخذنا الاحتياط الكافي، ثم سرنا الساعة 6 من صباح يوم 22 منه، وقد كان السير قدما بقدم، أي إن العدو في ذلك كان شديد المراس، وكان يحاسبنا على كل قدم نخطوها إلى الأمام، وبالاختصار واصلنا المسير حتى الساعة
صباحا، ثم حططنا الرحال للراحة، وما كدنا نصل إلى الأرض بأحمالنا حتى فوجئنا بهجوم شديد من الأمام، والجنبين الأيمن، والأيسر، وكانت البيادة التابعة للعدو تزحف بسرعة أمام سواريها، ففي الحال، وفي أقل من لمحة صغيرة ابتدأت القلعة؛ لأن معسكرنا كان دائما يتألف على شكل قلعة، تصليهم نارا حامية.
Página desconocida
ثم صدر الأمر إلى البطارية الخصوصية الجمالي السريعة - أي بطاريتنا - أن تتقدم، وتجلي العدو الزاحف، فتقدمنا، وأعملنا فيهم نار مدافعنا، فجندلت الكثيرين منهم. واستمرت القلعة من كل جهاتها تصليهم نارا حامية من مدافع الميدان، ومدافع الفكرز، وبنادق البيادة، والبيادة الراكبة، والهجانة إلخ ... نعم استمرت هذه الموقعة بشدة عظيمة حتى الساعة
بعد الظهر تقريبا، وانجلت عن هزيمة العدو انهزاما تاما، فكانت خسارته تربو على الألف؛ ما بين قتيل، وجريح، كلهم من نخبة أمراء، وقواد دارفور، وقائد جيشه العام المدعو رمضان واد بره.
أما خسارتنا فكانت تسعة عشر، ما بين قتيل، وجريح، وهذا بيانهم:
القتلى
1
جاويش من البيادة الراكبة.
1
عسكري من الطوبجية.
3
ضابطا صف، وعسكري من الهجانة.
Página desconocida
2
عسكريان من 13 أورطة بيادة .
1
عسكري من 14 أورطة بيادة.
الجرحى
1
البكباشي «ميدون» من السواري والبيادة الراكبة.
1
الملازم الأول «محمد أفندي يسري» من الطوبجية.
1
Página desconocida
الملازم الثاني «محمد أفندي زهران» من 14 أورطة بيادة.
8
عساكر من بقية الأسلحة.
وقد أسميت هذه الموقعة بموقعة برنجية نسبة إلى اسم حلة برنجية التي حصلت بجانبها. (22) التقدم إلى الفاشر
سرنا نحو الفاشر الساعة 4 والدقيقة 15 مساء يوم 22 مايو سنة 1916م، وواصلنا المسير حتى الساعة
مساء، ثم حططنا الرحال للمبيت على شكل مربع أي قلعة جميع أركانها مملوءة بالمدافع، وكذلك أضلاعها. (23) هجوم العدو الليلي
وقد قام العدو بهجوم في الليل حوالي الساعة 3 بعد منتصف الليل بقوة قدرت بثمانمائة فارس غير أن القره قولات الخارجية كانت غاية في اليقظة؛ فتقهقرت، وأخلت الأرض للمدافع التي أعملت مقذوفاتها، وردت العدو على الأعقاب.
ثم تحركنا قاصدين «الفاشر» حوالي الساعة 6 من صباح يوم 23 مايو سنة 1916م، فظهرت لنا سواري العدو الساعة
صباحا، فرمته الطوبجية بنار حامية فولى الأدبار. (24) احتلال «الفاشر»
ثم تقدمنا بدون أن نشعر بنصب، أو تعب، فاحتللنا الفاشر الساعة
Página desconocida
صباح يوم 23 مايو 1916م، فوجدنا ابن دينار قد تركها لا يلوي على شيء، فكان في تلك اللحظة تقويض سرير ملكه، والقضاء على سلطته العاتية، وجبروته الغاشم.
