La Conquista Árabe de Egipto
فتح العرب لمصر
Géneros
32
وكذلك كانت صناعة الذهب وتطعيم المعدن؛ فقد برعت مدرسة الإسكندرية فيها جميعا وبرزت فيها. وإذا كانت هذه الصناعات تمت بأصلها إلى صناع مصر القديمة، فإنها بقيت إلى ما بعد فتح الإسكندرية بزمن طويل، وقد عادت الحياة إليها في القرون الوسطى، وكانت عند ذلك النشور بارعة، ولم يخب نورها، بل لا تزال باقية إلى أيامنا هذه.
وكان بالإسكندرية عدا ما ذكرنا صناعات زاهية مزدهرة، نذكر منها صناعة الورق وعمل الزجاج والمنسوجات وبناء السفن، فكان في مصر السفلى عدد عظيم من غياض فسيحة تنبت البردي؛ ذلك النبات الطويل الحسن، وكان الورق يتخذ من لبابه يشق شرائح تجعل منها صحائف بالضغط، ثم تصقل بآلة من العاج، وكانت الصحائف بعد ذلك يوصل بعضها ببعض فتكون لفائف يسهل استعمالها، وكانت مقادير عظيمة من البردي تصدر من مصر من مراسي الإسكندرية المزدحمة. ولسنا ندري متى ضعف أمر هذه التجارة، ولا الأسباب التي أدت إلى القضاء على هذا النبات في مصر.
33
وأما صناعة الزجاج فقد بقيت معروفة ذائعة الصيت زمنا طويلا في الإسكندرية وصحراء النطرون. وقد قال سترابو إن صناع الزجاج في مصر كانت لهم أسرار يحفظونها، ولا سيما في معامل «ديوسبوليس»، وإنهم كانوا يقلدون الجواهر في صناعاتهم ويعملون قماقم المر. وكان الزجاج من بين الأشياء التي فرضها «أغسطس»
34
على مصر ترسل عينا ضمن الجزية السنوية. ولا تزال في متحف الإسكندرية أمثال بديعة من منتجات هذه الصناعة. ولا خلاف في أن هذه الصناعة أسلمها القبط بعضهم لبعض جيلا بعد جيل حتى العصور الوسطى، وكان آخر ما أخرجته تلك الصناعة المصابيح المطعمة الفاخرة التي كانت تزين الكنائس والمساجد، وهي اليوم مفخرة المتاحف التي تجمع آثار العصور الوسطى. أما صناعة الخزف فلا نعرف على وجه البت في أي وقت بدأ أمرها في الظهور، ولكن كان ذلك لا بد في عصر قديم؛ فقد ذكر سائح فارسي
35
جاء إلى الفسطاط في سنة 1047 للميلاد أمر صناعة الزجاج الرقيق، وذكر سوى ذلك الزجاج المزخرف الذي وجده يصنع هناك، قال عنه: «وكان رقيقا شفافا، حتى إن الإنسان ليرى من وراء الآنية يد من يمسكها.» وقد ذكر أيضا الأواني اللامعة المختلفة الألوان التي تشبه نسيج الحرير المعروف باسم «بوقليمون»، وهو الذي يتغير لونه كلما تغير موقع الضوء من سطحه. وهذه الشهادات ذات قيمة عظمى؛ إذ تدل دلالة قاطعة على ما بلغته صناعة الخزاف والزجاج من التقدم في القاهرة في القرن الحادي عشر. ولا شك في أن الصناعة الإسبانية المغربية التي جاءت بعد ذلك وذاع ذكرها وشاع، ترجع بأصلها إلى صناعة القاهرة.
وأما المنسوجات فقد كانت لها تجارة رائجة، وكانت متعددة الأنواع والأصناف؛ فكان الكتاب الدقيق لا يزال ينسج، ولعله كان أدق خيطا وصنعة مما كانت تخرجه مناسج مصر القديمة، وفوق ذلك قد صار الحرير منذ حكم «جستنيان» أكثر شيوعا بين الناس،
Página desconocida