غير أن حرصه على الدنيا جعله يجمع كل ما له من مال، ومتاع، وحوره، وولدانه وبنات مطر، ومحظياته، ونساءه الشرعيات، بل أخذ كل ما تصبو إليه نفسه، وترك الفاشر قصبة ملكه، وسلطانه، وقلبه يتميز غيظا.
وإني أكتب هذه السطور وأنا جالس وراء مدافعي؛ لأحفر لها الخنادق، وأعمل لها الظلل «الدراوي»، فاعذرني أيها القارئ على ركاكة جملي، وعلى عدم إتياني بوصف مدينة «الفاشر» عاصمة دارفور؛ لأني جندي، ولست كاتبا قديرا، ولأنني حتى هذه اللحظة لم أتمكن من رؤية ما بداخل البلد، وسأصفها عند سنوح الفرصة، وعند مقابلتي لبعض الأهالي، والمقربين من السلطان للوقوف على كل ما يتعلق بذلك الطاغية العاتي، فإلى الغد، وإن غدا لناظره قريب.
ولقد فاتني أن أذكر السبب الرئيسي للفشل الذي حل بابن دينار، وهربه، فهاكه:
عند اقترابنا من عاصمة ملكه كان في تصميمه أن يعتصم بالبلد، ويخندقها، ثم يلقانا بكل ما يملكه من حول وطول، إلا أن أمراءه وذوي شوراه عقدوا مجلسا قرروا فيه بعد مناقشة حادة قتالنا خارج البلد «العاصمة»، وقد كان ذلك بقرار الأغلبية، وعلى الأخص قائد جيشه العام المدعو «رمضان واد بره» الذي تبعه في قراره هذا بقية الأمراء الذين يعتمد عليهم، كالخليل وسليمان، وغيرهما.
وقد أقسم الجميع على المصاحف بأنهم لن يعودوا إليه إلا والنصر مكلل على رءوسهم أو يموتوا فداء لسيدهم.
وقد تزين «رمضان واد بره» بأجمل زينة، ولبس سوارا من الذهب الإبريز محلى بالماس والزمرد، ثم اجتمعت حوله النساء، والسراري يطلقن له الزغاريد، والسلطان نفسه كان يطمئن لمشورته كثيرا، ويثق به، فوافق على هذه الفكرة، وفعلا حصلت الموقعة الهائلة
من صباح يوم 23 مايو سنة 1916م. وقد أبدوا من المهارة، والشجاعة، والثبات وعدم المبالاة بما كانت تمطرهم به مدافعنا من النيران المهلكة حتى إن كثيرا منهم قد لقي حتفه بعد ست خطوات من صفوفنا. وتلك الشجاعة نادرة، واسترخاص للنفوس في سبيل مليكهم، ووطنهم.
وفي تلك المعركة استشهد السردار «رمضان واد بره» قائد الجيش العام، والأمير «سليمان» وجرح الخليل، وأمراء كثيرون لا تحضرني أسماؤهم.
والخلاصة أن السلطان فقد نخبة جيشه وقواد جنده، وأمراءه، وعددهم يربو على الألف. (25) وصول الخبر إلى عاصمته وتزعزع عرشه
Página desconocida
ولما وصل الخبر إليه، وإلى عاصمة ملكه تزعزع جدران عرشه، وعلم أنه أوشك أن ينهار على رأسه، فعجل بالهرب يوم 23 مايو سنة 1916م أي قبل دخولنا «الفاشر». وهذا هو الجزاء العادل على الظلم، والجبروت، والعتو وجزاء من لا تجد الشفقة، والحنان إلى قلبه سبيلا وإن ربك لبالمرصاد.
ومن رعى غنما في أرض مسبعة
ونام عنها تولى رعيها الأسد
وبعد دخولنا «الفاشر» فتشت المساكن جميعها كالعادة الحربية المتبعة، ثم جمع السلاح الذي بيد الأهالي، وقد كان الكثيرون يأتون من تلقاء أنفسهم لتسليمه إلى الحكومة، وتقديم الطاعة التامة.
ومن جملة من سلم نفسه للحكومة ثالث يوم - أي يوم 26 مايو المذكور - الأمير «محمود الدادنجاوي» الذي تسميه الرعية بالملك محمود تقديرا لأهميته؛ ولأن السلطان نفسه كان قد منحه هذا اللقب، وهذه كانت من التقاليد المألوفة.
ولنعد إلى الأمير محمود هذا، فنقول إنه على حسب فكري رجل راجح العقل كثير الوقار، والتأني، والهيبة، وقد أرسله السلطان علي دينار لمحاربتنا ب «أم كدادة»، فأعمل الفكرة وطرق كل أبواب الحيلة؛ ليتغلب علينا، ويرجعنا القهقرى غير أنه أخفق إخفاقا تاما، فرجع إلى سلطانه يجر أذيال الخيبة، وقال له: لم أترك يا مولاي حيلة إلا اتخذتها لمحاربة الترك - أي المصريين - إلا أن نارهم لا تصطلي.
نعم هم جماعة قليلو العدد إلا أنهم - والحق يقال - شعلة من نار جهنم، وإني أرى من الصالح لسيدي أن يصالحهم، ويقدم الطاعة للحكومة؛ حفظا لكرامته، وكرامة ملكه، وعرشه وتاجه.
غير أن السلطان كان من الجهل والغباوة بمكان، فلم ترق مشورة الأمير في عينه، بل ضرب بها عرض الحائط، وقال له: «أتهددني بمثل هذا يا عبد! فما أنت إلا جبان، ومثلك لا يصلح أن يكون ملكا، وأميرا.» وجرده من ملكه وعقاره، وأخذ منه سيفه، وطبنجته، وهذا دليل على منتهى غضبه عليه.
وفي ذلك اليوم عينه - أي يوم 26 مايو سنة 1916م - سلم الأمير الآخر المدعو «واد حولي»، وهذا على - ما سمعت - فارس مغوار، يركن إليه في وقت الشدة كما أنه مشهور بشدة مراسه، وقدرته على الحروب، وهو الذي كان قد أرسله السلطان إلى جبل الحلة؛ ليعاون الخليل على قتالنا.
وبعد أن سلم هذان الأميران تبعهم الأهالي زرافات، ووحدانا ومعهم أسلحتهم مقدمين الطاعة للحكومة. (26) تعنيف الميرم تاجه لشقيقها السلطان
Página desconocida
ومن أحب، وأحلى - بل وأشجع - ما سمعته مرويا إلي عن أخته «الميرم
2
تاجه» عندما عزم السلطان شقيقها على الهرب، وتعنيفها له، وحضه على أن يموت فوق سجادته، أو على ظهر جواده، وهو الأصون لكرامته، وكرامة بيت الملك، قولها له:
يجب أن تحارب حتى آخر نفس يتردد فيك، وإلا فالأولى لي أن أعطيك جلبابي، وآخذ ثيابك وأذهب مكانك للحرب، والجلاد.
وهذا كلام وطني - والحق يقال - يجب أن يكتب بالذهب الخالص، وشجاعة لم أسمع مثلها إلا عن «جان دارك» معبودة الفرنسيين التي حاربت الإنجليز، وانتصرت عليهم في عدة مواقع دفاعا عن حرمة وطنها العزيز فرنسا.
فألهبت «الميرم تاجه » في فؤاد شقيقها السلطان الحمية، وأشعلت فيه النخوة حتى وافقها على رأيها قائلا: «سأريك يا أختي كيف أحارب الترك،
3
وكيف أضحي بنفسي في سبيل بلادي ووطني المحبوب.»
وشقيقته هذه كانت تحبه الحب الخالص، ولها دالة عليه، ولا يمكنه بأي حال أن يبت في أمر بدون مشورتها؛ لأنها - على ما يقال - على جانب عظيم من النجابة، والذكاء.
وهذه أسماء المقربين من السلطان، وأسماء مشيريه، ولقد كان كثيرا ما ينعم على بعض القوم بلقب ملك لزعمه أنه دون لقب السلطان. (27) ملوك دارفور (1)
Página desconocida